حل المجلس التشريعي بين القانوني و السياسي..محسن ابو رمضان

الإثنين 24 ديسمبر 2018 05:05 م / بتوقيت القدس +2GMT
حل المجلس التشريعي بين القانوني و السياسي..محسن ابو رمضان



بالبداية يجب التأكيد على ان  قرار حل المجلس التشريعي لم يكن مناسباً بما أنه سيعمل على تعقيد الحالة الفلسطينية الداخلية ويقود إلى مزيداً من المعيقات في مسار المصالحة الوطنية ولأنه سينقل حالة الانقسام إلى تنازع داخل بنية المؤسسة بما يشمل التمثيل الأمر الذي سيضعف الحالة الفلسطينية داخلياً وامام المجتمع الدولي في ذات الوقت .

وإذا كان القرار يهدف إلى التحول إلى مؤسسات الدولة بدلاً من مؤسسات السلطة فكان الأجدر حل كل مؤسسات السلطة والتوجه لعقد الانتخابات للمجلس الوطني " برلمان الدولة " إلى جانب تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي بوقف التنسيق الامني وبروتوكول باريس الاقتصادي .

إلا انني أرى ان الجدل حول مسوغات القرار ذات ابعاد سياسية أكثر منها ذات طبيعة قانونية .

حيث يدور جدل كبير بالساحة الفلسطينية بعد قرار الرئيس بتنفيذ القرار الصادر عن المحكمة الدستورية والقاضي بحل المجلس التشريعي .

ويتركز الجدل بصورة رئيسية على المسوغات القانونية تجاه هذا القرار فالبعض يعتبره قانوني وشرعي وصادر عن اعلا محكمة بالبلاد والبعض الآخر يعتبره غير شرعي وغير قانوني ولا قيمة دستورية له .

ويستند الفريقين " فتح وحماس " في تفسيراتهما إلى القانون الاساسي الفلسطيني والذي يعتبر الدستور المؤقت بالرجوع إلى نصوص بعض المواد التي تؤكد صحة وجهة نظر احداهما، إلى جانب الاستناد إلى صلاحيات رئيس اللجنة التنفيذية بوصف المنظمة صاحبة الولاية على السلطة وبما أنها  أي اللجنة التنفيذية حكومة الدولة الفلسطينية التي تم الاعتراف بها عضواً مراقباً بالأمم المتحدة وفق القرار 19/67 للعام 2012 .

تجدر الإشارة هنا إن الخلاف والجدل بالوقت الذي يستند إلى مرجعيات قانونية فإن جذوره سياسية وتحديداً بسبب حالة الانقسام والتنازع على الصلاحيات داخل السلطة الفلسطينية نتيجة لغياب عقد اجتماعي " ميثاق " قادر على ان يشكل قاعدة للتفاهم وإدارة الاختلاف بصورة ديمقراطية وسلمية بعيداً عن آليات الاقصاء او العنف .

المشكلة ان النظام السياسي الفلسطيني الذي تشكل على خلفية توقيع اتفاق اوسلو من خلال تأسيس السلطة الفلسطينية أصبح يستند إلى مرجعيات قانونية خاصة به رغم ان السلطة بكل مكوناتها يفترض ان تكون نتاجاً للمنظمة التي قرر المجلس المركزي في دورته عام 1995 تأسيسها على طريق تحويلها لاحقاً إلى دولة ذات سيادة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية  .

وعليه فقد جرى تداخل بين المنظمة والسلطة وذابت الاولى بالأخيرة والتي تضخمت بصورة كبيرة جداً على حسابها .

جرت تعديلات على القانون الاساسي الفلسطيني عام 2002 ادت إلى استحداث منصب رئيس وزراء يتقاسم بعض الصلاحيات من رئيس السلطة ، وقد كان بالإمكان ضبط ايقاع الخلاف في تلك الفترة لان كل من الرئيس ورئيس الوزراء من ذات الحزب الحاكم " فتح " ، ولكن كان من الصعوبة بمكان القيام بذات العمليات من الضبط للخلافات عندما اصبح رئيس الوزراء من الحزب المنافس كنتيجة لانتخابات عام 2006 ، والتي افرزت فوزراً كاسحاً لحركة حماس داخل المجلس التشريعي ، شكلت على خلفيتها حركة حماس حكومة برئاسة أ. اسماعيل هنية .

استمرت الخلافات بين كل من حركتي فتح وحماس و بدأت من جديد التفسيرات القانونية تجاه تسويغ قرارات احدى الفريقين علماً بان الاختلاف هو بالجوهر سياسي بما انه غير مستند إلى آليات موحدة لإدارة الاختلافات ، والاقرار بمنهجية التداول السلمي للسلطة .

قاد الصراع على السلطة رغم تغليفه بمسوغات ايديولوجية وسياسية إلى احداث الانقسام المؤسفة والتي جرت في حزيران 2007 .

قامت كتلة الاصلاح والتغير دون مشاركة باقي الكتل البرلمانية ودون مصادقة الرئيس بسن العديد من القوانين كما قام الرئيس بسن العديد من القرارات بقانون دون مصادقة المجلس التشريعي ، الأمر الذي ادى إلى تسويغ حالة الانقسام بمرجعيات قانونية تنسجم مع الرؤية السياسية والايديولوجية لدى الفريقين .

تم تفعيل اطر م.ت.ف بعد احداث الانقسام ، حيث عقدت العديد من الاجتماعات لكل من اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وكذلك عقد اجتماعاً للمجلس الوطني في ابريل من العام الحالي ، وبالمقابل قامت كتلة الاصلاح والتغير التابعة لحركة حماس بالتأكيد على التمسك بالمجلس التشريعي ومن خلاله كانت ترفض العديد من القرارات والسياسات الصادرة عن السلطة في رام الله ، ومنها قرار تأسيس المحكمة الدستورية .

ساهم اخفاق جولات المصالحة رغم التوقيع على العديد منها وخاصة اتفاقي القاهرة 2011 – 2017 إلى تعميق ازمة الانقسام وادت إلى آليات من قبل السلطة للضغط على حماس باتجاه ترجمتها ومنها الاجراءات الخاصة بموظفي السلطة والتي ادت إلى الخصم على الراتب بنسبة 50% الأمر الذي عمق من الازمة الاقتصادية والمعيشية وعمق كذلك من تدهور مستوى المعيشة ، كما ساهم انسداد مسار المصالحة إلى قيام حركة حماس بالبحث عن خيارات وبدائل اخرى ابرزها التفاعل ايجابياً مع مبادرات كل من قطر وميلادينوف ادت بالنهاية إلى ادخال اموال لصالح موظفيها في محاولة جادة للبحث عن بدائل عملية للمصالحة التي ما زالت متعثرة .

ونتيجة لتعميق حالة عدم الثقة والاحتقان بين الطرفين فقد قامت كتلة الاصلاح والتغيير بارسال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة " غوتيرس"  "كما تناقلت بعض وسائل الاعلام  " تعتبر به الرئيس محمود عباس غير شرعي ومنتحل لصلاحية الرئيس وبأنه لا يمثل الشعب الفلسطيني مصحوبة بتوقيع العديد من الجمعيات الخيرية التابعة لحركة حماس الأمر الذي ادى إلى اشتعال غضب الرئيس عندما قام بالقاء خطابه أمام الامم المتحدة في سبتمبر من العام الحالي ، كما اعقب ذلك قيام وفد من كتلة الاصلاح والتغير بتنظيم جولة من الزيارات إلى برلمانات بعض البلدان  وذلك باسم المجلس التشريعي بما ساهم في تعميق حالة الغضب من قبل الرئيس وهو ما قد تم تفسيره بأنه تنازع على التمثيل ومحاولة لتقويض شرعية القيادة والمنظمة والرئيس خاصة في ظل محاولات بعض البلدان من تمرير صفقة القرن من خلال بوابة قطاع غزة وباتجاه فصلها عن الضفة ، ومن خلال التشكيك في شرعية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني .

صاحب تشكيل المحكمة الدستورية العديد من التحفظات والملاحظات وقد اعتبرت بأنها أداة سياسية لتمرير قرارات قانونية تصب في صالح القيادة خاصة مع احتمالية تبوء رئيس المجلس التشريعي والذي هو من حركة حماس رئاسة السلطة مؤقتاً عن وجود شاغر لموقع الرئيس، الأمر الذي عمق القلق لدى الرئيس وحركة فتح .

بالاستناد إلى ما سبق فإن آليات الفعل ورد الفعل التي تحكم عقلية الطرفين قادت إلى تعميق الازمة التي يكمن جوهرها بانعدام الثقة بين الفريقين نتيجة عدم توفر عقلية الشراكة وسيادة العقلية الفصائلية والاقصائية ذات الطبيعة الفئوية والشخصية .

إن التسلح بالمادة 47 مكرر من القانون الاساسي والتي تنص بعدم انتهاء صلاحيات المجلس التشريعي لحين تسلم مجلس جديد منتخب تؤدي إلى تقويض جوهر الديمقراطية والقائمة على مبدأ دورية الانتخابات لتعزيز المشاركة وتجديد الشرعيات واعادة انتاج النخب ، ترجمة لمبدأ التداول السلمي للسلطة  .

كما أن التسلح بصلاحيات المنظمة في ظل عدم تحقيق الشراكة بها وتنفيذ اعلان بيروت في يناير /2017 يعتبر مساً لأسس المصالحة والتي ينبغي ان تبنى على الشراكة عبر تفعيل الاطار القيادي المؤقت بها والذي يجب ان يضم الجميع بما في ذلك حركتي حماس والجهاد ، وعبر آليات ديمقراطية وجماعية لصناعة القرار .

لقد بات مطلوباً وقف وتدهور بالعلاقات الوطنية الداخلية من خلال التمسك باتفاقات المصالحة وعدم السماح بتعزيز آليات التفتت والاستنزاف الذاتي الذي لا يخدم مسار العمل الوطني الموحد في مواجهة صفقة ترامب ، والتي لا يمكن مواجهتها دون انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة الشراكة وعبر العمل على دمقرطة اطر وهيئات المنظمة من خلال الانتخابات والمشاركة الشعبية واحترام التعددية وإدارة ثقافة الاختلاف بطريقة حضارية أي عبر الحوار أو صندوق الاقتراع .

وعليه فمن الهام تجاوز النقاش القانوني رغم اهميته والعودة إلى قواعد النقاش السليمة التي تستند إلى الأسس السياسية بما اننا نمر في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي وهذا يتطلب وحدة المؤسسة والبرنامج واشكال النضال على قاعدة وطنية وديمقراطية وبالاستناد إلى اسس الشراكة ، أما الاستمرار بآليات الفعل ورد الفعل فهي افضل وصفة للاحتقان وعدم التقدم وتقويض وحدة المؤسسة والتمثيل .