الخليج العربي ما بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني..محمد ياغي

الجمعة 31 مايو 2019 04:57 م / بتوقيت القدس +2GMT



في مقال سابق قلت إن الحرب بين أميركا وإيران قد تحدث بسبب سوء تقدير من الطرفين في ظل سياسة حافة الهاوية التي تنتهجها إدارة ترامب: ترك الخصم أمام خيارين – القبول بالإملاءات الأميركية أو الذهاب في طريق التصعيد الذي يوصل بالضرورة الى الحرب. 
تأمل أميركا أن تفضل إيران الخضوع على التصعيد، لكن هذا الخيار في تقديري ليس في حسابات الإيرانيين.
سياسات إيران المتمثلة بالاستثمار في دعم حلفاء لها على امتداد منطقة جغرافية شاسعة تبدأ من غزة ولبنان وسورية والعراق غرباً الى اليمن جنوباً مضافاً لذلك قدرتهم على التواصل مع مجموعات أهلية في باقي دول العالم العربي، يعني بأن إيران قد حسبت مسبقاً إمكانية اعتداء أميركي أو إسرائيلي عليها، وأنها لن تقبل بأن تكون إيران ساحة الحرب فقط، ولكن كل المنطقة الجغرافية التي تخضع لتأثيرها.
نحن لا نتحدث هنا عن امتداد إيراني معنوي يحدث ضمن البيت الطائفي الواحد، ولكن عن امتداد فعلي قائم على دعم مالي بعشرات البلايين من الدولارات استثمرتها إيران لخلق حلفاء لها في المنطقة: اسناد عسكري ومالي وفكري لم يتوقف في الحالة اللبنانية والسورية منذ بدايات الثمانينيات، ولم ينقطع عن الحلفاء في العراق حتى من قبل الاحتلال الأميركي له العام 2003، ولم ينقطع عن غزة الا خلال فترة ثلاث سنوات وربما اقل خلال الحرب في سورية، ومستمر في اليمن منذ العام 2014. 
رغبة الأميركيين في إخضاع إيران لها دوافع متعددة منها حماية إسرائيل، ومنها ابتزاز دول الخليج العربي مالياً بتصوير أنفسهم كحماة وحيدين لها وقد تصل دوافعهم الى الرغبة في افتعال أزمة في قطاع النفط بعد تحولهم لدولة مصدرة له وللغاز الطبيعي أيضاً. هذا بدوره يجعلهم في وضع اقتصادي افضل من الصين وأوروبا واليابان والهند مجتمعة، حيث اعتمادها جميعها على مصادر للطاقة خارج بلدانها.
في وضع كهذا نتساءل ما هي مصلحة دول الخليج العربي بالتصعيد مع إيران؟
دول الخليج العربي بكل تأكيد لها مشكلة أمنية مع إيران، حتى وإن كانت تعلم بأن الامتداد الإيراني في المنطقة العربية المحيطة بها هو امتداد دفاعي، بمعنى جعل تكاليف أي حرب أميركية أو إسرائيلية أو أميركية – إسرائيلية مكلفة جداً لهما وبالتالي ردعهم عن القيام بالحرب، إلا أنها لا يمكن أيضاً أن تثق بأن السياسات الدفاعية الإيرانية لن تتحول في يوم ما الى سياسات هجومية ضدها: قادة إيران من الممكن أن يتغيروا ويأتي مكانهم قادة متطرفون راغبون بالتوسع على الأرض على حساب جيرانهم، والظروف أيضاً قد تتغير وقد تجد إيران خلالها فرصة بسبب تموضعها الحالي لابتزاز دول الخليج بشكل مباشر.
دول الخليج تشعر اذاً بخطر أمني يهددها سواء أكان هذا الخطر قريبا أم بعيدا. السؤال الذي يحتاج الى إجابة هو ما اذا كانت سياسة المواجهة مع إيران هي من مصلحتها.
مصالح الأميركيين ودوافعهم كما أوضحتها أعلاه واضحة، لكن هل تتفق هذه المصالح مع مصالح دول الخليج؟
قناعتي بأنها لا تتوافق معها. ليس لدول الخليج العربي مصلحة في تأمين إسرائيل من الخطر الإيراني. إسرائيل ستبقى عدوا لكل الشعوب العربية والإسلامية ما دامت تحتل أراضيَ عربية. 
ليست هذه جملة إنشائية. هذه حقيقة لا يمكن لبعض الأصوات الشاذة في العالمين العربي والإسلامي أن تحجبها. الجمهور العربي والإسلامي معاد لإسرائيل بسبب احتلال الأخيرة لأراضي العرب واضطهادها المستمر منذ العام 1948 للشعب الفلسطيني. 
هذا موجود في الوعي الجمعي العربي والإسلامي، وكل محاولة للتقرب من اسرائيل في ظل استمرار الصراع معها سيعمق فقط من ازمة الشرعية للأنظمة العربية. ثم أن تأمين اسرائيل من الخطر الإيراني عبر الدخول معها في تحالف لا يضيف ثقلا نوعيا لدول الخليج العربي. ماذا يمكن لإسرائيل أن تقدم لدول الخليج لا تستطيع أميركا تقديمه؟!
في أي حرب مع إيران، الأميركيون سيطلبون من اسرائيل عدم التدخل فيها كما حدث اثناء حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، لكن الإيرانيين سيستهدفونها بكل قوتهم لدفعها للانخراط في الحرب، وبالتالي سيكون هنالك تحالف أمر واقع على الأرض معها، لا يمكن لدول الخليج العربي تبريره. العلاقة مع إسرائيل إذاً هي عبء على دول الخليج العربي وليست مكسباً لها. 
بالمثل، لا نرى مصلحة لدول الخليج العربي في أن تستنزف أميركا- ترامب أموالهم حيث لا يوجد ما يكسبونه من ذلك. 
بلا حرب، دول الخليج العربي ستكون مكرهة على الدفع لتغطية تكاليف الاساطيل الأميركية في الخليج العربي. حتى لو رفضت علناً، لن تتوقف أميركا-ترامب عن مطالبتهم بدفع ثمن الحماية لهم. هذا جزء من مشروع ترامب: أميركا أولاً وأخيراً، والاستنزاف في الموارد يأتي صراحة وبوقاحة وإهانة أحياناً مثل "أنتم لا تمتلكون غير المال وعليكم دفعه نظير حمايتكم"، وأحيانا بشكل ضمني "ادفعوا لأننا نقوم بحمايتكم".
وأخيراً، لا مصلحة لدول الخليج العربي في حصول أزمة طاقة عالمية خصوصاً اذا كانت نتاج حرب. الحرب ستدمر المنشآت النفطية في دول الخليج، وإعادة تأهليها للإنتاج سيستنزف ما رصدته هذه الدول من أموال للأجيال القادمة في بلدانها. أضف لذلك، أن هذه الدول لن تتمكن من استعادة زبائنها ما قبل الحرب بسهولة، لأن أميركا والدول اللأخرى التي لم تتضرر من الحرب ستكون قد وقعت مع الدول التي تعتمد على نفط دول الخليج عقوداً للاستيراد طويلة المدى. 
بالمختصر، لا نجد سبباً وجيهاً يدفع دول الخليج العربي لمناصرة التصعيد الأميركي ضد إيران رغم أن هذه الدول تعاني من مشكلة أمنية حقيقية معها.
الحل بالتالي، ليس التصعيد مع إيران عبر التحالف مع أميركا، ولكن في اعتماد سياسة الحوار مع إيران والتفاهم معها على تجنب أية مواجهة في الخليج العربي، ومحاولة التوصل الى تفاهمات معها بشأن اليمن وسورية والعراق على اقل تقدير، وهذا ممكن من خلال التنازلات المتبادلة وللإيرانيين مصلحة في ذلك، لعل أهمها، عدم إعطاء أميركا شرعية للوجود بالقرب من حدودهم.