عن الدور الريادي للعمال الفلسطينيين في لبنان..عبير بشير

السبت 20 يوليو 2019 02:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن الدور الريادي للعمال الفلسطينيين في لبنان..عبير بشير



كانت البنية الاقتصادية في لبنان، في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين، تقوم على الإنتاج السلعي الزراعي والصناعي والحرفي. وكان لبنان الجبل بلدا سياحيا، للمصطافين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين بسبب مناظره الطبيعية الخلابة، وهوائه العليل.
لكن، في ما بعد، راح الاقتصاد اللبناني يتحول، بالتدريج، نحو الخدمات، وكان للنكبة الفلسطينية دور مهم في هذا التحول.
فقد حمل اللاجئون الفلسطينيون معهم إلى لبنان 15 مليون جنيه إسترليني، أي ما يعادل 15 مليار دولار، وأطلقت الرساميل الفلسطينية فورة اقتصادية في لبنان في كافة القطاعات المصرفية والصناعية والإنشائية والتجارية والزراعية.
وكان لإقفال ميناء حيفا ومطار اللد شأن مهم جدا في تحويل التجارة في شرق المتوسط إلى ميناء بيروت ثم في إنشاء مطار بيروت الدولي بعدما كان مطار بئر حسن مجرد محطة متواضعة لاستقبال الطائرات الصغيرة، فضلاً عن استئثار ميناء الزهراني وميناء طرابلس بالنفط السعودي والعراقي اللذين توقف تصديرهما الى ميناء حيفا منذ سنة 1948.
كان الشكل الأولي للجوء الفلسطيني إلى لبنان، مختلفا عن الشكل اللاحق الذي تماهى مع صورة المخيم، المكان المغلق الذي يعج بالبطالة والبؤس والفقر، إذ شهدت بدايات الحركة الوافدة- قبل النكبة- اصطحاب الطبقة البرجوازية، غالبيتها من مسيحيي مدن الشمال الفلسطيني، سيولة ورساميل ساهمت في استثمارات على الأرض اللبنانية. ومن الأسماء التي برزت في تلك الفترة، ومنحتها السلطة اللبنانية الجنسية اللبنانية يوسف بيدس، مؤسس بنك أنترا وكازينو لبنان، والمساهم في شركة طيران الشرق الأوسط، ورفعت النمر، مؤسس بنك الاتحاد العربي وبنك بيروت، وريمون عودة، مؤسس بنك عودة.
ويوم لجأ الى لبنان نحو 110 ألف فلسطيني بسبب النكبة، رافقهم نحو 90 ألف لبناني كانوا يعملون في فلسطين. أسرعت السلطات اللبنانية وأعطت الجنسية اللبنانية إلى عدد من اللاجئين أصحاب رؤوس الأموال ومن الطبقة البرجوازية.
وكانت أول شركة لتوزيع الصحف والمطبوعات في لبنان أسسها فلسطيني وهي شركة فرج الله، وأول سلسلة محلات لتجارة الألبسة الجاهزة هي محلات عطا الله فريج الفلسطيني، وأول الذين أسسوا محلات السوبر ماركت في بيروت هو السيد اودين ابيلا الفلسطيني، وأول من أسس شركة لتدقيق الحسابات في لبنان هو فؤاد سابا وشريكه كريم خوري الفلسطينيان.
 أما باقي اللاجئين فقد وزعوا على مخيمات داخل الأراضي اللبنانية، وعاشوا في أجواء من القمع وشروط حياة متدنية للغاية، وأصبح المخيم البيئة الوحيدة لمواجهة سياسة الإقصاء الاجتماعي التي ترجمت في عملية انقطاع الفرد الفلسطيني عن مجتمع لبناني أوسع يتمتع بتركيبة سكانية تخضع لمعايير طائفية هشة. بينما انخرط آلاف اللاجئين في سوق العمالة اللبناني، وكان واضحاً أن اليد العاملة الفلسطينية المدربة والماهرة مارست دوراً بنيوياً في قطاع البناء والزراعة في لبنان، واشتهرت بعض العائلات الفلسطينية التي كان لها شأن بارز في تطوير بساتين الجنوب مثل آل عطايا.
كما كان لليد العاملة الفلسطينية حضور في معامل جبر وغندور وعسيلي واليمني، وفي إمداد القطاع الصناعي في الدكوانة وتل الزعتر والمكلس والشويفات باليد العاملة، وفي تطوير قطاع البناء. واستفادت القطاعات الإنتاجية اللبنانية كثيراً من جهد العمال الفلسطينيين الذين كانوا يتقاضون أجوزاً أقل ويعملون ساعات أكثر.
كما استفاد لبنان من فلسطينيي الفئة الوسطى، وهم حملة الشهادات الجامعية والمهنية، وهؤلاء عملوا في الإدارة والتدريس والخدمات، وقطاع الصرافة والتأمين والمصارف. وكانوا يشتغلون بأجور أقل من أجور أمثالهم اللبنانيين وبلا أي ضمانات. وتميزت هذه الفئة بهجرة أبنائها إلى دول الخليج العربي في الخمسينات والستينات، وهؤلاء كانوا يعيدون تحويل مدخراتهم إلى المصارف اللبنانية. وقد أسهمت التحويلات المالية لهؤلاء في تنشيط الطلب على السلع وعلى العقارات معا، وفي تكوين احتياطي مهم من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. 
وأثر قانون منع تملك الفلسطيني في لبنان الصادر في 2001 بشكل سلبي واضح على الحركة العقارية، بينما انتعشت الحركة العقارية في صيدا وساحل الشوف وبعض أحياء العاصمة بيروت والبقاع طوال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين جراء تحويلات العاملين الفلسطينيين في دول الخليج العربي.
ولعب اللاجئون الفلسطينيون أيضا، دوراً ريادياً في مجال الغناء والموسيقى في لبنان، ومن رواد الموسيقى في لبنان، الفلسطينيون فريد وحنا وريشارد السلفيتي ورياض البندك وسلفادور عرنيطة، والفاريس بولس، ثم سليم سحاب وعبد الكريم قزموز وعبود عبد العال، ومحمد غازي الذي درب فيروز على الموشحات، وغنى معها "يا وحيد الغيد"، وصبري الشريف الذي صمم كل مسرحيات الرحابنة، وتولى البرامج الموسيقية في الإذاعة اللبنانية، وهو الذي قامت على أكتافه فكرة تمدين الغناء الريفي".
 وأول فرقة للرقص الشعبي أسسها الفلسطينيان مروان جرار ووديعة حداد جرار. وأول من أسس الفرق الكورالية الموسيقية هما الفلسطينيان الفاريس بولس وسلفادور عرنيطة.
ومن أوائل مؤسسي مراكز البحث العلمي في بيروت الفلسطيني وليد الخالدي. وأول من أطلق فكرة تأسيس مدارس تعليم اللغة الانجليزية كان الفلسطينيان أميل اغابي وادي جمل. 
وعندما تدخل الجامعة الأميركية في بيروت، تقرأ: هذه قاعة طلال أبو غزالة وهذه قاعة حسيب صباغ، وهما فلسطينيان ساهما في بناء وتطوير الجامعة بتبرعات خاصة منهم، مع العلم أن نسبة وازنة بين خريجي الجامعة الأميركية في لبنان من الفلسطينيين.
ويتذرع بعض الذين يرفضون منح الفلسطينيين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، وفي مقدمها حق العمل وحق التملك، بالخوف من منافسة اليد العاملة الفلسطينية. والخوف من التوطين.
وحالياً، لا يتجاوز اللاجئون الفلسطينيون المقيمون فعليا على الأراضي اللبنانية 250 ألف فلسطيني. واستناداً إلى ذلك فإن قوة العمل الفلسطينية في لبنان حالياً لا تتجاوز الثلاثين ألف عامل يتوزعون على البناء والزراعة ومحطات الوقود والأفران والصيد البحري وحراسة المباني. وهي بالمناسبة قطاعات غير منافسة لليد العاملة اللبنانية التي تفضل الالتحاق بالقطاع الخاص، والوظائف الحكومية. ثم أن جانباً من قوة العمل الفلسطينية يندرج في إطار العمالة الموسمية، ما يرفع نسب البطالة إلى معدلات عالية ربما تصل إلى أكثر من 40% من الطاقة الكلية لقوة العمل الفلسطينية، وبالتالي فإن خطة مكافحة اليد العاملة الأجنبية غير الشرعية في لبنان والتي أقرها وزير العمل كميل أبو سليمان، لن تحقق هذا المردود الاقتصادي الملحوظ، لو طبقت على اللاجئين الفلسطينيين، بخلاف تأثيرها السياسي السلبي العميق على مناخ العلاقات الفلسطينية اللبنانية.