هل تريد إسرائيل صفقة القرن؟! محمد ياغي

الجمعة 05 أبريل 2019 06:18 م / بتوقيت القدس +2GMT



ما يسمى في الإعلام بصفقة القرن، هو مشروع أميركي يستهدف دمج إسرائيل بالنظام الرسمي العربي من خلال تأمين جميع مطالب إسرائيل المعلنة وتقديمها للعرب على شكل مشروع سلام في ظاهره توجد تنازلات إسرائيلية عن أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وفي جوهره فيه قبول بسيادة إسرائيل على القدس، والأغوار، والمستوطنات، والحدود، والأجواء، والمياه، وفيه إلغاء لحق العودة.
الفلسطينيون بالتالي لا يمتلكون غير رفض هذا المشروع ومقاومته. صحيح أن إدارة ترامب تعول على العرب الرسميين لإخضاع الفلسطينيين لمشروعها، لكن العرب الرسميين يدركون أيضاً أن هناك حدودا لا يمكنهم تجاوزها اذا ما أرادوا عدم إغضاب شعوبهم.
وقناعتنا بأن لدى العرب الرسميين ملفات أكثر أهمية في مواجهة شعوبهم مثل الاقتصاد والحريات ومسألة الشرعية السياسية، وهم بالتالي لا يحتاجون الى ملف جديد يضاف الى الملفات المفتوحة لديهم. وبالتالي لا نراهم جزءا فاعلا، في العلن على الأقل، لفرض مشروع على الفلسطينيين بغير رغبتهم.
يقال إن صفقة القرن صممت لمبادلة الحقوق الفلسطينية بتحالف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران. 
هذا التحليل في جوهره صحيح، لكن يجب التوقف قليلا لمعرفة ان كان العرب الرسميون على قناعة بأنهم سيستفيدون حقيقة من هذا التحالف.
العرب الرسميون الذين يريدون مواجهة ايران يدركون بأن الغرب منقسم بشأنها، وبأن أبعد ما يمكنهم الحصول عليه هو عقوبات اقتصادية على إيران. 
وهم يعلمون بأن الدور الإسرائيلي هنا ليس أكثر من التحريض ومن استخدام اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة والغرب عموما لتكريس هذه العقوبات وزيادتها. 
وهم يدركون بأن إسرائيل تقوم بذلك سواء تحالفوا معها أم لم يتحالفوا، لأن هذا ما تقوم به إسرائيل منذ وقت طويل لأنها تعتبر ايران عدوها الأساس.
العرب بالتالي لا يحتاجون الى ممارسة الضغوط على الفلسطينيين للحصول على موافقتهم على صفقة القرن من اجل الدخول في تحالف مع اسرائيل، لأن الأخيرة في حالة صراع مع إيران بصفقة قرن أو بدونها. 
بمعنى آخر، لا سبب لدى العرب لمقايضة حقوق الفلسطينيين من أجل تحالف مع إسرائيل يستهدف ايران.
عندما يتم التركيز على الصورة الكبيرة، ايران، التحالف الموعود بين العرب الرسميين واسرائيل، حقوق الفلسطينيين المسلوبة في هذه الضفقة، لا يتوقف أحد ليسأل السؤال البديهي: هل تريد إسرائيل هذه الصفقة الموعودة؟
لدي ما يكفي من الأسباب للادعاء بأن الذي سيحبط صفقة القرن هي إسرائيل:
أولاً، إسرائيل لا ترى أية ضرورة للقيام بأي صفقة مع الفلسطينيين لا من أجل العرب ولا من أجل أميركا.
الوضع الحالي لإسرائيل مريح جدا مع الفلسطينيين. باستثناء ملف غزة المفتوح والذي يشكل تهديداً أمنيا جدياً لها بسبب وجود صواريخ في غزة قادرة على ضرب تل أبيب، لا يوجد أي تهديد جدي آخر لأمنها من الضفة الغربية. 
إسرائيل بالتالي لا ترى ضرورة لتقديم اية تنازلات للفلسطينيين مهما كانت بسبب خشيتها من الفلسطينيين. هي مرتاحة ولأنها كذلك، لا يوجد سبب فلسطيني يدفعها لذلك. 
عربياً، تدرك إسرائيل بأن علاقاتها مع الدول العربية، في أفضل حالاتها، ستكون مثل علاقتها مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية الآن. علاقات مع حكومات وليس مع شعوب المنطقة، وهذه العلاقات موجودة مع غالبية الدول العربية باستثناء القليل منها. 
في هذا السياق، صفقة القرن بالنسبة لها قد تسمح بعلاقات علنية مع بعض الدول العربية لكن هذه العلنية في العلاقات لا تضيف الكثير لها. واذا خيرت إسرائيل بين علنية العلاقات وبين عدم التنازل عن متر مربع من الأرض الفلسطينية فإنها ستفضل عدم التنازل عن هذا المتر.
أميركياً، إسرائيل هي من يحدد الأجندة الخاصة بالصراع مع الفلسطينيين، وإذا رأت أن هنالك ضرورة لصراع علني مع أية إدارة أميركية فإنها لن تتوانى عن القيام بذلك.
حالياً، هي حصلت على القدس والجولان وعلى إسقاط ملف اللاجئين الفلسطينيين وعلى سياسات متشددة تجاه إيران دون اي تنازل من جانبها. 
لذلك لا حاجة لإسرائيل للصدام مع إدارة تهتم بإسرائيل اكثر من اهتمامها بشعبها. لكن اذا طلب من إسرائيل تقديم تنازل لا تريده فإنها قادرة على الرفض وعلى مقاومة إدارة ترامب دون أن يهتز لها جفن. 
يكفي القول بأن زعيم اللوبي اليهودي في أميركا قال بأن بإمكانه خلال 24 ساعة الحصول على توقيع 70 عضو كونغرس على ورقة محارم للحمام على اية قضية تريدها إسرائيل!
ويكفي التذكير بأن نواب الكونغرس الأميركي سمحوا لرئيس وزراء إسرائيل بإهانة رئيس بلادهم، أوباما، في الكونغرس نفسه، ووقفوا له مصفقين.
إسرائيل اذاً لا ترى أن هنالك ضرورة من جانبها لتقديم اي تنازل مهما كان من أجل الفلسطينيين او العرب او حتى من أجل حبيبهم ترامب.  
ثانياً، إذا أدركنا بأن قيادات إسرائيل منذ مقتل رابين العام 1995 تتجه الى التطرف والى تكريس مقولة أن كل الضفة الغربية هي لإسرائيل، وأن المشكلة الوحيدة التي عليهم التعامل معها هي مسألة السكان، فإن الاستنتاج الوحيد يجب أن يكون هو أن إسرائيل تسعى الى السيطرة على اكبر جزء من الضفة الغربية وعلى منع الفلسطينيين من التمدد على ارضهم. وهذا فعلياً هو ما تقوم به حتى من قبل اتفاق أوسلو.
إسرائيل لكل ذلك لا تريد صفقة القرن، وهي من جانبها لن تقوم برفض الصفقة بشكل علني لكنها ستكتفي بالإشارة الى رفض الفلسطينيين لها. وهذا هو ما فعلته عندما قدم الرئيس كلينتون معاييره للسلام، إسرائيل لم تقبل بها أبداً واكتفت بالإشارة الى رفض الفلسطينيين لها.