حول الصراع الإيراني الروسي في سورية..عبير بشير

الثلاثاء 19 مارس 2019 12:37 م / بتوقيت القدس +2GMT



في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2019، عبرت روسيا صراحة وبطريقة رسمية لافتة للنظر، عن أنها لا تعتبر نفسها حليفة لإيران في سورية. وهو ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، موضحاً أن الروس والإيرانيين يعملون معاً في سورية، ولكنهم ليسوا حلفاء. وأضاف، إن «روسيا تدرك أهمية الحفاظ على أمن إسرائيل». جاء ذلك غداة توجيه إسرائيل ضربة جوية للقوات الإيرانية في سورية.
في حين قال عضو في البرلمان الإيراني، إن «الجيش الإسرائيلي قد يكون لديه نظام للتنسيق مع أنظمة الدفاع الجوي الروسية في سورية».
ويشكل الحفاظ على أمن إسرائيل، نقطة التقاء بين روسيا وأميركا، بالإضافة إلى أن القيادة الروسية، باتت مقتنعة، بأن وضع اليد الإيرانية على سورية سيزيد الفرز المذهبي السني الشيعي في المنطقة. وحاولت روسيا، إيهام دول الخليج، بأن العودة العربية إلى سورية – الأسد، ستساهم في تقليص النفوذ الإيراني، وهي في الأرجح كانت محاولة لتعويم نظام الأسد عربيا، ولاستدراج العرب إلى مشروع إعادة الإعمار في سورية، دون وجود حل سياسي حقيقي هناك.
وأكثر ما يفرضه التقاطع في المصالح بين روسيا والولايات المتحدة هو حتمية التعاون في الميدان السوري من أجل تجنب اندلاع صدام عسكري واسع، يؤدي إلى تورط موسكو وواشنطن فيه، قد ينجم عن المواجهات شبه اليومية التي تقودها إسرائيل ضد جموح التوسع الإيراني. 
وبات إصرار طهران على اقتطاع حصة الأسد من إنجاز الإبقاء على بشار الأسد في السلطة، يؤرق الدب الروسي، الذي قام في السابق بخطوات تحد من تغلغل طهران في الجيش والاقتصاد والإدارة السورية.
وقد منعت موسكو النظام السوري وإيران من استغلال الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سورية، واعتمدت قيادة حميميم الروسية في اللاذقية على وحدات تابعة لها في الجيش السوري وتعزيزها بأسلحة متطورة مع تهميش وحدات أقرب الى شقيق الأسد ماهر.
وقد بدا التوتر واضحاً بين روسيا وإيران خلال معركة كسر الحصار المفروض على محافظة دير الزور في نهاية العام 2017، بعد أن منعت القوات الروسية وسائل الإعلام الإيرانية و»حزب الله» من دخول مدينة الميادين التي استعادها النظام. من أجل تحدّي الانطباع العام بأن إيران صاحبة اليد الطولى فيما يجري في سورية. وأصبح النزاع بين روسيا وإيران في محافظة دير الزور عنيفاً منذ بداية العام 2018. وقد شمل ذلك عمليات اغتيال واعتقالات تستهدف الجماعات العسكرية على الجانبين، تلَتها اشتباكات عسكرية مباشرة بهدف السيطرة على النقاط الاستراتيجية من قبيل المعابر النهرية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل مركز مدينة دير الزور.
كما كانت لروسيا وحلفائها اليدُ العليا في معركة المعابر النهرية التي تربط المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري بالمناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية في دير الزور، وذلك بعد طرد الميليشيات المتحالفة مع إيران والتي كانت تسيطر سابقاً على المعابر النهرية. وأهم هذه المعابر هي الشميطية والجنينة في الريف القريب من غرب دير الزور، بالإضافة إلى معابر الصالحية، ومراط، ومريعية. حيث يمكن للمعابر النهرية أن تدر أرباحاً ضخمة يومياً بسبب تهريب الوقود والمواد الغذائية بين ضفتي نهر الفرات، وحقيقة أن المهربين والسكان المحليين يجب أن يدفعوا عمولة إلى المجموعة التي تسيطر على المعابر.
ويحاول بشار الأسد إبعاد اليد الإيرانية عن ملف الإعمار في مرحلة ما بعد «داعش». وكانت دمشق وطهران وقعتا مذكرات للتعاون الاقتصادي بداية العام الماضي شملت تأسيس شركة للهاتف النقال في سورية والاستثمار في حقول الفوسفات في ريف حمص، إضافة إلى السيطرة على أراض زراعية وتأسيس ميناء صغير لتصدير النفط في بانياس على البحر المتوسط. لكن بشار الأسد ماطل في تنفيذ المذكرات وسط أنباء عن تسريع التعاون مع روسيا خصوصاً في مجالات الفوسفات والنفط وتوسيع قاعدتي طرطوس وحميميم غرب سورية.
ورصد تقرير عن «strategy-watch»، تجليات الصراع الروسي الإيراني في سورية وعليها، وتحدث التقرير أنه منذ الإطاحة بوزير الدفاع السابق العماد فهد جاسم الفريج، واستبداله بالعماد علي أيوب، عمدت القوات الروسية إلى حجب منصب رئاسة الأركان لمدة 15 شهرا وذلك في سابقة لم يُعرف لها مثيل في تاريخ المؤسسة العسكرية السورية منذ تأسيسها العام 1946.
وبادرت موسكو إلى تنفيذ خطة شاملة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتعزيز شبكة الضباط الموالين لها، وتمثّل الإجراء الروسي الأكثر تحديا لإيران في دمج «شعبة التنظيم والإدارة»، مع «إدارة شؤون الضباط»، تحت اسم «إدارة القوى البشرية». وكان الهدف من ذلك السيطرة على قطاع التدريب عبر تخويل ضابط روسي بالإشراف على تدريب وتجهيز الوحدات حديثة التشكيل، والاستحواذ على قطاع التجنيد عبر استحداث إدارة للتجنيد العام، وتعيين اللواء سامي محال مديرا لها، وتكليفه العمل على خطة روسية تهدف إلــى إفشال محاولات «الفرقة الرابعة» بقيادة ماهر الأسد، والميليشيات الإيرانية بتجنيد شباب «التسويات» في صفوفهم، والذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، وضمهم بدلاً من ذلك الى «الفيلق الخامس»، بقيادة العميد سهيل الحسن الملقب بالنمر والمقرب إلى روسيا.
وتزامنت عملية إعادة تشكيل القوات المسلحة؛ مع تبني القيادة الروسية خطة تهدف إلى إضعاف النفوذ الإيراني من خلال تفكيك القوات الرديفة والميليشيات الموالية لطهران؛ حيث أنهت إدارة المخابرات الجوية عقود نحو 6500 عنصر من الميلشيات التابعة لها، وحلت ميلشيات «مغاوير البعث»، و»الدفاع الوطني» في برزة وقدسيا، و»درع القلمون».
وأسفرت تلك الإجراءات عن توتر في العلاقة بين شبكة ضباط النظام الموالين لموسكو من جهة، وشبكة الضباط الموالين لإيران من جهة ثانية، حيث شهد العام 2018 سلسلة اغتيالات وتصفيات غير مسبوقة طالت عددا من القادة الميدانيين بالجيش.
وتتجه القوات الروسية في الشهر الحالي نحو تطهير منطقة السيدة زينب والريف الجنوبي لدمشق حتى مطار دمشق الدولي، وتفكيك عشرات الثكنات ومراكز التدريب والحواجز العسكرية التي أقامها الإيرانيون تحت إشراف ماهر الأسد، وتسليمها إلى الفيلق الخامس.
وربما بذلك نستطيع أن نعرف ما هو السر وراء إحضار قاسم سليماني لبشار الأسد لطهران للمثول أمام خامنئي بشكل مفاجئ؟ وذلك للتأكيد للقاصي والداني، ان دمشق وبشار الأسد لم ولن يخرج من العباءة الإيرانية.
موسكو والقيصر بوتين ردوا على هذه الخطوة، بالإعلان عن تشكيل «آلية دولية لتطبيع الأوضاع في سورية»، بعد استكمال القضاء على تنظيم «داعش»، تشمل «مجموعة» عمل لضمان انسحاب القوات الأجنبية، ووضع ترتيبات تضمن سيطرة الدولة السورية على جميع أراضيها.
صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسيّة قالت، «إن اتفاق روسيا وإسرائيل على تشكيل مجموعة العمل هذه جاء ردا على الزيارة «غير المتفق عليها» التي قام بها الرئيس الأسد إلى طهران، وأكدت أن زيارة الأسد إلى طهران شكلت ضربةً حقيقيةً للكرملين، لأنها تدل على رغبة الأسد في الإبقاء على القوات الإيرانية في سورية.