أهداف التسخين التكتيكي فى الخليج العربى..د. عبير عبد الرحمن ثابت

الخميس 23 مايو 2019 07:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
أهداف التسخين التكتيكي فى الخليج  العربى..د. عبير عبد الرحمن ثابت



برغم عدم التكافؤ فى موازين القوى في حالة التصعيد أو التسخين الحالي في الخليج العربي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ثمة تكافؤ غير مرئي فى هذا الصراع الايرانى الأمريكي على النفوذ؛ وذلك مرتبط بتحالفات إيران مع قوى امبراطورية كروسيا والصين حيث تتقاطع المصالح الاستراتيجية لإيران مع مصالح تلك القوى رغم وجود بعض التناقضات السياسية ، وقد ظهر ذلك  مؤخرا فى التزام تلك القوى بالاتفاق النووى الايراني رغم خروج الولايات المتحدة منه عقب وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى سدة الحكم.

 ومن الواضح ان وصل ترامب للحكم أدى إلى إحداث تغيير دراماتيكى فى السياسة الخارجية الأمريكية؛ حيث تطابقت المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة مع المصالح الاستراتيجية لاسرائيل من وجهة نظر الحاكم الاميركي الجديد ؛ وتبنت الإدارة الأمريكية وجهة النظر الاسرائيلية فى حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلي؛ وكذلك الانسحاب من الاتفاق النووى الايراني الذى عارضته اسرائيل فى حينه واعادت فرض العقوبات الأمريكية على طهران وتشديدها لتتحول إلى حصار نفطي غير مباشر عليها وصولا إلى حالة التسخين والتهديد العسكرى القائم حاليا فى مياه الخليج.  

ولكن الادارة الأمريكية تدرك جيدا أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل فرض حظر عسكرى على تصدير النفط الايرانى لأنه يدخل ضمن المصالح المشتركة بين إيران وقوى امبراطورية كالصين وروسيا وأوروبا؛ وكذلك لان اي حظر من هذا القبيل لا يستند لأى مصوغ قانونى لافتقاره للشرعية الدولية كون إيران لا زالت ملتزمة بالاتفاق النووي، وبهذا ندرك أن التسخين الحالى فى الخليج هو تسخين تكتيكي أمريكي إسرائيلى يراد منه عدة أهداف أهمها :

أولاً : جبي أكبر فاتورة  مالية من دول الخليج عبر هذا التصعيد التي تثبت الحقائق لقادة تلك الدول ما قاله ترامب "بأن الولايات المتحدة هى الضمانة الوحيدة لبقاء أنظمتهم فى سدة الحكم" وهو ما يعنى أن نهب مقدرات تلك الدول هو حق أمريكي مستحق.
ثانيا : إلحاق العرب بالتحالف الاسرائيلى الأمريكى عبر إظهار التطابق فى المصالح الاستراتيجبة الاسرائيلية والعربية فى مواجهة عدو مشترك وهو إيران؛ وهذا يعنى تحول العلاقات العربية والخليجية منها خاصة مع اسرائيل إلى علاقات تحالف استراتيجى؛ وهو ما سيسهل طمس أى معارضة عربية ولو حتى على استحياء لصفقة القرن بل سيكون مطلوب منهم تمويل كل مراحل هذه الصفقة حتى  مراحلها النهائية والتى قد تستمر لسنين .
ثالثا: تحجيم وردع أى تشويش ايرانى على مجريات التسوية الأمريكية الاسرائيلية فى الأيام القادمة خاصة فى قطاع غزة؛ والذى من الواضح أن قطر قطعت شوطا كبيرا فى استبدال الدعم الايراني المالى بدعمها السخي؛ وهو ما يفقد إيران ورقة سياسية هامة ودليل ذلك اتهامات العمادى لحركة الجهاد بالمسؤولية عن التصعيد الأخير وكأنه أصبح مسؤول رسمي عن غزة.
رابعا: ممارسة ضغط  اقتصادى على الصين المستورد الرئيسي للنفط الايراني فى ظل الحرب الباردة الاقتصادية المستعرة معها عبر فرض عقوبات أمريكية على الشركات الصينية المستوردة للنفط الإيراني؛ وكذلك التوتر الحالى من شأنه زيادة أسعار النفط وتثبيت عقودها الآجلة خلال فترة الصيف بأسعار مرتفعة؛ وهذا ضغط  اقتصادى غير مباشر على الاقتصاد الصينى.

وفى المقابل إيران التى تعلم جيدا أبعاد التصعيد والتسخين الأمريكي فى الخليج لا تكتفي بالمراقبة فقط بل ترسل من آن إلى آخر رسائل واضحة حول قدرتها وعزمها على المواجهة التكتيكية الأمريكية الحالية وقدرتها على تحويلها إلى مواجهة استنزاف طويلة الأمد إذا ما تمادت الادارة الأمريكية؛ وكان آخر هذه الرسائل الغير مباشر صاروخ الكاتيوشة الذى سقط قرب السفارة الأمريكية فى بغداد وهي الرسالة الثالثة الأوضح بعد رسالة  تفجير خط نقل النفط  لشركة أرامكو الممتد بين شرق وغرب المملكة السعودية بطائرات مسيرة حوثية اخترقت عمق أجواء المملكة لما يزيد عن ألف كم وما سبقتها من رسالة بتفجير ناقلات النفط فى ميناء الفجيرة.

ومن المؤكد ان طهران أرادت من خلال راسئلها  أن تري الادارة الأمريكية بأن سواعدها فى المنطقة قادرة  وقوية؛ ولكن الملفت أن ايران لم ترسل بعد أى رسالة عبر أقوى وأقدم تلك السواعد وهو حزب الله، وهذا فى حد ذاته رسالة أكبر تفهمها جيدا اسرائيل وأمريكا .  

إن التصعيد الجاري اليوم في منطقة الخليج العربى مرتبط بشكل أساس بصراع القوى الامبراطورية والاقليمية على منطقة الشرق الأوسط ؛ كونها المصدر الرئيسي لإنتاج الطاقة الطبيعية من النفط والغاز وتضم أهم ممرات الملاحة للتجارة الدولية بين قارات العالم؛ وهو حلقة من حلقات الصراع بين تلك القوى السبع المتمثلة فى القوى العظمى الرئيسية الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والصين إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والقوى الاقليمية ممثلة فى إيران واسرائيل وتركيا على النفوذ فى المنطقة؛ وتلك القوى تجيد ببراعة إدارة تحالفاتها الاقليمية والدولية بما يحقق مصالحها الاستراتيجية .. والخاسر الأكبر هم العرب .

أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية

Political2009@outlook.com