تحليل: عود الثقاب الذي سيُشعل المواجهة

الإثنين 04 مارس 2019 10:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تحليل: عود الثقاب الذي سيُشعل المواجهة



مركز أطلس

"إن خيبة الفلسطينيين من صفقة القرن هي عود ثقاب جديد في رزمة عيدان الثقاب التي أشعلت منذ الآن وتهدد بإشعال الضفة وغزة" بهذه الكلمات لخص اليكس فيشمان، المحلل الأمني والعسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" خلاصة الموقف بين الاحتلال والفلسطينيين على جبهة غزة والضفة، وفيما يلي ملخص ما كتبه فيشمان:

التسريب من جانب غارد كوشنير عن فحوى "صفقة القرن" التي سينشرها الأمريكيون بعد يوم واحد من الانتخابات الإسرائيلية، جاء لمحاولة خلق زخم إيجابي لدى الفلسطينيين، وكمحاولة لتليين موقف السلطة الفلسطينية، على خلفية سلسلة الضربات التي وجهتها إدارة ترامب إلى رئيس السلطة أبو مازن؛ بدءًا بنقل السفارة إلى القدس، مرورًا باقتطاع نحو مليار دولار من الأموال التي تدفع للسلطة ومؤسسات الإغاثة للفلسطينيين، إلى جانب الضرر المالي الذي يلحق بأجهزة الأمن الفلسطينية، وانتهاءً بقرار إغلاق القنصلية الأمريكية في القدس، والتي كانت تعمل مع السلطة. وبعد كل هذا، المحاولة الأمريكية للتملق للسلطة لا تنجح.

في "نيويورك تايمز" نُشر هذا الأسبوع أن الخطة تتضمن استثمارًا بـ 25 مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدى عقد من السنين.

والسؤال: ماذا سيحصل عند رفض الفلسطينيين للخطة؟ لدى رجل الإدارة كوشنير لا توجد إجابة، "سننصرف من القضية" قال، والمعنى: إذا انهارت "صفقة القرن" يعود الطرفان إلى خانة الفراغ السياسي، الأزمة الاقتصادية العميقة في الضفة وفي غزة، والتدهور إلى مواجهة مسلحة.

منذ المداولات الأولى التي أجرتها هيئة الأركان بعد تولي رئيس الأركان الجديد منصبه، أوضح رئيس الأركان أفيف كوخافي أن المواجهة في غزة محتمة، ويجب الاستعداد لها وكأنها توشك على الوقوع غدًا. وبالفعل، يوجد الجيش اليوم في ذروة جهد مركز للاستعداد للمواجهة في القطاع، وليس صدفة أن اختار الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن ينشر علنًا وبالتفصيل أهداف المناورة المفاجئة التي جرت بداية الأسبوع، الحديث يدور عن طاقم قتالي لوائي يتشكل من كتائب مدرعات، هندسة ومشاة، بمرافقة قوة مدفعية وجوية. في الجيش الإسرائيلي أرادوا لحماس أن تفهم بأن القصة جدية، وأن إسرائيل - بخلاف تقديراتهم للوضع - لن تتردد بالدخول إلى القطاع.

في هذه الأثناء، لا يصدق السنوار بأن إسرائيل ستجتاز الخطوط، إلى ما هو أكثر من بضعة أيام قتالية قصيرة. في تشرين الأول، تعهد السنوار لسكان القطاع بأن الحصار سيرفع؛ وهذا لم يحصل، فقد اشترت إسرائيل الهدوء بالمال، مددت ساعات الكهرباء وسمحت للقطريين بنقل الأموال النقدية إلى القطاع. في 30 آذار، ستحل سنة على "مسيرات العودة وكسر الحصار" على الحدود، وحماس لا يمكنها أن تعرض إنجازًا جوهريًا واحدًا في صالح السكان. فضلًا عن ذلك، في شهر آذار تبدأ فترة "أيام الذكرى": يوم الأرض، يوم الأسير، يوم النكبة، يوم النكسة، في المرحلة الحالية يتركز الجهد على ممارسة الضغط على سكان غلاف غزة.

في منظومة الأمن الإسرائيلية، يوجد هناك أيضًا من يقدّرون بأن قيادة حماس في القطاع ستنتظر نتائج الانتخابات في إسرائيل قبل أن تنتقل إلى خطة عسكرية. ليس مؤكدًا أن لهذه النظرية أساسًا في الواقع، فعملية "الرصاص المصبوب" في كانون الأول 2008 نشبت في ظل حملة انتخابات.

بينما في قطاع غزة قوانين التفجر واضحة جدًا، وللجيش أدوات للتأثير عليها؛ إلا أنه فيما يتعلق بالضفة الغربية ليس للجيش الإسرائيلي أي قدرة تأثير على ما سيحصل في المستقبل.

نتنياهو، في نهاية الأسبوع الماضي، استجاب لطلب الملك الأردني بالامتناع عن خطوات من شأنها أن تؤدي إلى انفجار في الحرم، على خلفية سيطرة الأوقاف على باب الرحمة. في إسرائيل فهموا بأن هذه الأزمة تعبّر عن صراعات قوى بين محافل إسلامية مختلفة على السيطرة في الحرم، فالأوقاف الأردنية تشعر بأنها تفقد نفوذها أمام النشاط المكثف للجمعيات الخيرية التركية في الميدان مثل "تيكا"، التي تتمتع بميزانية سنوية هائلة بمقدار ثمانية مليار دولار وتهدد الهيمنة الأردنية.

تعتقد المحافل الأمنية (منسق المناطق، جهاز المخابرات، والجيش) بأن الجمهور الفلسطيني في الضفة يتمتع باستقرار اقتصادي، ممّا يمنع الاضطراب القائم. وفي اللحظة التي تهز إسرائيل فيها الاقتصاد فإنها تكون أطلقت النار على ساقها.

اعتزمت إسرائيل أن تقتطع نحو 40 مليون شيكل في الشهر من الاستردادات الضريبية، ومع ان السلطة ما كانت لتنهار من هذا الاقتطاع؛ ولكن إسرائيل تلعب على موضوع رمزي سبق أن رفعها في الماضي إلى الألغام: في 2015، قررت إسرائيل معاقبة السلطة على انضمامها إلى مؤسسات دولية وأعلنت بأنها لن تحول لها أموال الضرائب، فأعلن أبو مازن حينها بأنه يتخلى عن الأموال الإسرائيلية على الإطلاق. وفي غضون شهر نشأت أزمة اقتصادية في الضفة، واستدعي في حينه قائد المنطقة نيتسان الون ومنسق الأعمال في المناطق اللواء بولي مردخاي إلى رئيس الوزراء، فوجدوا حلًا إبداعيًا، لم يكسر للحكومة كلمتها، وبالتوازي أدى في النهاية إلى تحويل الأموال. غير أن هذه المرة يجري الاقتطاع وفقًا للقانون، وليس وفقًا لقرار حكومي مثلما كان في حينه؛ ممّا يجعله لا مردّ له.

اقتطع الأمريكيون نحو مليار دولار في السنة، واقتطعت إسرائيل 500 مليون شيكل في السنة، وابتداءً من 1 اذار لن تكون السلطة الفلسطينية قادرة على تشغيل الخدمات العامة؛ 40% من ميزانية السلطة السنوية ببساطة شطب، وأبو مازن يتصرف بالضبط مثلما فعل في 2014؛ فقد أعلن بأنه يتخلى عن كل الأموال الإسرائيلية وليس فقط عن قسم منها، مع علم واضح بأنه لن تكون له أي قدرة للسيطرة على التدهور في الميدان، وذلك لأن رواتب أجهزة الأمن ستتضرر أيضًا، والنتيجة الفورية باتت واضحة منذ الآن في الشبكات الاجتماعية، والشارع الفلسطيني مضطرب.

سيناريو التدهور في غزة واضح أكثر ويمكن الاستعداد له، أما في الضفة فالصورة أكثر إثارة للقلق، وذلك لأن احتمال "العنف" هناك أكبر بكثير. أما للجيش، في فترة الانتخابات فتكاد لا تكون إمكانية للتأثير على الوضع. محمود العالول، نائب أبو مازن، دعا منذ الآن السكان لمواجهة القرار الإسرائيلي تقليص اموال الضرائب. هذا مثال واضح على سياسة السلطة؛ فهي غير معنية بالانفجار، لا تريد وقف التنسيق الأمني، ولكنها تريد بالفعل أن يمارس ضغط على إسرائيل من خلال أعمال الإخلال الجماهيرية بالنظام، غير أن أحدًا لا يمكنه أن يتحكم بدينامية أعمال إخلال واسعة بالنظام.

لقد تميزت السياسة الإسرائيلية في الضفة حتى اليوم بالمراوحة في المكان: من جهة لا حراك كي لا يتغير الوضع الراهن، ومن جهة أخرى مواصلة الحراك لخلق ضجيج فعل. أما الإحساس اليوم في منظومة الأمن فهو انه بسبب الانتخابات تسير الحكومة إلى الوراء، دون أن تأخذ المعاني بالحسبان، بعدنا الطوفان.