مـا بـعـد 30 يـونـيـو..عبير بشير

السبت 06 يوليو 2019 03:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
مـا بـعـد 30 يـونـيـو..عبير بشير



شكل إصرار الإخوان المسلمين على المشهد الكربلائي، والمواجهة الصفرية مع الدولة المصرية والمجتمع المصري ما بعد 30 يونيو، جوهر الموقف، وعكس ذلك جنون السلطة الذي أصاب الجماعة وقياداتها وأعضاءها، بعدما فقدت حلمها التاريخي في البقاء على عرش مصر لمائة سنة قادمة.
خسارة الإخوان لموقع رئيس جمهورية مصر جعل الإخوان يفقدون صوابهم وأعصابهم، ويتصرفون بهستيريا جمعية، ويوغلون بعيدا عن الهدوء والعقلانية والبرغماتية التي طالما امتازوا بها على مدار تاريخهم. 
لم يكن أحد يتوقع مثل هذا السقوط السريع للإخوان الذي فاق بسرعته عشرات المرات لأكثر المتفائلين بزوال حكم الإخوان مبكرا، ولكن غباء الجماعة والعمى والغرور السياسي الذي أصابها وضعف كفاءتها القيادية والإدارية، كان السبب الأول والرئيسي لإضاعة الجماعة للفرصة النادرة في الحكم. أما الحديث عن الدولة العميقة، والثورة المضادة، والحرس القديم، وفلول النظام السابق، ومراكز القوى، فإنه يصلح لتفسير أسباب عدم نجاح مرسي وجماعته في مشروع الحكم، ولكنه لا يصلح بأي حال من الأحوال، لتفسير فشل هذا المشروع وسقوطه بالكامل. 
أصر تنظيم الإخوان المسلمين على المضي حتى النهاية في إستراتيجية الانتحار السياسي بعد 30 يونيو من حرق مؤسسات الدولة والمتاحف ومهاجمة أقسام الشرطة، واستخدام القوة النارية ضد الجيش والشرطة وقطع الطرق وشل حركة المواصلات وحرق الكنائس، وإرهاب المواطنين ....، بدلا من إستراتيجية الحد من نزيف الخسائر، ولسان حالهم يقول، إما كل شيء أو لا شيء!!!
وأخطر ما في الموضوع، كانت المحاولة اليائسة والمجنونة من قيادات الجماعة لاستنساخ التجربة السورية - عبر التصوير للخارج أن ما يحدث في مصر، هو مثل ما يحدث في سورية، ومن أجل تدويل الأزمة المصرية، لطلب التدخل الأجنبي العسكري من أجل عودة مرسي، تم رفع سقف الدم، وقد ظهر ذلك جليا في واقعة فض اعتصام "رابعة" و"النهضة".
وفي وسط كل ذلك، اتخذت المملكة العربية السعودية موقفا قاطعا وحازما ونهائيا مما يجري في مصر، وكان هذا الموقف من أعلى رأس في هرم المملكة وهو الملك عبد الله، الذي بعث رسائل في كافة الاتجاهات بأنه لن يسمح بانهيار الدولة المصرية. وهبت الدبلوماسية السعودية سريعا لنجدة مصر، وحذر وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل المجتمع الدولي من التلاعب بمصير مصر، وضرب استقرارها.
هذه الخطوة السعودية المتقدمة شكلت رافعة لإعادة التوازن الدولي بعد الحملة الشرسة التي تعرضت لها مصر، بعدما تمكنت من فض اعتصامي رابعة والنهضة، والأحداث الأمنية المتلاحقة التي أعقبت ذلك. كان لإحساس المملكة - العربي والقومي - بالخطر الوجودي الذي يتهدد مصر ومعها الأمة العربية والمملكة وراء ذلك. لأن الوقوف مع مصر ليس مجرد مبادرة أخلاقية، بل هو خيار حتمي لهذه الأمة، لأن مصر هي التي وقع عليها العبء التاريخي، بحكم عبقرية المكان، وبحكم المخزون الحضاري، أن تكون المدافعة عن هذه الأمة وبقائها.
ويرى المراقبون، ان ما حدث في مصر في 30 من يونيو، قطع الطريق أمام السيناريوهات والتحذيرات، التي كانت مطروحة بقوة في الأيام الأولى لثورة 25 يناير: بأن التيار الديني سيركب موجة الثورة، وأنه وحده من سيقطف ثمارها، وان كل ما يقال عن تحالف "الإخوان" مع القوى الثورية والتيارات المدنية والليبرالية هو تحالف لحظي ومؤقت، ينتهي بمجرد ان تحقق "الجماعة" أهدافها وتصل إلى الحكم وتهيمن على الدولة .... حتى أن البعض، ضرب المثل "بالثورة الإسلامية" في إيران التي نكلت بحلفائها من اليساريين والشيوعيين والعلمانيين بعدما حصلت على مبتغاها في هرم السلطة.
كما أعادت أحداث ثلاثين يونيو، طرح السؤال الكبير مجددا، حول ماهية دور الجيوش الوطنية في صيرورة التحولات الكبرى للشعوب في مرحلة الفترات الانتقالية واللااستقرار السياسي.
وبغض النظر عن توصيف ما حدث في أرض الكنانة بانقلاب عسكري بثوب ديني وشعبي، أو عملية جراحية مؤلمة ولكنها ضرورية، أو موجة ثورية – كاسحة وتصحيحية وعميقة - من تسونامي 25 يناير، وجد الجيش المصري نفسه مضطرا - مرة أخرى – للانحياز إلى الإرادة الشعبية الجارفة وتحمل مسؤوليته التاريخية في الحفاظ على السلم الأهلي والأمن القومي ......والدولة المصرية. 
فإن المؤكد بأن ما جرى في مصر لم يغتال العملية الديمقراطية في مهدها، ولم يضيع فرصة تاريخية للتحول الديمقراطي في مصر، لأنه في الأصل لم يكن لها وجود في ظل حكم الإخوان المسلمين.
وفي هذا السياق، يتحدث تشارلز كروتامر الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست"، بأنه لا مبرر للاستجابة العاطفية حول ما يحدث في مصر وتوصيفه بأنه انقلاب على الديمقراطية وضياع لمستقبل مصر، لأنه ببساطة إمكانية إحداث مستقبل ديمقراطي في مصر تحت حكم الإخوان كانت صفرية، أما تحت حكم الجيش فهي ضعيفة أو متوسطة. ويتابع الكاتب، وبالنسبة لمستقبل مصر واستقرارها، فإن الجماعة والرئيس مرسي لم يقدما شيئا لمصر باستثناء مزيد من الفشل ونقص الكفاءة والخبرة والحكم الديكتاتوري. في المقابل، والكلام لتشارلز فإن تدخل الجيش المصري في السياسة ليس خيارا جذابا.
وعلى كل حال، فإن هناك حزمة من الشروط القاسية التي تؤهل الجيش التدخل في الحياة السياسية في لحظة استثنائية من تاريخ الأمة.  
وأول وأهم هذه الشروط، هو وجود الدولة الوطنية المتماسكة، لأنه لا وجود لعملية ديمقراطية حقيقية أو شبه حقيقية أو متوسطة دون وجود الدولة الموحدة، وخير دليل على ذلك ما حدث في العراق وليبيا، حين اختفت ديكتاتورية وفساد الزعيم الواحد والحزب الواحد، وحينها اختفت الدولة الموحدة، ليحل محلها ديكتاتورية وفساد أمراء الحروب والمناطق.