ترامب يفرض على إيران امتلاك النووي..محمد ياغي

الجمعة 05 يوليو 2019 06:59 م / بتوقيت القدس +2GMT



إذا كان هنالك درس مهم للاستفادة منه من الجريمة الأميركية التي حدثت في العراق (احتلاله وتدميره العام 2003)، فإنه وبكل بساطة ووضوح أن العراق لو كان يمتلك سلاحاً نووياً لما تجرأت دولة في العالم على الاعتداء عليه وتحويله الى دولة فاشلة ومرتعاً لعصابات "داعش" وللقوى العالمية والإقليمية تنهش في شعبه وخيراته وأراضيه.
هذه الحقيقة في تقديرنا يعززها الرئيس الأميركي ترامب باستعداده، كما تشير تقارير صحافية غربية، لرفع العقوبات الاقتصادية عن كوريا الشمالية وقبولها عضواً في النادي النووي العالمي مقابل التوقف عن إنتاج المزيد من أسلحة الدمار الشامل.
أمام حقيقتين كانت أميركا خلفهما: تدمير العراق والخروج من الاتفاق النووي مع إيران، لا تمتلك الأخيرة في تقدير جون ميرشيمر، العالم السياسي، المنظر للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية والأكثر تأثيراً فيها أكاديمياً، غير امتلاك السلاح النووي. 
ميرشيمر كان قد جادل سابقاً في أن انتشار السلاح النووي يعزز السلام العالمي ولا يقوضه كما تدعي الدول التي تحرص على عدم انتشاره وهو في تقديرنا محق، لأن الدول التي تمتلكه، خصوصاً إذا امتلكت القدرة على تنفيذ الضربة النووية الثانية (بعد تعرضها لهجوم نووي) لا يجرؤ أحد على الاعتداء عليها. 
ويمكننا تخيل كيف كان الحال سيكون لو كانت دول مثل ليبيا وسورية وقبلهما العراق يمتلكان هذا السلاح، ما كانت بالتأكيد ستجرؤ إسرائيل على مهاجمة سورية، وما كان الغرب سيطيح بنظام القذافي وما كانت بساطير الجنود الأميركيين ستطأ العراق.
ميرشيمر يقول إن الحصار الأميركي الاقتصادي لإيران وفشل الدول الأوروبية في الوفاء بالتزاماتها تبعاً لذلك لا يترك مجالاً لإيران غير الهروب باتجاه انتاج السلاح النووي. هو يعتقد محقاً بأن أميركا لن تجرؤ على إرسال مليون جندي للحرب مع إيران لأسباب عديدة؛ منها فشل الحرب الأميركية على العراق وفي أفغانستان وتحولهما الى مستنقعات تستنزف مواردها وهيبتها. 
ونضيف لذلك تصريحات ترامب التي قال فيها إن الحرب على إيران إن حدثت فإنها لا تتضمن بالضرورة إرسال جنود لوضع أقدامهم على الأرض الإيرانية، وهو ما يعني أن المخطط هو ضربات بالصواريخ من الجو والبحر والجو إن وقعت الحرب. لكننا نعلم بأن أحداً لا يمكنه كسب الحرب من خلال ذلك خصوصاً إذا كانت قواته وقواعده واراضي حلفائه ستكون ايضاً عرضةً للدمار وإن كانت بنسبة أقل. هذا قد يمنع استهداف ايران بالصواريخ، لكن الأهم في تقدير ميرشيمر، بأنه لا يمنع ايران من امتلاك سلاح نووي وعلى افضل تقدير قد يؤخره.
لا أحد يعرف على وجه الدقة النية الإيرانية بإعطاء الدول الأوروبية وقتاً محدداً لكسر حصار ترامب أو ذهابها باتجاه ممارسة حقها وفق الاتفاق النووي بعدم الالتزام به إن لم يلتزم الآخرون به. لكن المؤكد أن تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران ومحاولة خنقها، لا يترك خيارات لإيران غير الاستسلام أو الذهاب باتجاه تعزيز قدراتها الردعية بما في ذلك امتلاك السلاح النووي.
الاستسلام غير وارد لإيران لأسباب تتعلق بهوية الدولة الإسلامية الإيرانية، التي جعلت من أميركا الشيطان الأكبر والتي يردد جمهورها في كل مناسبة الموت لأميركا وإسرائيل. 
هذه الهوية جعلت الجمهور الأكثر التصاقاً بالنظام الإيراني هو ذلك الجمهور المؤدلج الذي يجعل من الأفكار والمبادئ والقيم، بمعنى الاستقلال السياسي والعزة والوطنية واحترام النفس، أهم بكثير من الرخاء الاقتصادي ومطاعم الهامبرغر وسيارات المرسيدس. 
يضاف لذلك ثلاثة عوامل لا تقل عن أهمية العقيدة الإيرانية في سياساتها الخارجية، وهي أن الدول التي لا تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها مصيرها مثل العراق وسورية وليبيا وأفغانستان. وأن أميركا الدولة لا مصداقية لها ولا لأي اتفاق معها لأن أي إدارة مثل إدارة ترامب قادرة على إلغاء اي اتفاق تقوم بالتوقيع عليه إدارة أخرى حتى لو كان هذا الاتفاق عليه مصادقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن نفسه. 
وأخيراً، ان الدول النووية في موقع افضل للتفاوض مع العالم من غيرها. كوريا الشمالية تقترب من الصفقة الكبرى: البقاء كدولة نووية وعدم إنتاج أسلحة نووية جديدة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وهذه المبادلة تترك لها قوة ردعها التي تريدها.
إيران لذلك ذاهبة باتجاه تطوير قدراتها النووية وحساباتها أن أميركا وإسرائيل لن تجرؤا على إعلان الحرب عليها، وحتى لو فعلتا فإن الحرب ستكون محدودة ومحسوبة حتى لا تتطور لحرب شاملة تضطر فيها أميركا لإرسال مئات الآلاف من قواتها وبلا ضمانة لكسبها. والحرب المحدودة كما ذكرنا لا تمنع إيران من تطوير قدراتها النووية ولكن على العكس تعطيها التصميم والجرأة والالتفاف الشعبي والمبرر الشرعي الذي تريده لإنتاج السلاح النووي.
الخلاصة أن سياسات ترامب تفرض على إيران التسريع بتطوير برنامجها النووي من أجل امتلاك قوة ردع أكبر، ولا توجد الآن خيارات للخروج من هذا المأزق غير عودة أميركا للاتفاق النووي أو الذهاب الى مواجهة محدودة تعزز فقط من التصميم الإيراني على امتلاك السلاح النووي.