«فلسطين في مرايا الثقافة العربية»..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 09 يوليو 2019 10:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT
«فلسطين في مرايا الثقافة العربية»..مهند عبد الحميد



كانت مشاركة 39 مثقفا ومثقفة في ملف مجلة الدراسات الفلسطينية، أقوى وأهم من مشاركة  39 دولة في "ورشة المنامة". 
جبهة الثقافة انحازت للشعب الفلسطيني وليس في جعبتها غير مبادئ ومنظومة قيم إنسانية وحقوقية وأخلاقية وملكات إبداع وشجاعة القول والتعبير الصريح. 
جبهة التوحش والنهب والهيمنة امتلكت 50 مليار دولار أميركي – بالبلطجة -. 
جبهة الثقافة اعتمدت منصات ومنابر محدودة جداً للتعبير عن مواقفها، جبهة التوحش اعتمدت امبراطوريات ومراكز إعلام هائلة الانتشار في ترويج "الأحلام والأوهام".
جبهة الثقافة دافعت عن الحرية والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، جبهة التوحش دافعت عن الهيمنة والاحتلال والعنصرية والنهب وغطرسة القوة.  
كان ميزان القوى المادي فادح الاختلال لصالح جبهة التوحش المالي والسياسي والأمني. مقابل ذلك، كان ميزان القوى الأخلاقي والمعنوي والثقافي فادح الاختلال لصالح جبهة الثقافة والشعوب.  وفي المحصلة خسرت جبهة التوحش ورشة المنامة باعتراف مهندس الورشة جاريد كوشنر. 
الروائي اللبناني إلياس خوري يقول في افتتاحية مجلة الدراسات الفلسطينية: "الكلمة هي أول المقاومة وبها نكتشف حريتنا من جديد". 
والسؤال عن فلسطين اليوم في مرايا الثقافة العربية ليس سؤالا عن الماضي، فنحن لسنا أبناء الأمس إلا لأننا أبناء اليوم، وفلسطين لا تكون إلا جزءا من هذا المدى العربي الذي تعصف به الأزمات وتمزقه الحروب ويقمعه الاستبداد. حرية فلسطين هي جزء من حرية العرب، وأفق فلسطين هو أفق العرب". 
ويكشف خوري الحبكة الأميركية بالقول: "رقصة صفقة القرن قائمة على الخديعة: إسرائيل تريد أميركا أن تحارب بدلا منها، والعرب يريدون من إسرائيل وأميركا أن تحاربا بدلا منهم، وأميركا لا تريد أن تحارب، بل إنها تتكلم لغة الحرب كي تقبض ثمن الكلام، وتوحي بأنها لا تزال سيدة العالم. الجميع يخدع الجميع، لكن المخدوع الحقيقي هو النظام العربي الذي يجد نفسه الآن عاريا حتى من لغة يستر بها عجزه. ويتساءل خوري: ماذا لو لم يكن هناك حرب؟ وماذا لو أدت الحرب إلى دمار شامل لمنطقة الخليج بأسرها"؟ أسئلة بليغة تتوج بسؤال هل سيكون ثمن فلسطين لا شيء؟
يجب أن تكون القدس قبلة نشاطاتنا الثقافية مهما تكن مواقعها وأهدافها الخاصة، تهويد القدس جريمة ثقافية نكراء لا يغتفر التسامح بها. 
هذا ما يطالب به المخرج والممثل المسرحي اللبناني روجيه عساف، ويدعو أيضا إلى عدم السكوت على حصار قطاع غزة، ولا على الاستيطان المستشري في الضفة الغربية.
لكن المهمة الأكبر للثقافة من وجهة نظره هي "التغلب على الجهاز الصهيوني المتشعب الأطراف الذي يشبه الميدوزا الأسطورية التي تصيب بالرعب كل من ينظر إليها، علينا أن نتغلب عليها بواسطة مرآة تعكس صورتها فتموت من رؤيتها". 
العمل الحقوقي لإيجاد آليات مقاطعة ومحاسبة لإسرائيل تماما مثلما كانت الحال مع جنوب إفريقيا خلال ثمانينيات القرن الماضي. وتحويل المقاطعة إلى عمل منسق ومستديم يعتمد لغة ومصطلحات قانونية موحدة، تركز على مسائل الاحتلال والاستيطان وانتهاك حقوق الإنسان. أفكار قدمها زياد ماجد وهو أستاذ جامعي لبناني. بدوره يرى فادي بردويل أستاذ مساعد للدراسات العربية – جامعة نورث كارولينا، أن حملات المقاطعة نجحت في كسر الطوق المزمن حول القضية الفلسطينية، وخرقت تلك الحملات المتعددة هيمنة الروايات الرسمية والإعلامية المنحازة إلى إسرائيل". 
ودعا إلى تأسيس مشروع سياسي تحرري يعيد صياغة معنى قضية فلسطين اليوم.   
أما محمد بنيس الشاعر والناقد المغربي فقد تشارك مع أصدقاء مغاربة مناضلين في تأسيس جمعية المقاطعة الأكاديمية والثقافية والفنية والرياضية لإسرائيل. ويدعو إلى إعادة بناء علاقة الثقافة العربية بالقضية الفلسطينية على أساس ترسيخ الثقة بالفلسطينيين، والوفاء لتضحياتهم، ويطلق دعوة مفتوحة إلى إحياء القضية الفلسطينية في مجالات الثقافة العربية وفي محيطها الاجتماعي، ويدعو إلى إقامة مناظرة عربية من أجل فلسطين، بهدف عدم السماح لأي طرف عربي بالهجوم الأخير على الشعب الفلسطيني، بالترافق مع "اختيار فلسطين لعلاقة نقدية بمجمل الأسئلة المتعلقة ببناء مجتمع حديث يقوم على الحرية والعدل والمساواة. 
المطلوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى: ضمير، حرية، شجاعة. صرخة يطلقها الفنان مارسيل خليفة الذي يعول على الشباب ومفكرين ذوي رؤى، وأبطال يخترقون الحواجز ويقاومون الأكاذيب والاضاليل، ينبشون الحقيقة ويعلنونها، لن تموت فلسطين لن يخطفوها إلى الأبد. 
ويحذر محمد برادة الروائي والناقد المغربي من ظاهرتي "التوتاليتارية أو الكليانية، والشعبوية اللتين تهددان الأفق الديمقراطي العربي كوسيلة للخروج من التعثر والتفكك والاستبداد والاحتلال". 
وبعد أن استطاع الإبداع والثقافة المنشقان عن الأنظمة المنهزمة، أن يرسما ملامح جديدة لعلاقة الثقافي بالسياسي، يؤكد برادة أن الأدب والفنون والفكر والممارسة الثقافية غدت هي واجهة المقاومة في الفضاء العربي على الرغم من الرقابة والمحاصرة".
ويدعو إلى إعادة الاعتبار إلى الفرد وتحريره من سطوة الاستبداد ووطأة التفاوت، في سياق تكون فيه القوى المجتمعية المناصرة للتغيير هي مناط الأمل. 
يتساءل محمد الأشعري الروائي والشاعر المغربي: هل يمكن للجيل الذي ولد بعد أوسلو وهو يشكل اليوم أغلبية سكان المنطقة العربية ونشأ في وضع عربي ودولي يعتبر إسرائيل الممكن الوحيد في المنطقة وفلسطين مستحيلها الوحيد - أن يعتنق فلسطين وأن يربط بين نضاله من أجل الديمقراطية، ونضاله من أجل فلسطين حرة مستقلة وعاصمتها القدس". 
هل يدرك هذا الجيل في قلب معاركه ضد الاستبداد وضد الظلم الاجتماعي وضد الظلامية المهيمنة، أن بقاء الفكرة الصهيونية بجبروتها ويدها الطليقة هو أحد المعوقات الأساسية للبناء الديمقراطي في العالم العربي".   
طريق الحرية تبدأ من فلسطين. والثقافة هي منشط الحركات الاجتماعية الثورية العربية، كونها ثقافة مواجهة الاستبداد والظلم ومواجهة الغرب الاستعماري والتغلغل الصهيوني الذي كثف وجوده الثقافي في بعض الدول العربية وخصوصا المغرب، ما دفع مجموعة من الفنانين والموسيقيين والكتاب وممثلي السينما والمسرح والشعراء المبدعين إلى تأسيس مجموعة المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل في المغرب، هذا ما أدلى به أنيس بلا فريج السياسي والحقوقي المغربي. 
وتحت ضغط القوى التقدمية عقد البرلمان التونسي ثلاث جلسات خاصة بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بعد رفض هذا المقترح منذ ثلاثة أعوام. 
وهذا يؤكد كما يقول الشاعر التونسي جمال الجلاصي أن الموقف الرسمي لا يتحرك إلا تحت ضغط القوى الشعبية العربية، وضغط المسار النضالي. 
ما تقدم إضاءات لطريق الكفاح المشترك الفلسطيني العربي والعالمي من أجل الحرية والتحرر وفي مواجهة موجة جديدة هي الأخطر من غطرسة القوة والتوحش والنهب التي يقودها ترامب والترامبيون الصغار. 
Mohanned_t@yahoo.com