دحلان في الهواجس الإردوغانية..عدلي صادق

الإثنين 22 أبريل 2019 08:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
دحلان في الهواجس الإردوغانية..عدلي صادق



كان واضحاً منذ إطاحة حكم "الإخوان" في مصر، إثر انتفاضة ملايين المصريين في 30 يونيو 2013 أن سياسة تركيا الأردوغانية تركز في بغضائها على دولة الإمارات العربية المتحدة، في خفّة وصل إسفافها الى حد الزج باسم النائب الفلسطيني محمد دحلان، الذي جعلته الحكايات السخيفة، قرين جوزيف ستالين، عدو تركيا الكمالية في الأربعينيات، على الضفة الأخرى من البحر الأسود!

المعنيون بالشأن التركي، يعلمون أن ما يسمى "حزمة الإصلاحات السابعة" في تركيا، غيرت المعادلات داخل مجلس الأمن القومي التركي، وجعلت كفة الساسة ترجح على كفة الضباط الأمنيين المحترفين داخل المجلس الذي تأسس بعد انقلاب 1960 بكثير من العسكر وقليل من المدنيين، وتأطر دستورياً في العام التالي لكي يصبح الموجه الفعلي للسياسات العامة، الداخلية والخارجية. وخلال السنوات الطويلة التي شهدت الكثير من التعديلات في منهجية عمل المجلس، ظل ضمان سطوة العسكريين، والحفاظ على القواسم المشتركة مع إسرائيل، العاملان الثابتان في الحسابات الإستراتيجية التركية. ولما طرأت بعض التطورات الجيوسياسية، ونشأ في الهوامش القليل من التعارض في التكتيكات، أعادت إسرائيل وتركيا الأردوغانية صياغة استراتيجية التحالف، على أن تتفهم تل أبيب حاجة أنقرة للتعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم، لكي تجظى بوداد الشعوب العربية، وهي  تسعى الى الهيمنة على بلدانها في المشرق، والوصاية على هذه البلدان بالمنطق العثماني، مقابل أن تتفهم أنقرة دواعي إسرائيل للتعاطف مع الأكراد وتسليحهم، لإضعاف العراق وسوريا وإيران. كانت التسوية، أن تتوافق تركيا وإسرائيل على الخطوط الحمراء التي لا تتعديانها، وتوافقا على عدم المساس بثوابت الأستراتيجيا!

 عندما انفجرت الأوضاع في سوريا، كان التنسيق التركي الإسرائيلي، موازياً للتنسيق الروسي الإسرائيلي: تل أبيب تؤيد أنقرة في سياسة ضخ النفايات البشرية الداعشية ومثيلاتها الى بلد لا يستسيغ شعبه التطرف الهمجي في لبوس الدين، وتركيا مع قطر، تباركان وتساندان الرعاية الإسرائيلية لما يُسمى "جبهة النُصرة" على حدود الجولان. وبعد سنوات تتوافق موسكو وتل أبيب وأنقرة، على تأمين إسرائيل أولاً، بتصفية "النصرة" في وادي اليرموك وعلى حدود الجولان، مع تعهد روسيا إبعاد الإيرانيين!

في تركيا، حتى العام 1992 كانت كفة العسكريين وضباط الأمن، ترجح على كفة المدنيين في مجلس الأمن القومي. ومع صعود أردوغان كان المجلس هو أول من وضع عينه عليه، لكي يبدأ عملية الإحلال التي تناسبه. ففي ذلك السياق، ألحق كادر حزب العدالة والتنمية بالمجلس، فتغلبت عليه السمة الحزبية، لكي يوجه السياسات بالتناغم مع مشروع الرئيس أردوغان، لا سيما بعد أن وجد هذا الأخير ضالته في محاولة الإنقلاب عليه في صيف العام 2016 فانتهر الفرصة للإنقضاض على من لا يضمن ولاءهم أو يتوقع انقلابهم عليه. وفي ذلك السياق، اخترع أردوغان أعداء لنفسه، كان من بين رموزهم ستالين الفلسطيني الموهوم محمد دحلان، باعتباره ــ كما في المعنى الضمني للاتهامات ــ هو المحرض العربي الأساسي لإثنين وعشرين جنرالاً ضخماً!                       

دحلان، في ذهنية أردوغان، ليس معارضاً عادياً للحكم الإخواني وحسب، كغيره من مئات ملايين المعارضين لمثل هذا الحكم، وإنما هو، في ظنه أو في زعمه، أحد صانعي الإطاحة البليغة بحكم "الجماعة" في مصر، وليس الذين أطاحوا ذلك الحكم، عشرات الملايين  المصريين الذين تحسسوا الخطر على السلام الإجتماعي وعلى الدولة وعلى المحيط العربي، وساندتهم في ذلك القوات المسلحة!

من المفارقات، أن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي اتهمت بالضلوع في محاولة الإنقلاب على أردوغان، كانت سباقة الى التعاون معه ضد من يتهمهم، إذ تصادف وجود اثنين من جنرالات الجيش التركي في دبي، اعتقد أردوغان أنهما ضليعان في المؤامرة عليه، وطالب بتسليمهما فسلمتهما دولة الإمارات، وفعلت حليفته إسرائيل الشيء نفسه، وسلمت الملحق العسكري التركي المتهم أيضاً بالضلوع في المحاولة الإنقلابية.

لا يختلف اثنان، على كون جماعة "الإخوان" هي فرس الرهان الأردوغاني لتحقيق طموحات الرئيس التركي في المشرق العربي. وهذه ــ بالطبع ــ ليست فرساً تصلح  للعرض في ساحة "تقسيم". لكن أردوغان يريدها في ميدان التحرير وفي ساحة "المرجا" التي شنق فيها القوميون التركيون الطورانيون، وهم يرتدون الزي العثماني، أحرار العرب ومن بينهم متفقهون في الدين أتقياء ورجالات علم وكفاح استقلالي وطني.

فرس الرهان الذي أدركه الهُزال بعد جموح، أصبح عاجزاً حتى عن الشخير، ولم تعد الأجياد خيلاً، وإنما باتت محض شاشات للثرثرة، تبث من تركيا، موضوعها الوحيد، عبر الفيديوهاتـ، هو أن أمة العرب، ليست إلا من خائنين، ولم يكن في تاريخها أتقياء ومناضلون وشرفاء، وحتى أم كلثوم جعلوها صناعة صهيونية، أما العسكر فهم الشياطين، ولا ندري حتى الآن، ما هو تصنيف عسكر السودان الذين أنقذوا وطنهم، بمنطق شاشات التخوين!  

وفي عمى الألوان، وعمى الجغرافيا السياسية، اختزلت تركيا الأردوغانية أعداءها، في دولة الإمارات التي يأنف قادتها الثرثرة ولا يكترثون لمن يثرثرون، وجعلت محمد دحلان، كالمتنبي في زمانه، ماليء الدنيا وشاغل الناس