اعترافات لم تسقط سهواً...!! أكرم عطا الله

الأحد 07 أبريل 2019 01:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
اعترافات لم تسقط سهواً...!! أكرم عطا الله



كعادته قبل الانتخابات يقول الحقيقة التي يحاول إخفاءها طوال سنوات حكمه لكن حين تشتد المعركة وتذوب مساحيق التجميل مع العرق المتصبب ينكشف وجه نتنياهو الحقيقي كاشفا عن ملامح تندر أن نراها، ففي ذروة الانتخابات السابقة وعصر التصويت فإذا به ينادي اليهود للذهاب للصناديق خوفاً على الدولة من العرب.
هذه المرة ذهب بصراحة شبيهة ليتحدث حول مشروعه السياسي، وهو المشروع قيد التحقيق دون أن نكون بحاجة للكثير من اعترافات من رجل اليمين الذي يقود الدولة منذ أكثر من عقد متواصل مدمراً كل محاولات التسوية. 
فقد قضى الرجل مسلحاً بتحالفاته اليمينية على كل ما جرى العمل عليه من قبل العالم للوصول إلى حل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
إذا كان هناك اعتقاد بأن سبب مأساة الانقسام هو الفلسطيني نفسه ولا أحد غير الفلسطيني، الآن يعترف نتنياهو بأن إسرائيل هي من يهندس هذا المشروع ويحتضنه بل وينفق عليه ويستدعي كل الأدوات لضمان استمراره.
هكذا يقول ما لم تكن تريد الفصائل الفلسطينية أن تعترف به لأن الاعتراف يحمل كارثة من نوع آخر، وهي أن تلك الفصائل صانعة الانقسام والتي تفشل حتى الآن في صناعة مصالحة ليست سوى عربات تتحرك في مسار كان قد تحدد في تل أبيب، وتلك حقيقة صعبة والأفضل أن تبقى القوى في دوائر الاتهام وكأنها صانعة فعل وصاحبة قرار حتى لو كان هذا الفعل هو فعل انقسامي مدمر أفضل من أن يكشف نتنياهو استلاب الإرادة لديها.
يزيد نتنياهو في لحظة صدق مع واقع شديد الألم بوضوحه أنه لن يسمح للسلطة بالعودة لغزة وقد عرض قطاع غزة على زعماء عرب ولكنهم رفضوا تسلمه، ولهذا أكثر من دلالة بالغة الأهمية بأن إسرائيل تبحث عمن يستلم غزة باستثناء السلطة صاحبة الولاية القانونية والتي هي طرف في الاتفاقيات التي تشمل غزة، والدلالة الثانية أن نتنياهو يبحث مبكراً عن أي حل يخرج غزة كبقعة جغرافية سياسية وحدها بعيداً عن الارتباط بأي جزء آخر، والدلالة الثالثة أن صفحة التسوية السياسية وحل الدولتين انتهى وللأبد في إسرائيل نحن نعرف ذلك ولكننا نصر على إعفاء أنفسنا من التفكير بالبدائل فهذا يعني اعترافا بفشل المسار.
إذا نحن أمام الحقيقة التي حاولنا تجاهلها طويلاً، حقيقة انسداد مشروعنا السياسي والكفاحي الذي تشظى إلى مشاريع سياسية أخفق جميعها رغم محاولاتنا تغطية هذا الإخفاق الأشد وضوحاً على امتداد تاريخنا الطويل وحقيقة أن المشروع الإسرائيلي هو الذي يتقدم ضدنا والأسوأ، وهو ما علينا الاعتراف به هو أن هذا المشروع لم يكن له أن ينجح هذا النجاح دوننا، ومؤسف أن تتطابق اعترافات نتنياهو مع فعل فلسطيني يؤكده يومياً دون أن يخجل من نفسه.
والأسوأ أن الانقسام الذي تديره إسرائيل حسب أقوال نتنياهو ولا يسمح بتواصل بين غزة وما يسميها في مقابلته مع صحيفة إسرائيل اليوم «يهودا والسامرة» أن هذا الانقسام أيضاً يحظى برعاية عربية. 
إذ يجري استدعاء الدور والمال العربي لتكريسه إلى الحد الذي كنا نتساءل دوماً عن تلك الأدوار التي تقوم بها أطراف معينة ومدى علاقة تلك الأطراف بالسلطة وحماس في آن وهي جهات محل شبهة على مستوى الإقليم، ولا أحد أجاب عن دور قطر على امتداد سنوات طويلة.
المشهد الانتخابي في إسرائيل كئيب بالنسبة للفلسطينيين، إذ تغيب عن النقاش العام والحملات الانتخابية برامج سياسية تجاه الفلسطينيين ولا يبرز في العناوين سوى اسم غزة تتسابق الأحزاب في الحديث عن ردعها سواء نتنياهو أو خصومه ومنافسوه الذين يتوعدون أكثر هذا ما لدى الإسرائيليين بعد كل تلك السنوات من المعارك والمفاوضات لم يعد هناك شيء للفلسطيني.
ومع كل هذا الانكشاف لمشروعنا الوطني وأغلب الظن أن هناك شكا في القدرة على رتق ما اهترأ خلال سنوات الصراع الداخلي، فلم يعد أحد يصدق أنه ستكون هناك مصالحة والانتخابات أصبحت أشبه بالمستحيل وإعادة تشكيل نظام سياسي موحد للفلسطينيين أصبحت جزءا من محاولات ماضوية لم تنجح ولن تنجح وها نحن نعود أشبه بالقبائل المتناحرة كان التعبير الأبرز عنها هو التشققات التي حصلت للأحزاب الصغيرة وخصوصاً حزبي الشعب وفدا عندما احتدمت الصراعات والاستقالات أثناء نقاش الوزارة والتوزير وليس بسبب خلاف سياسي، وكأن ذلك لم يعد أولوية وهذا وحده يعكس مستوى الأزمة ويعبر عنها بشكل صارخ.
وإذا كان حديث نتنياهو عن الانقسام وغزة هو حديث يصدقه الواقع والوقائع أو كأنه المتحكم بالحالة الفلسطينية، فهل يمكن لنا أن نعيد حسابات ومراجعة ماذا حصل ومسؤولية كل طرف عما حصل، كيف اقتطعت غزة من جانب؟ وكيف دُفعت من الجانب الآخر؟ من وفر لغزة مقومات الاستمرار منفصلة بهذا الشكل وبعد أكثر من عقد تذكر ذلك؟ ما هو دور القوى الإقليمية بما حصل سواء بالتمويل أو التنسيق؟ تلك مراجعة للتاريخ أشك أنها ستتمكن من وقف التدهور الذي يسير بخطى ثابتة لأننا لم نتغير وما زلنا في دائرة الاتهام ولكن على الأقل لنعرف كيف نوزع مسؤولية الخراب الذي حل بنا ...!