غزّة ليس الجزائر ولا ليبيا ولا حتّى السودان.. و”حماس″ ارتكبت خطيئةً كُبرَى ..عبد الباري عطوان

الثلاثاء 19 مارس 2019 01:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزّة ليس الجزائر ولا ليبيا ولا حتّى السودان.. و”حماس″ ارتكبت خطيئةً كُبرَى ..عبد الباري عطوان



لا نُجادل مُطلقًا بأنّ حركة “حماس” ارتكبت أخطاءً في غزّة، وأدارت القِطاع بطريقةٍ حزبيّةٍ فصائليّةٍ، وقرّبت المُوالين لها، وأبعدت المُعارضين، أو حتّى المُحايدين لحُكمها، ولهذا خلقت طابورًا طويلًا من الخُصوم والخُصوم، أوّله في الدّاخل حيثُ الأعداء المحلّيين من تنظيم حركة “فتح” وبعض الفصائل الإسلاميّة المُتشدّدة الرّافضة للتّهدئة، ووسطه في رام الله حيثُ السّلطة التي تُريد استعادة هيمنتها على القِطاع بشُروطها، وأبرزها نزع سلاح المُقاومة، وآخِره في تل أبيب حيث دولة الاحتلال الإسرائيليّ التي باتت المُقاومة المُسلّحة وصواريخها ومسيرات عودتها تُشكّل لها قلقًا مُزمنًا، ورغم كُل ذلك لا يُمكن أن نقبل، نحن الذين نعرف القِطاع جيّدًا، الطريقة البشِعة والمُهينة والوحشيّة التي تعاملت بها شرطة حركة “حماس” مع المُتظاهرين الذين عبّروا عن غضبهم من تدهور الأوضاع المعيشيّة في القِطاع، وقرّروا الاحتجاج “سلميًّا” على الضرائب التي أثقلت كاهلهم، وحالة الغلاء التي جعلت الحياة شِبه مُستحيلة، والأهم من ذلك البِطالة في أوساط الشّباب التي فاقت نسبة الستّين في المئة، إن لم تكُن أكثر، ودفعت الكثير منهم لرُكوب البحر والمُخاطرة بحياتهم بالهِجرة.


نعم هُناك مُؤامرة مُتشعّبة الأطراف لا تُريد استقرار أوضاع القِطاع وتفجيره من الداخل، وإفشال حُكم حركة “حماس″، والرئيس محمود عبّاس والحِفنة المُحيطة به لم يخفوا جميعًا سعيهم لتحقيق هذا الهدف من خلال تشديد الخِناق على أبناء القِطاع، حتى من أنصار حركة “فتح”، الحزب الحاكم، من خلال وقف الرواتب، وإحالة الآلاف على التّقاعد المُبكر، وتجميد تسديد فاتورة المحروقات اللازمة لتشغيل محطّة الكهرباء اليتيمة، وكما أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي التي اكتوت من الصواريخ التي تتطوّر دقّتها وحجم الدمار الذي تحدثه، وكذلك من البالونات والطائرات الورقيّة الحارقة، ومسيرات العودة، وما ألحقته من صُورتها من أضرار في العالم، من الطّبيعي أن تكون على رأس المُتآمرين.


عندما كُنّا نتّصل بالأهل والأصدقاء في قِطاع غزة من مُختلف المشارب والتوجّهات السياسيّة، بما في ذلك من أنصار حركة “فتح” وبعضهم أقارب، كانوا يشتكون من ضيق الحال، وصُعوبة المعيشة، ولكنّهم كانوا يجمعون على أمرٍ واحد، وهو أن حركة “حماس” حقّقت الأمن والأمان وأنهت حالة الفوضى التي كانت سائدة قبل استلامها الحُكم عام 2007 في انقلابِها الشّهير.


قِطاع غزّة ليس الجزائر، ولا ليبيا، ولا السودان الفقير، فلا يوجد فيه آبار نفط، ولا غاز، ولا زراعة ولا صناعة، ولا حتى مياه، وإنّما مخزون بشري يزيد تعداده عن مليونيّ نسمة، مُعظمهم في مُخيّمات اللجوء، محصورين في سجنٍ كبيرٍ، مساحته لا تزيد عن 150 ميلا مُربّعًا، أيّ أقل من مساحة حديقة في بعض الدول أو المدن الأوروبيّة، ولكنّه سجن بدون أشجار، أو القليل منها، بسبب الكثافة العُمرانيّة الاسمنتيّة.


نعترِف أنّ حكومة حركة “حماس” تُعاني الإفلاس بسبب الحِصار الماليّ الخانق، وباتت غير قادرة على تسديد رواتب، أو حتى ربع رواتب مُوظّفيها، ورجال أمنها، والحد الأدنى من احتياجات جناحها العسكريّ الذي ما زال يرفع راية المُقاومة، ويُطوّر صواريخها وطائراتها المُسيّرة، ومِن الطّبيعي أن ينعكِس هذا الوضع المُؤلم على أبناء القِطاع، حيث بات الجميع يتساوون في الفقر والجُوع والحاجة والمُعاناة.


دمَعت أعيننا ونحن نسمع أن ارجل الدجاج باتت وجبة دسمة لآلاف الأُسر الفقيرة المُعدمة، وشعرنا بالاكتئاب عندما قرأنا عن أعزّاء قوم باتوا يفتّشون في صفائح القُمامة بحثًا عن لُقمة خُبز لأطفالهم.


كل ما تقدّم لا يمنعنا من إدانة اعتداء شرطة “حماس” بالضّرب بالخرازانات على السيّدات والشّباب المُحتجّين، وبطريقةٍ وحشيّةٍ، فهؤلاء هُم أبناء وأشقّاء وأبناء عُمومة رجال جناح القسام المُقاوم ومُجاهديه، ومُعظم المُشاركين في مسيرات العودة، والشّهداء الذين سقطوا منهم أو أُصيبوا إصابات مُقعِدة خاصّة، وبلغت أعداهم الآلاف، ولا يجِدون حتّى الكراسي المُتحرّكة.


كنا نتمنى لو ان شرطة “حماس” اقتدت بنظيرتها في الجزائر التي احترمت حق الشعب في الاحتجاج، ولم تشتبك مطلقا مع المتظاهرين، الأغلبية الساحقة من أبناء القطاع لا تجد الطعام والكهرباء والدواء، اتركوهم يصرخون من شدة الألم، فهل الصراخ ممنوع أيضا.


نكتُب بحذرٍ ومسؤوليّةٍ لأنّ الجميع أهلنا، في سلطة “حماس” أو خارجها، والجُرح في الكف مثلما يقول المثل الفِلسطيني، ولذلك نأمل من عُقلاء القِطاع، وفي حركة “حماس” خصّيصًا مُعاقبة كُل من تطاولوا على المُحتجّين، واعتدوا على كرامتهم، والاعتذار للضّحايا، فهذا هو الطّريق الوحيد لتطويق الأزَمَة، وقطع الطّريق على كُل المُتآمرين.
يجب أن تُدرك قيادة حركة “حماس” وكوادرها، أنّها مُحاطة بالأعداء الذين لا يُريدون بقاءها، واقتِلاعها من جُذورها، وأنّ حاضنتها الشعبيّة هي الملاذ الوحيد والأخير لها، وإذا خسِرت هذه الحاضنة خسِرت والقضيّة الفِلسطينيّة، كل شيء، في الوقت الرّاهن على الأقل.. ونكتفِي بهذا القدر.