ترامب وتجفيف حركة طهران الثورية..عبير بشير

السبت 18 مايو 2019 04:40 م / بتوقيت القدس +2GMT
ترامب وتجفيف حركة طهران الثورية..عبير بشير




يبدو أن استهداف السفن التجارية بالمياه المقابلة لميناء الفجيرة الإماراتي، ثم استهداف أنابيب النفط بمحافظتي الدوادمي وعفيف بالسعودية، هو نوع من تبادل الرسائل الخشنة بين طهران وواشنطن، دون الاقتراب من خط النار. وذلك رغم عرض القوة الخشن، الذي نفذه "البنتاغون"، حيال طهران، من خلال قوة النيران الهائلة الذي أرسلها إلى المنطقة، والتي بعثت برسالة واضحة لإيران، مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة سيقابل بما يعيد للإيرانيين ذكرى واقعة العام 1988، حين اصطدمت فرقاطة الصواريخ الأميركية "يو إس إس صموئيل" بلغم بحري، في مياه الخليج العربي. وخلال التحقيقات، أدرك الأميركيون من الأرقام المسلسلة على الألغام أنها إيرانية، ومن هنا جاء الرد الأميركي الناري والذي استمر 4 أيام عبر عملية "praying mantis" "فرس النبي"، حيث أغرق الجيش الأميركي 3 زوارق سريعة مسلحة، وفرقاطة واحدة، وضرب المنشآت البحرية الإيرانية، وأدى ذلك إلى مقتل 55 عنصراً من البحرية الإيرانية.
وتعزز وقائع عدة، عدم لجوء إدارة ترامب إلى خيار المواجهة العسكرية الكبيرة مع طهران في المدى القريب، أهمها مبدأ الرئيس ترامب "أميركا أولاً" الذي يحد من الانخراط في حروب خارجية، ولا يريد تكرار مغامرة جورج دبليو بوش في العراق التي دخلها دون خطة للخروج منها. إضافة إلى أسلوب ترامب في التعامل مع الأزمات بحيث يستخدم أقصى الضغوط المتاحة للتوصل إلى أقصى تنازلات من الخصم. هكذا تعامل مع الصين وكوريا الشمالية وحتى مع الاتحاد الأوروبي وكندا.
كما قالت واشنطن في أكثر من مناسبة، إنها لا تسعى إلى الحرب مع إيران، ولا تهدف إلى إسقاط النظام، بل إلى ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران لدفعها إلى تغيير سلوكها. وأوضح ترامب أنه جاهز للجلوس إلى طاولة المفاوضات إن كانت إيران مستعدة، ومرر رقم هاتفه إلى الجانب السويسري، لإعطائه إلى إيران، في حال رغبت في إجراء مفاوضات معه، حيث ترعى السفارة السويسرية في طهران المصالح الأميركية في إيران منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1979.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر في الإدارة الأميركية قولها، إن ترامب أبلغ وزير دفاعه بالوكالة باتريك شاناهان، بأنه لا يريد الدخول في حرب مع إيران، خلال اجتماع عقد لتقييم الموقف بالبيت الأبيض. وأضافت الصحيفة، إن ترامب "محبط من عدد من مستشاريه الكبار في ظل التصعيد مع إيران، ويخشى من أن يدفعوا الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران، وبذلك يكون قد خرق تعهداته للجمهور الأميركي بتجنب الحروب المكلفة في الخارج. حيث إن ترامب كان غاضبا الأسبوع الأخير من مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، ووزير الخارجية، مايك بومبيو، تجاه ما يرى أنه تخطيط للحرب يسبق تفكيره هو، في حين لا يميل ترامب إلى استخدام القوة ضد إيران طالما لم تبادر الأخيرة إلى "خطوة كبيرة" من جانبها، كما أنه بات معروفا بأن بولتون المنتمي إلى اليمين الأميركي المتصهين، هو الذي يشكل رأس الحربة في المواجهة مع طهران، وذلك ضمانة لمصالح إسرائيل في المنطقة، وكان معنيا بتغيير النظام في إيران قبل أن يدخل البيت الأبيض كمستشار للأمن القومي.
إذاً، الجانبان لا يريدان الحرب، لا دونالد ترامب، ولا المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي طمأن شعبه القلِق إلى أن الحرب "لن تقع" مع الولايات المتحدة. ويدرك الإيرانيون كلفة أي خطأ قد يدفع واشنطن إلى المواجهة. فالحرب إذا وقعت لن تكون برية وباحتلال أميركي أراضي إيرانية، كما في أفغانستان والعراق، بل بقصف مجنون ضد المنشآت العسكرية والنفطية والاستراتيجية لا قدرة لها على احتماله، مهما كان رد فعل طهران عليه حيال دول المنطقة الحليفة. 
وتجربة أربعين سنة مضت، هي عمر الثورة الإيرانية، كانت تقول، إن المواجهة العسكرية مع واشنطن وتل أبيب لم تكن يوماً من بين أولويات الخميني، ولا وريثه خامنئي، وكانت المواجهة بينهما فقط كلاميا ونظريا، من قبيل إطلاق شعار الموت لأميركا والموت لإسرائيل.
والحقيقة أن مجرد تصور سيناريو صدام عسكري شامل في المنطقة، يدعو للقشعريرة، ويعتبر كارثيا حتى من منظوري واشنطن والرياض، فقط بنيامين نتنياهو، يتمنى حدوث ذلك، ويعمل على تسعير الخلافات بين واشنطن وطهران، لاعتقاده أن انفجار الخليج وانجرار أميركا إلى حرب شاملة على إيران ليس فيهما سوى المنفعة لدولة إسرائيل والمشروع الصهيوني، مثلما صب احتلال أميركا للعراق صافيا في المصلحة الصهيونية وليس في المصلحة الأميركية، وجاء بتأثير قوي من اللوبي المتصهين في الإدارة الأميركية، وحث متواصل من أرئيل شارون للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على الإقدام على ذلك.
ونجح الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في توصيف الأزمة الحالية، ووضعها في إطارها الاستراتيجي، بعدما أجرى مقاربة فعلية بين خطين للمفاوضات تريدهما واشنطن: الأول نووي، والثاني إقليمي، ولخص جوهر المفاوضات مع واشنطن بقوله، "إذا خضعنا لاتفاق ثانٍ معهم، فإننا سنضطر إلى تطبيق اتفاقيات أخرى، إنهم يريدون أن تخسر البلاد هويتها في المضمون، إنهم يريدون تجفيف روح وحركة إيران الثورية". أكثر من ذلك، الظروف اليوم توحي، بأن ما أنجزته طهران، خلال الأربعين عاما الماضية، من خلال توالي الفرص عليها، والتي من شأنها أن جعلت لإيران مواطئ أقدام في المنطقة العربية، مهددة اليوم، أكثر من أي وقت مضى. فقد شكل الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 فرصة لظهور "حزب الله" الموالي لإيران، وأعطى إسقاط الولايات المتحدة لنظام صدام حسين بالقوة، فرصة ذهبية لطهران أن تضع يدها على العراق العربي، فيما ساهم انسحاب القوات السورية من لبنان في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في استبدال الوصاية السورية على لبنان، إلى وضع أشبه بالوصاية الإيرانية على لبنان. وقدمت الأحداث في اليمن فرصة لطهران، في تعزيز قدرات الحوثيين، وصولا إلى رعاية انقلابهم، واستيلائهم على صنعاء.