مؤتمر لمساعدة السلطة أم لتطويعها! محمد ياغي

الجمعة 24 مايو 2019 02:16 م / بتوقيت القدس +2GMT




بلا شك، هنالك ضغوط كبيرة على الفلسطينيين لإجبارهم على قبول صفقة سياسية تنهي قضيتهم لحساب إسرائيل. 
هذه الضغوط بدأت بوقف الالتزامات الأميركية تجاه "الأونروا" وأعقبها وقف اي مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية أو حتى للمؤسسات الأهلية مثل المستشفيات والجامعات، وأعقب ذلك كله إنهاء مشاريع هيئة العون الأميركية في مناطق الضفة. 
إذا أضفنا لذلك الدعم الأميركي السياسي غير المسبوق لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل في كل مواقفها، فإن أحداً لا يمكنه أن ينكر أن السلطة الفلسطينية في وضع شديد الصعوبة.
لكن هذا الوضع فيه متناقضات.
في الوقت الذي يجري فيه حصار السلطة الفلسطينية مالياً بهدف تركيعها لقبول تسوية ظالمة، يتخوف الطرفان، الأميركي والإسرائيلي، من أن تؤدي هذه الضغوط الى انهيار السلطة وبالتالي الى "فلتان أمني" تدفع ثمنه إسرائيل، لذلك تحرص إسرائيل ومعها إدارة ترامب على استمرار المساعدات لأجهزة الأمن الفلسطينية، وهو ما توقف من قبل السلطة بعد تمرير قانون يسمح بمقاضاة السلطة أمام المحاكم الأميركية.
وفي الوقت الذي تقتطع فيه إسرائيل مخصصات اسر الشهداء والأسرى من أموال المقاصة الفلسطينية، تمارس اسرائيل والولايات المتحدة الضغوط على أوروبا حتى تقوم الاخيرة بإقناع الفلسطينيين بقبول ما يتبقى من أموال المقاصة بعد الخصم. محاولة لا تستهدف هنا فقط منع انهيار السلطة ولكن تطويعها للعمل وفق الرؤية الإسرائيلية وفي خدمتها.
وفي الوقت الذي تحجب أميركا أموالها عن الفلسطينيين لإيصال رسالة مفادها أن رفض "صفقتهم" عواقبها وخيمة، تنظم أميركا- ترامب بتظاهرة نهاية الشهر المقبل في المنامة، لحشد أموال الخليج العربي من أجل الفلسطينيين على أمل إقناعهم بقبول الصفقة بعد أن يسمعوا من نظرائهم العرب حجم الأموال التي سترصد لهم إن قالوا نعم للتخلي عن أرضهم وقدسهم وكرامتهم.
الإغراء أو التطويع بالمال سياسة قديمة تستخدمها الحكومات منذ آلاف السنين لتحييد خصومها أو لكسبهم الى جانبها، وتستخدمها الدول لاستمالة تأييد دول أخرى لها على الأقل منذ ظهور الدولة الوطنية قبل أربعمائة عام. 
مؤتمر المنامة الاقتصادي، هو بالتالي استمرار لاستخدام سياسات قديمة ولا جديد فيه.
هذه التناقضات لها تضميناتها التي لا يجب التقليل منها. أحدها أن إسرائيل وأميركا لا تريد للسلطة الفلسطينية أن تنهار بأي حال من الأحوال لأن ذلك سيجبر اسرائيل على التعامل مباشرة مع متطلبات الحياة اليومية للفلسطينيين وما يترتب على ذلك كثير. 
لكن أهم ما فيه تحويل الاحتلال "الديلوكس" الحالي الذي يعفي اسرائيل من أية مسؤولية، الى احتلال بتكاليف باهظة كما كان عليه الحال قبل اتفاق اوسلو: عشرات الآلاف من جنود الاحتلال في الضفة، موظفون اسرائيليون بالآلاف ايضاً لإدارة شؤون الصحة والتعليم والزراعة وجباية الضرائب. 
والأهم من كل ذلك أن العودة لما قبل أوسلو تعني أن التنسيق الأمني مع اسرائيل سينتهي ولهذا الامر نتائج تعرفها إسرائيل جيداً. 
إذا كانوا لا يرغبون في اسقاط السلطة كما أدعي هنا، فإن هدفهم الأساسي هو تطويعها لتنفيذ مخططاتهم. 
التطويع بدأ منذ العام 2002 عندما اعلنوا عن "الرباعية "وما رافقها من حديث كاذب ومخادع عن بناء مؤسسات فلسطينية شفافة وديمقراطية، تعاملت السلطة معها تحت لافتة المثل الشعبي "لاحق العيار لباب الدار". 
لكن بعيداً عن تقييمي الشخصي بأن هذا النهج كان ضاراً بالقضية الفلسطينية، بقيت السلطة متمسكة بخطوط حمراء، مثل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية ودولة فلسطينية على حدود ما قبل الرابع من حزيران، وحل عادل لمشكلة اللاجئين، وهو ما يعني أن سياسة التطويع قد فشلت، وبالتالي اصبحوا مجبرين على الكشف عن حقيقتهم واستبدال الحديث التافه عن بناء مؤسسات ديمقراطية تحت الاحتلال، باستخدام سياسة العصا والجزرة معاً، لعل أحدهما أو كليهما يؤدي "للتطويع".
هنا ايضاً يجب الانتباه بأن حضور أو مقاطعة مؤتمر المنامة من جانب الفلسطينيين له أهمية قصوى.
على عكس ما تقوله بعض الأصوات أن الحضور فيه فائدة، على الأقل اقتصادية للفلسطينيين، الحضور يعني تسهيل مهمة إسرائيل وأميركا في تجميع "العرب" للضغط على الفلسطينيين لقبول "صفقتهم السياسية". 
المقاطعة ترسل رسالة "للعرب" بأن الفلسطينيين لن يقبلوا بضغوط أي جهة فيما يتعلق بحقوقهم التاريخية. 
على أقل تقدير، هذا سيحرم أية جهة في العالم العربي من تأييد صفقة ترامب في العلن، وسيمنع قيام تحالف عربي – اسرائيلي على انقاض القضية الفلسطينية. 
من يريد أن يتحالف مع إسرائيل يمكنه القيام بذلك، وهو لا يحتاج لتقديم القضية الفلسطينية قرباناً لإسرائيل من أجل ذلك.
قناعتنا أن هذا التحالف ضار للنظام العربي الرسمي ويعطي المعارضين في دولها سلاحاً جديداً توجهه ضدهم. 
كل ذلك يعني أن السلطة الفلسطينية ليست ضعيفة وأنها بمجرد رفض الإملاءات الأميركية وسياسات التطويع يمكنها إسقاط المؤامرة الجديدة على الشعب الفلسطيني. لذلك لا يجب أن تتردد السلطة في رفض حضور مؤتمر المنامة، ولا يجب أن تخشى من عواقب الانهيار لأن هذا بالضبط ما تخشاه إسرائيل ومن يقف معها.
هنالك ضغوط على السلطة الفلسطينية بلا شك، وهنالك تهديدات لها من أطراف متعددة بلا شك، لكن دعونا نتذكر أن هذه الضغوط والتهديدات لم تتوقف أبداً في العقود الخمسة الماضية:
اتهام منظمة التحرير بالإرهاب، تصفية قادتها بالاغتيالات، مساعدة خصومها للإجهاز عليها عسكرياً في لبنان، محاصرتها في بيروت، ملاحقتها بالقصف في تونس، وحصار واغتيال الراحل عرفات في مقره في رام الله.
الضغوط لم تخف الفلسطينيين ولم تمنعهم من التمسك بحقوقهم سابقاً، ولا يجب أن تخيفهم اليوم أو أن تمنعهم من التمسك بحقوقهم.