العاشر من ديسمبر .. هل هناك سبب للاحتفال؟.. يوسف احمد

الإثنين 10 ديسمبر 2018 10:13 م / بتوقيت القدس +2GMT



بشاعة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، هي التجلي الدموي لوحشيةالدولة المعاصرة. تغول الدولة واستهتارها بحقوق الإنسان في تصاعد مستمر ولا يبدوأن هناك ما يشير إلى بلوغه الذروة بعد. فالظروف الدولية الراهنة مرشحة لمنح القتلةغطاءاً, بل شيكاً على بياض لارتكاب المزيد من الموبقات والكبائر بدون محاسبةوتوسع نطاق الإفلات من العقاب. كلمات محمد بن سلمان في معرض رده على توبيخالرئيس الفرنسي ماكرون له, تدلل على ثقة الأول أنه سيفلت من العقاب, حيث قال لهأنه يسيطر على الأمور.

عشية الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان, كاد العالم أن ينسى الإعلانوداست الدول الراعية له على معظم فقراته. هذا الإعلان الذي خرج إلى النور نتيجةلعملية تراكمية ومحطات تاريخية فاصلة, كان أبرزها وأشدها صدمة, الحرب العالميةالثانية. لم يكن الإعلان وثيقة كاملة ولا نصاً مقدساً, فجاء من بعده الإعلان الأوروبيلحقوق الإنسان وتبعه اتفاقيات وعهود دولية أضافت وفصلت في جوانب عديدة. ولكنكان الإعلان العالمي أساسأ متيناً لبناء منظومة دولية لحقوق الإنسان, في ظل توافقدولي نادر على العمل على حمايتها والرفع من شأنها. 

ولكن سرعان ما تحولت هذه المنظومة وخاصة في فترة الحرب الباردة إلى أداةسياسية لتقويض أنظمة اعتبرتها المنظومة الغربية خاصة أنها أنظمة معادية. وباتتمنظومة حقوق الإنسان من أهم الأدوات في دوائر صنع السياسات في دول مااصطلح على تسميتها الديمقراطية الليبرالية للتبشير بعالميتها وتفوقها الأخلاقيوللتدخل في شئون دول أخرى لإخضاعها, تارة بالثواب وتارة بالعقاب. في غمرةنشوة الانتصار بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية, أطلق أكثر منمسؤول غربي تصريحات لا لبس فيها حول دور ومساهمة منظمات حقوق الإنسانفي تسريع انهيار المنظومة الاشتراكية. 

نشأ نظام القطب الواحد المهيمن على مقدرات العالم, وبشرنا أحد كبار منظريه(فوكوياما) بنهاية التاريخ. ظن هذا القطب أن لا حاجة لمنظومة حقوق الإنسان بعدانهيار عدوه الأكبر. أما الأعداء الصغار وأولئك الذين سيصنعهم, فسيتم القضاءعليهم بالقوة وقد تكون منظومة حقوق الإنسان عقبة أمامه, فبدأ بالتنكر لها والتقليلمن شأنها. وهذا ما شهدناه خلال العقدين الأخيرين, بداية من غزو أفغانستانوالعراق وانفلات الهمجية الإسرائيلية والانقلاب على الربيع العربي والتطهير العرقيلمسلمي ميانمار. بالتأكيد” الحرب على الإرهاب“ كانت ولاتزال هي القدم الأثقل وطأةعلى الأنفاس الأخيرة لحقوق الإنسان والمواطنة أيضاً ولربما للديمقراطية الليبراليةنفسها.

تزامن النكوص عن منظومة حقوق الإنسان مع نشوء نظام مصالح غير موارب فيصلافته, أوضحه ترجمةً شعار” أمريكا أولاً“ وبروز تيارات سياسية شعبوية, يكاديصل بعضها حدود الفاشية وبالذات في أوروبا. أوروبا التي بدأت تنقلب على القيمالتي كانت العمود الفقري لنهضتها منذ عصر التنوير. فعادت الأقليات داخل حدودها- مثلاً - بعد أن كانت مدافعاً عن الأقليات خارج حدودها. وسيطرت الدولة البوليسيةعلى معظم مرافق الحياة وانتهكت حقوق مواطنها بالأساس. فلا خصوصية بعد اليوم. فتحت حجة الحرب على الإرهاب ومصالح الشركات الكبرى بات الجميع في قبضةالأخ الأكبر, يراقب الجميع ويجمع البيانات ويحللها, وإن شك في ولاء أحد منهم, أخرجه من منظومة حقوق المواطنة ومن دائرة الإنسانية في كثير من الأحوال. 

هل هناك سبب للاحتفال بالعاشر من ديسمبر؟ ربما هناك أسباب لأن تحتفل بعضمنظمات حقوق الإنسان بالمناسبة لأجل تأكيد موقعها تحت عباءة نفس الدولة, وتعيدإنتاج الوهم بأن الديمقراطية الليبرالية لا زالت تتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان, ولتنتج أبطالاً - أدوات- لإطالة عمر الخديعة, والضحك على المنتهَكة حقوقهم.

يوســــف أحمــــــد

صحفي فلسطيني