نصف مليون في مراكز الاعتقال ..الصين تقمع الأقلية العرقية المسلمة بإقليم شينجيانج

الجمعة 15 فبراير 2019 01:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
نصف مليون في مراكز الاعتقال ..الصين تقمع الأقلية العرقية المسلمة بإقليم شينجيانج



بكين/وكالات/

 تعرضت آلاف الاسر في أقصى غرب الصين، وفي دول مجاورة، للتشتت والانفصال عن بعضها البعض بسبب حملة الصين القمعية التي تستهدف الأقليات العرقية في إقليم شينجيانج الصيني.

وقد اضطرت الظروف العام الماضي، أيبولان باختينور، ذات الـ 13 ربيعا، إلى أن تكبُر قبل الآوان. وبعد أن جرى احتجاز والدة أيبولان في الصين ومصادرة وثائق السفر الخاصة بها، في إطار حملة القمع ضد الأقليات العرقية في شينجيانج، كان على الصبية أداء بعض من المهام التي اعتادت الأم القيام بها. ففي عطلة نهاية الاسبوع، تقوم الفتاة بأعمال غسل الملابس والطبخ والنظافة، ورعاية شقيقيها، ناجيمان (9 أعوام) و أوليجمان (7 أعوام).

أما الأب، باختينور شونيز، فلا يستطيع مغادرة المنزل إلى أي عمل، حيث يتلقى اثنان من الأطفال تعليمهما في فترة ما بعد الظهر، والثالث في الفترة الصباحية. وذات مرة، عندما ترك الأب الصغار بمفردهما، نسي الأطفال غلاية ماء فوق الموقد، واندلع حريق كاد أن يأتي على منزلهم. ولا يزال أوليجمان يحمل ندبة في جبينه من أثر الحريق منذ ذلك اليوم.

وفي مساء بعض الأيام، عندما يحضر الأب أطفاله من المدرسة، يتسلل البرد القارس إلى غرف المنزل، ولا يجد أفراد الأسرة طعاما.

وقالت أيبولان في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، بعد سبعة أشهر من ذهاب أمها إلى الصين لتشييع جنازة أحد أفراد العائلة: "طرأت تغيرات كثيرة على حياتنا الآن... لقد صارت أكثر صعوبة"، فالأم لم تعد.

وكانت الأسرة، التي تنتمي إلى العرقية الكازاخستانية والتي كانت تقطن إقليم شينجيانج، وصلت إلى كازاخستان في عام 2017 في إطار سياسة الترحيل التي تتبناها الصين.

وقد تضرر غيرهم كثيرون، وخاصة أفراد الأقليات المسلمة مثل الويغور والقيرغيز والتتار وغيرهم ممن يتحدثون اللغة التركية، من حملة القمع التي تنفذها الحكومة الصينية في أقصى شمال غرب البلاد، وقد تم وضع ما يقدر بنحو مليون شخص في معسكرات اعتقال سرية.

واحتفلت الصين الاسبوع الماضي ببداية العام القمري، حيث اجتمع شمل الاسر الصينية حول موائد العشاء في دفء وود، في وقت عانت فيه أسر كثير تنتمي إلى إقليم شينجيانج، من تشتت شمل أفرادها في الصين وفي دول مجاورة.

وتبرر الحكومة الصينية سياساتها القمعية بأنها ضرورية لكبح جماح النزعات الإرهابية والانفصالية والتطرف الديني في أعقاب أعمال الشغب العرقية التي وقعت في إقليم شينجيانج عام 2009، وأعمال إرهابية ضربت أماكن أخرى في أنحاء البلاد.

ولكن يبدو أن تداعيات الحملة القمعية، التي أدانتها منظمات حقوقية ودبلوماسيون أجانب والأمم المتحدة، قد أصابت الأقليات العرقية بشكل تعسفي. وقال عشرات الناجين من معسكرات الاعتقال السرية الصينية، وأفراد الأسر، في أحاديث متفرقة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إنه تم اعتقال أحبائهم بسبب أعمال مثل السفر للخارج و ارتداء غطاء الرأس أو استخدام تطبيق "واتساب" على أجهزة المحمول الخاصة بهم، وهو أمر محظور في الصين.

ويقول جيمس ميلوورد، أستاذ التاريخ في جامعة "جورج تاون" الأمريكية إن الحكومة الصينية تحاول "إذابة" الاقليات العرقية عبر تغيير الطريقة التي يفكرون بها، وهي استراتيجية اتبعتها الصين لعقود، ولكن الصدمة التي خلفتها هذه السياسات تتسبب في تشتيت شمل الاسر في المستقبل المنظور.

وتتذكر مينا بارانوفا، وهذا ليس اسمها الحقيقي، ذلك اليوم المشحون بالتوتر عندما حضرت الشرطة إلى قرية زوجها، وهي ذات أغلبية من الويغور، بإقليم شينجيانج. واعتقلت الشرطة فردا من كل عائلة، تقريباً. وقالت بارانوفا، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي: "كانت الشوارع خاوية".

واضطرت بارانوفا إلى العودة إلى موطنها الأصلي في كازاخستان بعدما رفضت السلطات الصينية تمديد تأشيرة الإقامة الخاصة بها. وقد عانت طفلتها الكبرى، التي تبلغ من العمر الآن ست سنوات، من نوبات من البكاء والصراخ لعدة أشهر، حيث كان الأطفال يحاولون التعود على حياة بدون أب. وعمل كثيرون ممن هم الآن معتقلون في المعسكرات موظفين حكومة أو مدرسين لعقود طويلة.

ويقول شابار شاماليولي، إنه يتم إجبار زوجته، وهي معلمة صينية متقاعدة، على تدريس اللغة الصينية داخل معسكرات الاعتقال. كما انقطع الاتصال بين الرجل وبين ابنته، المحاصرة في شينجيانج، والتي تبلغ من العمر 15 عاما. وقال العديد ممن التقتهم "د .ب. أ" إنه طُلِب إليهم دفع تكاليف العلاج بالمستشفيات مقابل علاج ذويهم الذين أصابهم المرض داخل معسكرات الاعتقال. وما يزعج الناس ويصيبهم بالسخط في كثير من الأحيان، هو نقص المعلومات المتاحة عن الغائبين.

واكتشفت هاليدا أكيتخان، التي انتقلت وزوجها إلى كازاخستان قبل سنوات، اختفاء أبنائها الثلاثة وزوجاتهم في معسكرات شينجيانج، غير أنها لا تعلم شيئا عن 14 حفيدا، أعمارهم بين عام و17 عاما، تركوا بمفردهم وبدون من يقوم على رعايتهم. وأجرت هاليدا اتصالا بعمدة القرية للسؤال عن أحفادها.

وتتذكر الجدة ما قاله لها عمدة القرية قبل أن ينهي المكالمة: "لماذا تهتمين بالأمر؟ إنهم جميعاً يدرسون. إنهم جميعا يتلقون الرعاية." وفي خضم سعي هاليدا وزوجها إلى الحصول على أي معلومات بشأن أولادهما وأحفادهما، توفى الجد فجأة وفارق الحياة كمداً وحزناً. ويقول باختينور، والد أيبولان: "لا أستطيع أن أفهم لماذا كل هذه المعاناة... لم نقترف ذنباً، وليس علينا ديوناً، لسنا مدينين بشيئ لحكومة الصين."

وفي شهر كانون أول/ديسمبر الماضي، سُمِحَ لزوجة باختينور بالعودة إلى كازاخستان، فقط بعدما تكفلت أختها وزوج الأخت بضمان عودتها إلى الصين بعد ثلاثة أشهر.

وإذا لم تعد، ربما يحمل الاثنان إلى معسكر الاعتقال، وإذا عادت، فربما تذهب هي. وتواجه الاسرة الآن معضلة ليس من السهل التغلب عليها، ولكن الأطفال الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب خلال أشهر غياب الأم، لا يعرفون سوى شيئ واحد: لا نريد لها أن تعود إلى الصين.