موائد الذئاب,,,طلال عوكل

الخميس 23 مايو 2019 07:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
موائد الذئاب,,,طلال عوكل



بإمكان إدارة ترامب، أن تظل تتلاعب بمسألة الإعلان أو تأخير الإعلان عن صفقة القرن، ذلك أن من يتابع حلقات السياسة الأميركية، وما ينجم عنها من قرارات يجري تنفيذها، لا يحتاج لأن يعرف ما تبقّى من تفاصيلها.
لو أن تلك الصفقة تتضمن، ما يمكن تسويقه وقبوله من الأطراف المعنية عدا إسرائيل، لكانت الإدارة طرحت كل تفاصيل تلك الصفقة منذ أن جرى الحديث عن جاهزيتها.
من الواضح أن الإدارة الأميركية، لا تحسب حساباً لردات الفعل الفلسطينية التي رفضت بحزم كل ما ورد منها، ما يعني أن مخاوف إدارة ترامب تأخذ بعين الاعتبار ردود فعل الأطراف العربية، التي ترتب لها الإدارة دوراً مهماً في تلك الصفقة، وما يمكن أن ينجم عن التصريح بتفاصيل الصفقة من إحراجات لتلك الدول.
من الواضح أيضاً أن تعبير الصفقة لا ينطبق على ما تتحدث عنه وتعمل من أجل تحقيقه الولايات المتحدة بتناغم وانسجام كامل مع الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل. ما يجري هو مخطط أميركي إسرائيلي يجري فرضه على الفلسطينيين والعرب، ودون أي فرصة لمفاوضات ذات معنى إلا على طاولة مستسلم ومنتصر يملي شروطه.
الإدارتان الأميركية والإسرائيلية تستعجلان استغلال الوقت المتبقي من عمر إدارة ترامب، لفرض معطيات على الأرض، سيكون من الصعب على أي إدارة أخرى مختلفة أن تتجاوزها، هذا إذا فشل ترامب في الحصول على ولاية أخرى.
بعد القرارات الأميركية بشأن القدس واللاجئين، وبشأن العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، والتي تميزت بممارسة ضغوط شديدة، حان الوقت للتقدم نحو المرحلة الأساسية الثالثة من المخطط الأميركي الإسرائيلي.
جوهر الصفقة وأهدافها تقوم على فكرة السلام الاقتصادي دون أي حقوق سياسية للفلسطينيين وهي فكرة كان بنيامين نتنياهو قد طرحها منذ أيام الرئيس السابق باراك أوباما، وظل يشتغل عليها، مستفيداً من الانقسام الفلسطيني، الذي يقوم على تشديد الحصار على غزة، وإضعاف السلطة الفلسطينية.
من أضعف حلقات الوضع العربي، ينطلق المخطط، حيث تستضيف البحرين، مؤتمراً، في الأسبوع الأخير من الشهر القادم، للبحث في طبيعة وآليات مخطط السلام الاقتصادي. 
البحرين كانت قد قطعت شوطاً علنياً في الدعوة والعمل فعلياً من أجل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، والكل يعرف ويتذكر التصريحات التي أدلى بها وزير خارجيتها، وتشير إلى ضرورة الاعتراف والتعامل مع دولة قائمة هي إسرائيل.
في هذا السياق، يمكن فهم الدور القطري، الذي لم يتوقف عن تقديم الأموال لغزة، بذرائع إنسانية، وبالتنسيق الكامل مع إسرائيل، ورضا وربما بأوامر أميركية. الانقسام الفلسطيني، والحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات، حتى غرق أهلها بالأزمات المعيشة، يؤتي الآن ثماره المُرّة. من المؤكد أن كل الفلسطينيين يرفضون بجدية ما تسمى صفقة القرن. لكن الحلف الأميركي الإسرائيلي لا ينتظر موافقة أي طرف فلسطيني، وإنما يمضي في فرض الوقائع على الأرض، بأموال عربية، أو بأيد أممية. لمن يشكك في هذا الادعاء، عليه أن يجيب عن السؤال التالي: هل من الفلسطينيين من يرفض أن تتقدم مؤسسة دولية ببناء البنية التحتية المدمرة في غزة، بما في ذلك إقامة مطار، وميناء، واستثمارات لامتصاص البطالة، وتخفيف حالة الفقر؟
الأموال عربية بالكامل، وربما بمساهمة من دول أخرى ولكن ليس بالتأكيد من الولايات المتحدة، التي لا يتوقف رئيسها عن الإعلان أن بلاده لن تدفع دولاراً واحداً، لا من أجل حماية أمن واستقرار حلفائها، ولا من أجل بناء أي منشأة لصالح، العرب والفلسطينيين.
ولأن الولايات المتحدة، غير واثقة من أنها ستحشد عدداً من الدول والمؤسسات العربية وغير العربية لحضور المؤتمر، فإنها تبقي الدعوة مفتوحة، لكن المؤتمر سينعقد بمن حضر، تعول الإدارة الأميركية على حضور بعض رجال أعمال فلسطينيين وبعض شخصيات المجتمع المدني داخل الأرض المحتلة، والأكثر من خارجها. من الخطأ أن يراهن الفلسطينيون على فشل الولايات المتحدة في إقناع أو الضغط على بعض ضعفاء النفوس من الفلسطينيين لضمان حضورهم المؤتمر.
خلفنا بأيام قليلة فقط، سابقة التطبيع التي ظهرت في مدينة الخليل، حيث دعت بعض الشخصيات الفلسطينية ممثلين عن المستوطنات، على طاولة إفطار رمضاني. السلطة الفلسطينية رفعت الغطاء السياسي والأخلاقي عن القائمين على تلك الحادثة المجرمة، لكن ما الذي يمكن للسلطة أن تفعله إزاء شخصيات محمية عشائرياً، وإسرائيلياً؟
إزاء هذا الأمر لم يعد مقبولاً البتة، استمرار الوضع الفلسطيني على حاله من الانقسام، فإذا كان ذلك يلحق ضرراً بالقضية الفلسطينية، ويشكل البيئة الأمثل لنجاح المخطط الأميركي الإسرائيلي، فإن على الفلسطينيين ألا يستغربوا أن يشكل هذا الوضع ذريعة لبعض الدول، والشخصيات العربية لأن تنخرط في ذلك المخطط. سيقال حين ذلك: إن الفلسطينيين هم المسؤولون عما يلحق بقضيتهم وحقوقهم، مثلما قيل: إنهم هم من يتحمل المسؤولية عما لحق بهم في عام النكبة 1948.