خبر : مكانة الدولة في الفكر السياسي الفلسطيني...مهند عبد الحميد

الأربعاء 02 سبتمبر 2009 12:32 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مكانة الدولة في الفكر السياسي الفلسطيني...مهند عبد الحميد



منذ فترة طويلة ــ وتحديداً بعد الانتفاضة الثانية ــ عشنا مرحلة فقدان الاتجاه واختلال الوزن، تخبطنا في وضع الأولويات والأهداف، ولـم نحسن تحديد أو ممارسة أشكال النضال الـملائمة. ولـم نقم بخطوة إصلاح واحدة للبنية التنظيمية والإدارية. ويمكن القول إن فقدان الاتجاه بدأ عندما أفلتنا الهدف الـمركزي للنضال الوطني ممثلاً بالدولة. لقد أفلتنا هذا الهدف بعد أن أمسكناه بقوة على مدار عقدين من الزمن. كان هذا الهدف ناظماً للنضال الوطني في مختلف أماكن وجود الشعب الفلسطيني.  وكان عنواناً لتطور التفكير السياسي. كانت القيادة تقول سنقيم دولة على أريحا أو أية قطعة من الأرض تتاح لنا استعادتها. هذا الكلام عبر عن رؤية عميقة ومسؤولة للـمصلحة الحقيقية التي تلتقي عندها أكثرية الشعب الفلسطيني. فالدولة بما هي تتويج للهوية والكيانية وعامل بناء وتطوير لحالة التفكيك والتفتيت التي أخضع لهما الشعب الفلسطيني. الدولة هي النقيض الفعلي للتطهير العرقي والطمس والإلحاق والذوبان الذي مارسته إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. القيادة الصهيونية بزعامة بن غوريون وضعت هدف الدولة في مركز اهتمامها واعتبرت النجاح فيه هو الـمقياس الوحيد لنجاح مشروعها في فلسطين. وفي الوقت نفسه حرصت على تحطيم بنية الـمجتمع الفلسطيني ودمرت كل إمكانية للاقتراب من بناء دولة فلسطينية، ولـم يتغير الـموقف الإسرائيلي من حيث الجوهر حتى الآن. الإعلان عن قيام دولة فلسطين في الخارج، ووثيقة الإعلان التي عبّرت عن وعي عميق بأهمية الدولة، والاعتراف الدولي غير الـمسبوق بالدولة الـمعلنة وافتتاح سفارات لها، كل هذه الـمواقف عبرت عن امتلاك الحركة الوطنية لبوصلة تحديد الاتجاهات والأهداف، وحسمت خيار الدولة للشعب وللحركة الوطنية على حد سواء. وعندما حان وقت التطبيق بإنشاء أول سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية (نواة الدولة)، قدمنا نموذجاً سلبياً ألحق أفدح الأضرار بفكرة الدولة. وكان التكتيك الـمتبع للاتجاه الـمركزي هو انتظار الحل الذي ستسفر عنه مفاوضات الوضع النهائي، وإرجاء البناء وحل مشكلات الـمجتمع لـمرحلة الدولة الـموعودة. كان من الـمفترض وضع إستراتيجية نضال جديدة بهدف استعجال الحل الذي ينهي الاحتلال، والتعامل مع السلطة كنواة للدولة التي تخدم مواطنيها وتدافع عن مصالحهم.  خلافاً لذلك استخدمت السلطة من البعض طوال الـمرحلة الانتقالية للإثراء والصعود وبناء مراكز قوى وجهويات وتعزيز نفوذ العائلات والعشائر على حساب الوطن والـمواطن، وغابت الـمساءلة والـمحاسبة بأدنى مستوياتهما؛ ما ساهم في تعميق الشرخ بين السلطة والقيادة من جهة والـمواطنين من الجهة الأخرى. وفي تشويه فكرة الدولة عند السواد الأعظم من الـمواطنين. وعندما أخفقت الـمفاوضات في التوصل إلى حل حدث الانهيار، وأعيد خلط الأوراق وعدنا إلى مرحلة ما قبل الدولة. الـمعارضة اليسارية لـم تعترض على ما كان يجري إلا بالكلام، ولـم تزاول دورها التاريخي الـمفترض في ممارسة النقض وتقديم البدائل وفي حماية فكرة الدولة من الانهيار. وبفعل عجزها عن القيام بالإصلاح وعن مزاولة دور فكري سياسي يحافظ على الاتجاه ويحدد الأولويات، أصبحت الـمعارضة اليسارية جزءاً من الأزمة. الـمعارضة الإسلامية كان يهمها مفاقمة الأزمة الوطنية وسقوط النموذج الوطني كي ترثه. وقدمت الأيديولوجيا على السياسة ضمن خلطة عجيبة جعلتها خارج الزمان والـمكان. ثم عادت إلى طرح شعارات وبرامج قبل عقود خلت. ولـم تطرح الدولة كحل ومخرج. وجاءت تجربة سلطة حماس في قطاع غزة بعد الانقلاب العسكري لتقدم نموذجاً سلبياً منفراً، ولتلحق أفدح الضرر بفكرة الدولة أيضاً. التجربة السلبية فكراً وممارسةً للسلطة (نواة الدولة) لـم تلغ استمرار مبرر الدولة الفلسطينية كحاجة وطنية واجتماعية وسيكولوجية وإنسانية واقتصادية لا غنى للشعب الفلسطيني عنها. ولأنها كذلك، فإن مهمة إعادة الاعتبار للدولة في حقلي الفكر والـممارسة تكتسب أهمية كبيرة وشديدة الأهمية. مهمة تحتاج إلى تسليط الأضواء على نشوء وتأسيس الدول كتعبير عن تطور الـمجتمعات أو كشرط لتطورها. والتوقف عند تجارب الدولة التي تحولت من دولة في خدمة مواطنيها إلى سلطة في خدمة الـمتنفذين. وشرطة حماية القانون والـمواطن التي تحولت إلى أجهزة قمع الـمواطنين. مهمة إعادة الاعتبار للدولة تحتاج إلى طرح أسئلة والرد بسجالات حول غياب هدف الدولة من الفكر القومي منذ أول نضال للشعوب العربية ضد العثمانيين وحتى الاستقلال، وخلال قرن من نضال الشعب الفلسطيني ما عدا عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الـماضي. ثمة اشكالية تبرز في مفهوم الدولة، البعض يتعامل مع الدولة ونواتها (السلطة) كتكتيك يطرح ويسحب على الـمزاج وحسب الطلب. وليس باعتبار الدولة مهمة وضرورية في إعادة بناء التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية والإدارية للشعب الفلسطيني، وفي بناء تماسك وطني قادر على الصمود والتطور. والبعض يناصب فكرة الدولة العداء بسبب تقديم نموذج فاشل ومحبط للسلطة أو نواة الدولة سواء على صعيد إداري أو مالي أو أمني. منظمة التحرير شكلت وما زالت تشكل الحامل الوطني الاجتماعي والنضالي لـمشروع الدولة، ولكن حدث تطور جديد في موقع السلطة (نواة الدولة)، حيث أصبحت شريكاً مكملاً للـمنظمة في هذه الـمهمة. الـمنظمة في ظل التحولات في النظام العربي لا تستطيع وحدها النهوض بالـمهمة، كما أن السلطة لا تستطيع وحدها النهوض بالـمهمة. الـمنظمة لها شرعية عالـمية وعربية والسلطة لها شرعية عالـمية وعربية. الـمنظمة مرجعية ستزداد فعالية إذا ما خضعت مؤسساتها للإصلاح والتطوير. والسلطة هي الرافعة الفعلية نظراً إلى التصاقها بالـمجتمع الفلسطيني (منظومة قوانين صحة تعليم عمل واقتصاد). التنازع والتدخل السلبي في الشأن الفلسطيني يتم عبر السلطة، ومن الـمنطقي أن يتم تعزيز ديناميات التغيير والتطور الفلسطيني الحقيقي عبر السلطة. القضية هي كيف نستخدم ونطور أداء السلطة وكيف لا نفتح الـمجال للتدخلات والوصاية الخارجية. التقدم أو الإخفاق يعتمد على قدرتنا في انتزاع زمام الـمبادرة وفي تحديد الهدف والأولويات وفي البناء على الأرض استناداً للـمعايير الواضحة. الرفض والانسحاب من الـمواجهة هو الأسهل، لكن الانسحاب يفتح الـمجال لتدخلات أكبر وأعمق، قد تؤدي إلى فرض الحل وفرض الوصاية. انتزاع زمام الـمبادرة يبدأ فكرياً وسياسياً وبعد ذلك يسهل وضع الآليات والانخراط في ترجمتها