حوار غير دبلوماسي! محمد ياغي

الجمعة 03 مايو 2019 11:27 م / بتوقيت القدس +2GMT



اجتمعنا بالصدفة على طاولة عشاء في دولة ما بعد المشاركة في ورشة عمل. كان الحضور عدداً محدوداً من الرسميين والمثقفين الغربيين.
سألت عن الحكمة من مباركة أميركا لضم القدس والجولان لإسرائيل والتصعيد مع إيران بعد الإعلان عن فرض عقوبات اقتصادية على كل دولة تشتري منها النفط، وأضفت بأن الأوروبيين ينتظرون رحيل ترامب بفارغ الصبر لكنهم قد يفاجؤون بفوزه في الانتخابات مرة أخرى.
قال أحدهم إن سياسات ترامب تقوم على خلق نوع من الاضطراب (disruption) تجاه القضية التي يريد إعادة التفاوض بشأنها لتحسين وضع أميركا تجاهها، لذلك قام بإلغاء العديد من الاتفاقات الدولية وها هو يحقق بعض المكاسب لأميركا من خلال إعادته للتفاوض على اتفاقات تجارية مع كندا والمكسيك والصين وأوروبا.
مضيفاً، إنها نفس السياسة التي يستخدمها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتجاه إيران.
أحدهم علق بالقول إن سياسة حافة الهاوية التي ينتهجها ترامب قد تؤدي لكارثة، لأن الأصل في العلاقات الدولية هو الافتراض بأن الخصم "عقلاني"، يعي عواقب تصرفاته ويسعى لزيادة أرباحه وتقليل خسائره (rational actor)، لكن في حالة ترامب، السلوك الأميركي قد يفضي الى حروب لا تريدها أميركا لأن من الصعب التكهن بنتائجها حيث السلوك الأميركي "غير عقلاني".
قلت، ما يحيرني في سياسات ترامب أن المستفيد الوحيد من السلوك الأميركي تجاه القضايا العربية هو إسرائيل، وبالتالي لا أفهم كيف يمكن أن تحسن أميركا موقفها في اية مفاوضات لها علاقة بالشرق الأوسط، إذا كانت إسرائيل قد حصلت على ما تريد قبل أن تبدأ المفاوضات.
أجاب أحدهم بأن الخصوصية فيما يتعلق بإسرائيل لا علاقة لها بالشرق الأوسط، حيث إنه وفي الوقت الذي ينأى يهود أميركا بأنفسهم عن إسرائيل لعدم رغبتهم بأن يكونوا جزءاً داعماً لسياسات اليمين المتطرف فيها، وبالتالي رفضهم لسياسات ترامب، هنالك زيادة كبيرة في عدد المتدينين المسيحيين الاميركيين الذين يدعمون إسرائيل وهؤلاء جزء مهم من قاعدة ترامب الانتخابية. 
سأل أحدهم بعدها ماذا يمكن أن يفعل الغرب لتعزيز عملية الاصلاح في الشرق الأوسط؟. 
كان السؤال مستفزاً لسببين: أولاً لأنه يأتي بعد حديث صريح ملخصه بأن أميركا- ترامب لا تهتم بحقوق العرب ومصالحهم ولكن بإعادة نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية العام 2020 وبالتالي التنازلات المجانية عن حقوق العرب، والثاني لأن السؤال استعلائي ويفترض بأن سياسات الغرب كانت دائماً لتحسين حياة مواطني الشرق الأوسط.
أجبت دون تفكير، لماذا عليكم أن تصلحوا الشرق الأوسط؟ 
مصلحة شعوبه بأن ترفعوا أيديكم عنهم وأن تكفوا عن التدخل في شؤونهم.
لماذا؟ سأل أحدهم مستهجناً.
أجبت لأن الجزء الأكبر من مشاكل الشرق الأوسط أنتم من تسبب بها وأضفت:
أولاً، القوى الاستعمارية، بريطانيا وفرنسا، هما من رسما الحدود الحالية لغالبية دول الشرق الأوسط، وهم من خلقوا من خلال هذه الحدود المشاكل الإثنية والدينية فيها والتي يدفع شعوبها اليوم جريمة ارتكبت بحقهم قبل مائة عام.
ثانياً، شعوب الشرق الأوسط لم ترتكب الجرائم بحق اليهود ولكن الأوروبيين من ارتكبوها والفلسطينيين هم يدفعون للآن ثمن هذه الجرائم.
ثالثاً، المتطرفون الإسلاميون أميركا من حركتهم لمساعدتها في إنهاء الحرب الباردة لحسابها والآن أنتم تحملون شعوب منطقة الشرق الأوسط المسؤولية عن وجودهم. مضيفاً، إن الإسلام السياسي كان مهتماً بقضايا منطقته الى أن قامت أميركا بإعلان الجهاد في أفغانستان  تسليحاً وتدريباً وتمويلاً. 
رابعاً، أميركا مَن دمر العراق وحوّله الى دولة فاشلة ومرتعاً للإرهابيين ثم سلمه لإيران.
خامساً، أو ليس الغرب مَن صمَت على هجوم العسكر على الديمقراطية في العالم العربي عندما كانت هنالك فرصة لنجاحها فيه؟
مضيفاً إن هذا ليس كل شيء ولكنه يكفي بالنسبة لي للقول بأن الشرق الأوسط أفضل دون تدخلكم فيه.
ساد الجلسة القليل من الصمت قبل أن يجيب أحدهم: نعم، ما قمنا به جعلنا ننتصر في الحرب الباردة.
أجبت بسرعة: congratulations، لكن لا تقل لي بأن الإرهاب مصدره الإسلام أو المسلمون.
قال أحدهم محقاً، انت تلقي باللائمة على الغرب وكأن المنطقة ونخبها لا تتحمل المسؤولية. أنت تلغي أي فعل لسكان المنطقة وكأن الغرب حركهم دون أن يكون لديهم أي خيار آخر. مضيفاً، في قضية الإرهاب تحديداً، هل الغرب من قام بتفسير الإسلام بالطريقة التي تفسره الجماعات الإرهابية؟ أم أن هنالك نُخباً إسلامية قامت بذلك؟ أوَ لم يهاجم "جوهيمان" الكعبة العام 1979 قبل أن يجري تحويل "المجاهدين" لأفغانستان؟
أوَ لم تخرج الملايين ضد الإسلاميين لتبايع الجيش على إزاحته لحكم الإسلاميين في مصر؟ 
مضيفاً، من السهل عليك أن تلقي باللائمة على الغرب لأن هذا ما تفعله نُخب منطقة الشرق الأوسط منذ عقود.
قلت، أنت محق في أشياء ومخطئ في أخرى: نعم هنالك من يفسر الإسلام بالشكل المجنون الذي تبنته "داعش" و"القاعدة"، لكن هذا شيء وتحريك الإسلام (mobilization of Islam) باتجاه محدد كما جرى في الثمانينيات هو شيء مختلف. وأضفت: إن عشرات الملايين لو خرجت في أميركا ضد ترامب وقد فعلت ذلك، هل كنتم ستؤيدون انقلاباً عسكرياً ضده؟ مضيفاً إنني لا أعتقد ذلك.
لكنك مع ذلك محق في إشارتك بأنك ما قلته يبقى ناقصاً ما لم يتم حساب دور نُخب المنطقة في كل ذلك.