خصم المقاصة: المأزق الإسرائيلي والضائقة الفلسطينية..أشرف العجرمي

الأربعاء 01 مايو 2019 11:16 ص / بتوقيت القدس +2GMT
خصم المقاصة: المأزق الإسرائيلي والضائقة الفلسطينية..أشرف العجرمي



ارتكبت الحكومة الإسرائيلية السابقة – اللاحقة حماقة كبيرة بإقدامها على سن قانون يقضي بخصم قيمة مخصصات الأسرى والشهداء من أموال المقاصة الفلسطينية التي تجبيها السلطات الإسرائيلية لصالح السلطة الفلسطينية وتأخذ عليها عمولة، وكان تنفيذ القانون خطوة غبية لا تمثل سوى مناورة انتخابية غير مجدية ولن يكون لها أي أثر في تغيير السياسة الفلسطينية تجاه التعامل مع ملف الأسرى والشهداء الذي يخص الإجماع الوطني وغير قابل للجدل تحت أي ظرف وخاصة عندما يتعلق الأمر بضغوط إسرائيلية. فالموقف الفلسطيني الذي أبلغت به إسرائيل وأعلن على الملأ في كل المناسبات هو أن السلطة ستستمر في دفع مخصصات عائلات الشهدات والأسرى كأولوية مهما حدث ولن تنجح إسرائيل في ثني السلطة عن الدفع حتى لو خصمت كل الأموال الفلسطينية واتخذت ما تشاء من الإجراءات.
في الواقع، كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أكثر وعياً من المستوى السياسي في تقديرها لرد الفعل الفلسطيني المحتمل، ولهذا عارضت هذا القانون وتطبيقه واعتبرته أنه يمكن أن يؤدي إلى انهيار السلطة وتضرر الأمن الإسرائيلي بصورة كبيرة. وكان تقديرها أن القيادة الفلسطينية لن تقبل بالموقف الإسرائيلي هذا مهما كانت النتائج. وبعد رفض السلطة استلام أموال المقاصة منقوصة مارست الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ضغوطاً على الحكومة لتعدل عن موقفها وتجد حلاً للمشكلة. وهنا حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التذاكي وجعل الفلسطينيين يبتلعون الطعم ويقبلون بمبدأ الخصم وذلك عبر نقل الأموال إلى البنوك لتصرفها السلطة بشكل سري في ظل الحفاظ على موقف علني مختلف أي أن تقوم السلطة بالضحك على نفسها وعلى الشعب وتمرر لنتنياهو قراره الذي تقول عنه أوساط إسرائيلية إنه غبي وغير مدروس. ولكن موقف الرئيس محمود عباس الحازم بهذا الشأن ورفض التنازل عن أي خصم والتعامل مع الأمر الواقع في إطار التعبير عن الرفض الجزئي والقبول الفعلي، أربك إسرائيل وفضح سياسة نتنياهو وخلق أزمة جديدة لنتنياهو الذي لا يملك أن يتسبب في انهيار السلطة الفلسطينية.
والمأزق الإسرائيلي يتلخص في أن السلطة فعلاً على وشك الانهيار وتعاني من ضائقة مادية صعبة للغاية، ولا يبدو أن الدول العربية معنية كثيراً بتقديم دعم إضافي للسلطة في إطار ما اتفق عليه في القمة العربية واجتماع مجلس الجامعة العربية. وعليه لن يكون بمقدور السلطة الاستمرار في أداء وظائفها وتقديم الخدمات للجمهور بما في ذلك الحفاظ على الأمن الذي يهم إسرائيل أكثر من أي شيء آخر. وأصلاً السلطة في أسوأ أوضاعها أمام الرأي العام الفلسطيني بسبب السياسات الإسرائيلية وعدم قدرتها على فعل شيء لتغيير الواقع الذي يتدهور باستمرار على مختلف المستويات، وخاصة على المستوى الاقتصادي، ناهيكم عن التدخل الإسرائيلي واجتياح مناطق سيطرة السلطة وعربدة المستوطنين، ومشروع نتنياهو القاضي بتوسيع وضم المستوطنات، والخطة الأميركية للتسوية. بالإضافة إلى غياب الديمقراطية الداخلية والرقابة على المؤسسة التنفيذية، والانقسام بين شقي الوطن وغياب أي أفق لعلاج هذا الوضع المتأزم. ولا يبدو أن الناس سيأسفون على السلطة لو انهارت حتى لو كان الثمن الذي سندفعه باهظاً.
نتنياهو يلعب بالنار ونحن نلعب على حافة الهاوية، وإذا لم تسارع الحكومة الإسرائيلية إلى تغيير سياستها القاضية بخصم قسم من أموال المقاصة ستذهب القيادة الفلسطينية نحو قرارات أكثر حزماً ومصيرية في كل ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل بدءاً من اتفاق أوسلو وانتهاء بأصغر التفاصيل. وعملياً إذا حدث ذلك لن يبقى أي التزام فلسطيني بأي اتفاق مع إسرائيل، ولا يتعلق ذلك بالتنسيق الأمني فقط، بل ستنهار كل المنظومة القائمة وستتدحرج الأمور نحو الفوضى وحتما سيترتب على ذلك اندلاع موجات من العنف الشديد الذي سيمس بالاستقرار والهدوء القائمين في الضفة الآن.
وللعلم فقط، تخشى إسرائيل من الفوضى في الضفة الغربية أكثر بكثير من خشيتها من صواريخ غزة. فهناك على الأقل يمكن ضبط الأمور باتفاقات تهدئة وبتحويل أموال وبعض التسهيلات غير المكلفة لإسرائيل، بينما في الضفة لن يكون هناك عنوان للاتفاق معه وسيكون الثمن الذي تدفعه إسرائيل باهظاً، وقد تستمر حالة الفوضى لفترة طويلة دون مقدرة للسيطرة عليها، إذا انعدمت الرغبة والدافعية الفلسطينية للقيام بعمل ما في هذا الخصوص أو لم تكن هناك إمكانية فعلية في السيطرة على الأمور في حال انهيار المؤسسة الأمنية.
الآن، على نتنياهو أن يختار ويقرر ما هو فاعل، هل سيذهب لدفع السلطة للانهيار، وهذا احتمال وارد في ظل إصرار القيادة على عدم التعاطي مع الضغوط الإسرائيلية وفي ظل عنادها الذي فاجأ نتنياهو، أم أنه سيتراجع ويجد حلاً لتحويل كافة أموال المقاصة ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه؟ في الحالة الثانية سيتهم من قبل أطراف اليمين المتطرف بأنه تنازل للفلسطينيين. وعلى أي حال هو يستطيع فعل ذلك وتمريره لو رغب، فقد نجح في السابق بتمرير الأموال القطرية لحركة حماس على الرغم من معارضة الجهات الأكثر تطرفاً في حكومته. وربما يدخل العامل الدولي على الخط للضغط عليه خوفاً من الانهيار والانفجار. ونحن بانتظار نتنياهو.