"استر بنتك خلّ الناس تصوم"... سهيل كيوان

السبت 04 مايو 2019 06:30 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"استر بنتك خلّ الناس تصوم"...  سهيل كيوان



لا أعرف بالضّبط من بادر إلى نشر شعار، وهو عبارة عن لافتة مرور مكتوب عليها "استر بنتك خلّ الناس تصوم"؟ 

هذا الخطاب فيه استفزاز ومسٌّ  بكثير من أبناء وبنات الناس، وهو توجه منفّر جدًا، ويضاف إلى سجلٍّ  كبير من الأعمال التي تنفر الناس من رجال الدين أو الراكبين على الدين، الذين يظنّون بهذا أنهم يحسنون صنعًا.

وهذا مسٌّ  بمعظم زوجات وأمهات وبنات مجتمعنا. 

فما هي معايير اللباس المستور التي يتخذها ناشر هذا المنشور؟ 

وهل يفترض على نساءٍ يرتدين اللباس الأوروبي أن ينزوين في بيوتهن كي لا يفسدوا صيام البعض؟

ثم ألا يعلم هؤلاء أن كثيرات، بل أن معظم اللاتي يقصدهن في منشوره هن بأنفسهن صائمات، وبكلامه هذا يمس بهن وبأسرهن؟ 

ثم ماذا مع المسلم الذين يعيش في أوروبا في مدينة مثل باريس أو لندن أو فرانكفورت! هل يأمر ملايين النساء الأوروبيات بالسّتر كي يستطيع المسلمون هناك أن يصوموا؟ 

هل يطلب مثلا من دكاكين الخضار والمخابز أن تغلق أبوابها تحت شعار خلّ الناس تصوم؟ لأن رائحة الخبز ومنظر الكنافة يغري بالأكل؟ 

الصيام النقي يعتمد النية الصادقة، وهو أرقى وأعمق من أن تهزه أو تؤثر فيه رائحة طعام انتشرت في الحي، أو سيخ شاورما معلق في مدينة مختلطة مثل حيفا مثلا، أو مشهد سيدة في الطريق، ترتدي ما يعتبره الأخ لباسًا غير مستور، إلا إذا كان الصائم نفسه ينتظر بل ويبحث عن فرصة كهذه. 

غض البصر مطلوب من الصائم ومن غير الصائم. 

كيف يصوم أهالي يافا واللد والرملة وكرمئيل ونتسيرت عيليت وعكا وحيفا مثلا؟ إضافة إلى الناصرة التي قد تؤمها آلاف السائحات! هل تُمنع بنات اليهود من التجول بالشورت مثلا، أو تمنع السائحات من ارتداء تنورة قصيرة؟

لا أظن أن لهذا الكلام علاقة بالصيام، وإذا كانت هناك قضية دعوة إلى النساء والرجال إلى ارتداء ما هو محتشم، فهذا نقاش اجتماعي ومن حق الجميع أن يناقش المعايير المقبولة من دون مسّ بأحد.

النقاش مشروع، قد نتفق أو نختلف على ما هي المعايير التي نريدها لمجتمعنا، وليس في اللباس فقط، وقد نتفق أو نختلف في قضايا كثيرة، وأهمها أين تقع بالضبط حدود الشأن الشخصي والعام، إلا أن هناك أساسًا حاسما يجب أن يعتمده الجميع وهو عدم المس بالآخر، أو إهانته وعدم التدخل في شأنه الشخصي، ما دام أنه لا يؤذي غيره.  

رمضان والمدارس... 

يحكي معظم المعلمين بأنه خلال شهر يتغيب عشرات الطلاب، وفي أحيان كثيرة لا يبقى في الصف الواحد سوى نصف أو أقل من عدد الطلاب.

هذه الظاهرة منتشرة من البساتين حتى الثاني عشر.

يأتي رمضان هذا العام بعد فرصة الربيع بأيام قليلة، وهذا يعني أننا أمام ظاهرة إزهاق المزيد من الوقت، وعندما يتكرر هذا من عام إلى عام، لا شك أنه يؤثر سلبا على تحصيل الطلاب، وخصوصا الطلاب الضعفاء الذين يحتاجون أكثر من غيرهم للوجود في المدرسة بين يدي معلميهم. 

في زمن ما، لم تكن هذه الظاهرة موجودة، لكنها تحوّلت إلى عادة اكتسبت شرعيتها مع مرور السنين، وذلك بسبب التسامح الذي يبديه الأهالي والإدارات المدرسية مع التغيّبات في الشهر الفضيل، حيث اكتسب التغيّب عن المدرسة في رمضان الكريم شرعية عند الكثير من أولياء الأمور، علمًا أن هذا يتناقض تمامًا مع صلب رسالة وفكرة الصيام، التي تعتبر أكبر عملية تطهير لقلب ونظر ومشاعر وأرواح الصائمين، وهي عملية تثقيفية للأجيال الصاعدة على قيم سامية كثيرة وأهمها تحمل المشاق والشعور مع المحرومين. هذا ينطبق على كثيرين من أصحاب المهن الذين لا يفون بوعودهم في إنجاز عمل ما، وعندما تستفسر عن السبب يخبرونك بأنهم سهروا حتى السحور، أو حتى ساعات متأخرة من الليل، ورمضان هو السبب.

في رمضان وتضامنا مع الصائمين يجري تقصير الدوام في المدارس والبلديات والمجالس، ولا داعي للتغيّب أو لشلل شبه تام؟ ثم ما الفائدة من الصيام إذا كنا سنؤجل كل عمل إلى ما بعد رمضان؟ 

يفقد الشهر الفضيل معانيه السامية عندما يتحول إلى موعد أو ذريعة للمس بكرامات الآخرين بذريعة، ويفقد معناه عندما لا ننجز وعودنا وأعمالنا بحجة السهر حتى السحور، وبحجة الصيام. 

رمضان شهر الخير والمحبة واحترام الآخرين والتسامح والتضامن، فلا تجعلوه شهرًا لبثّ الاستفزازات ونشر الكراهية بين الناس.