"صفقة القرن" ووسائل الاكراه،، سليم ماضي

الإثنين 13 مايو 2019 02:51 م / بتوقيت القدس +2GMT
"صفقة القرن" ووسائل الاكراه،، سليم ماضي



عند الحديث عن ما تسمى ب"صفقة القرن" قد يراود الذهن تساؤل مهم في هذا الخصوص، هل ستمر صفقة القرن طوعاً أم كرهاً بالوسائل الناعمة أو بالوسائل الخشنة رغماً عن إرادة الشعب والسلطة؟

في الحقيقة أننا حتى الآن لم نقرأ نصوص "صفقة القرن" كما أرادها صانعوها، لا بالصيغة الأولى ولا بكل الصيغ المعدلة وفق الرؤية الإسرائيلية، ولكن سمعنا وشاهدنا على الأرض بعض الإرهاصات لها، وما شاهدناه وسمعناه وقرأناه كفيل بأن نحكم عليها.

ويمكن تعريف "صفقة القرن" بناءً على ما تم تسريبه من معلومات عبر وسائل الاعلام: هي عبارة عن رؤية سياسية خاصة بالإدارة الأمريكية الحالية برئاسة (ترامب) لحل الصراع العربي الإسرائيلي برمته سواء بالطرق والوسائل الدبلوماسية (بالحوار والإقناع والمساعي الحميدة) أو بالوسائل الخشنة والإكراه (حصار سياسي واقتصادي وتغيير في النظام السياسي).

وهي في الحقيقة الهدف منها تدمير المشروع الوطني الفلسطيني وفرض إسرائيل كصديق قوي وكبير للدول العربية يقدم الحماية والمساعدة، مقابل الحصول على المال العربي الذي سيكون بديل عن المال الأمريكي. وبذلك سيتم تقاسم المال العربي بين للأمريكان والإسرائيليين لحمايتهم من أنفسهم ومن الأعداء الوهميين، إضافة إلى بيع صفقات السلاح بمليارات الدولارات.

وحتى نحكم على إمكانية تمرير "صفقة القرن" لا بد من التعرف على موقف جميع الأطراف سواء المحلية أو الإقليمية (العربية والاسلامية) والدولية منها ومن حل الدولتين ومدى تقبل هذه الأطراف وتعاطيها مع ما تم تطبيقه وتنفيذه على الأرض من إرهاصات صفقة القرن.

على المستوى الداخلي رغم حالة الانقسام البغيض التي أضعفت الوضع الفلسطيني إلا أن السلطة الفلسطينية وحماس أعلنوا موقفهم الرافض بشدة للصفقة، فمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية بقيادة الرئيس أبو مازن أعلنوا الحرب على الصفقة ورفضوا مجرد الحديث فيها، وما زالوا متمسكين بحل الدولتين. كما أعلنت حماس والجهاد الاسلامي والفصائل الموالية رفضهم القاطع للصفقة رغم أن استمرار حماس بالسيطرة على غزة ينذر بالخطر ويزيد من فرصة تمريرها.

أما على المستوى العربي وهو المستوى الأكثر ضعفاً فيمكن تقسيم العرب إلى قسمين: قسم يرفض الصفقة ليس من حيث الجوهر أو المبدأ بل لأنها تتعارض مع مصالحه الاستراتيجية وتعرض أمنه القومي للخطر، مثل مصر فقد رفضت الصفقة لأنها ستقتطع أراضي منها لصالح ما تسمى ب"الدولة الفلسطينية الجديدة"، أو لأنها تفرض عليه حلول أيضاً تتعارض مع المصالح الوطنية، ومن هذه الدول الأردن وسوريا ولبنان فهي ترفض الصفقة لأنها جزء من الصفقة وتفرض عليها الصفقة توطين لاجئين و أو استبدال أراضي أو التخلي عن أراض مثل تخلي سوريا عن الجولان وهو ما لا تقبله.

ودول عربية أخرى تتعامل مع الصفقة وتمولها ومنخرطة فيها بشكل كامل، وترفض أن تقدم مساعدة للفلسطينيين لتعزيز صمودهم أمام الصفقة (صندوق الأمان) ولكن بدون الافصاح العلني فهي في إطار جامعة الدول العربية ترفض الصفقة وتبدي استعدادها لتقديم المساعدة، ومن هذه الدول السعودية والامارات ودول الخليج، وهناك دول أخرى لا تبالي لأنها تريد أن تحافظ على استقرارها السياسي.

باختصار الموقف العربي الرسمي يرفض الصفقة في العلن ولكنه لا يحاربها ولا يمانعها وينتظر اللحظة التي يقبلها الفلسطينيين، بل على استعداد أن يدفع أي ثمن ليرضى عنه أسياد البيت الأبيض.

أما الموقف الأوروبي فهو يعلن رفضه عن "صفقة القرن" وتمسكه بحل الدولتين، وعند قراءة الموقف الدولي بشكل عام سواء المنظمات الدولية أو دول العالم فإن المجتمع الدولي يرفض ما جاء من "صفقة القرن" ويتمسك بقرارات الشرعية الدولية، كما يرفض الخطوات الاجرائية التي قامت بها الإدارة الأمريكية من جانب واحد، مثل نقل السفارة على القدس واعلانها عاصمة موحدة لإسرائيل، كما رفض موقف الإدارة الأمريكية من قضية اللاجئين وتجفيف أو اغلاق منابع الدعم عن الأونروا ووفر بدلاً منها أموال تسد النقص في مؤسسات الأونروا، كما رفض اغلاق مكاتب م.ت.ف، كما رفض ضم المستوطنات لإسرائيل، وكذلك رفض ضم الجولان لإسرائيل.

على الرغم من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وسيطرتها على العالم وفرض مواقفها وإرادتها على المجتمع الدولي إلا أن موقف الإدارة الأمريكية في تمرير "صفقة القرن" بالقوة الخشنة سيكون صعب وغير مقبول لعدة اعتبارات:

أولاً: أن "صفقة القرن" رؤية سياسية تعبر عن الإدارة الأمريكية الحالية المنحازة بشكل كامل لإسرائيل بل متصهينة أكثر من الصهاينة أنفسهم ولا تعبر عن الموقف الأمريكي برمته.

ثانياً: أنها تتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، كما ترفضها أغلب دول العالم.

ثالثاً: لأن أصحاب القضية بكل ألوانهم السياسية ومشاربهم ونسيجهم الاجتماعي يرفضونها وليس لديهم ما يخسروه فقد قدموا الكثير وربما يكون التحدي وحدة للصف الفلسطيني.

يبقى علينا نحن الفلسطينيين أن نرحم أنفسنا ونوحد صفنا لأنه الضامن الوحيد للوقوف أمام تصفية القضية الفلسطينية ضمن مشروع امبريالي، فعلى الرغم من الموقف الدولي الرافض إلا أن الرهان بالدرجة الأولى على وحدتنا، فالعالم لن يقف في وجه أمريكيا من أجلنا ولن يبكي على ظلمنا أو قهرنا بل سيصفق إذا ما مرت صفقة القرن سواء بالقوة الناعمة أو الخشنة.