ملف إيران النووي بين أوروبا وأميركا...محمد ياغي

الجمعة 07 ديسمبر 2018 03:07 م / بتوقيت القدس +2GMT



عندما غادر الرئيس الأميركي السابق، أوباما، البيت الأبيض، شعر الجميع بالراحة في دول الخليج العربي. لم يكن ذلك بسبب تصريحاته لمجلة «ذا أتلانتك» الأميركية التي قال فيها بأن دول الخليج تنتظر من الآخرين أن يقوموا بما عليها هي القيام به مثل الدفاع عن أمنها، ولكن بسبب موقف إدارة أوباما من الملف النووي الإيراني ومن الأزمة السورية، والأخيرة مرتبطة عضوياً بالأولى.
في عهد أوباما لم تختلف أوروبا مع أميركا في تقييم السياسة الإيرانية في منطقة الشرق. كلا الطرفين اعتبرا إيران عاملاً مزعزعاً لاستقرار الشرق الأوسط ولأمن إسرائيل. وكلا القارتين كانت ترى أن النفوذ الإيراني في لبنان وسورية والعراق واليمن أفقد هذه الدول استقلالها السياسي، وساهم في استمرار الحرب الدائرة في سورية واليمن على مدار سنوات. وكلاهما يعتبر تطوير إيران صواريخها الباليستية تهديداً ليس فقط لبلدان الخليج وإسرائيل، ولكن أيضاً لأوروبا، وكلاهما اتفقا على ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
كلاهما أيضاً اعتبرا أن أي معادلة لأمن منطقة الخليج لا يمكن استثناء ايران منها. جاء ذلك صراحةً على لسان أوباما الذي قال في المقابلة الصحافية المذكورة أعلاه، بأن على ايران والعربية السعودية التفاهم على طريقة للعيش المشترك في منطقة الشرق الاوسط.   
لكن هذا التفاهم بين القارتين على الخطر القادم من إيران وعلى طريقة التعامل معه والذي بدأ بحصار اقتصادي على إيران وانتهى بتوقيع اتفاق على برنامجها النووي يمنعها من تطوير اسلحة دمار شامل لمدة خمسة عشر عاماً، ويسمح لوكالة الطاقة الذرية بمراقبتها على مدار24 ساعة في اليوم، انتهى بوصول ترامب للبيت الابيض. 
أوروبا اليوم تختلف مع أميركا في تعاطيها مع الملف النووي الإيراني. أوروبا تعتقد، ومعها روسيا والصين، أن هذا الاتفاق هو الضامن الأساسي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وهي أيضا ترفض ما ذهب اليه ترامب من مطالبة بربط برنامج ايران النووي بملفها الصاروخي او بملف تدخلاتها الإقليمية. 
أوروبا ما زالت ترى أن ملف ايران النووي يجب أن يحظى بالأولوية لأنه يمثل التهديد الأكبر على بلدان الخليج العربي وإسرائيل وعلى أوروبا نفسها. وهي تعول في ذلك على الاتفاق النووي، الذي تعتقد أنه ساهم في تعطيل برنامج ايران النووي لمدة طويلة نسبياً. وتقدر اوروبا، أن البديل للاتفاق النووي هو العقوبات الاقتصادية أو الحرب. 
من التجربة الاوروبية، أثبتت العقوبات الاقتصادية عدم جدواها في ضوء نجاح إيران في تطوير برنامجها النووي على الرغم من وجود عقوبات أممية وأميركية عليها منذ الثورة الاسلامية فيها العام 1979. كما أن هذه العقوبات، في تقدير أوروبا، ساهمت في توحد الشعب الإيراني خلف نظامه الحاكم. فقط خلال الفترة المحدودة التي رفعت فيها العقوبات عن إيران بعد توقع الاتفاق النووي جرت هنالك احتجاجات شعبية واسعة في ذلك البلد على قضايا تتعلق بالفساد. 
أما خيار الحرب، فإن أوروبا ترفضه، نظراً لكلفته العالية عليها وعلى المنطقة نفسها، إذ تخشى أوروبا أن أي حرب مع إيران ستشمل الدول العربية التي تتمتع إيران بنفوذ فيها، بما في ذلك لبنان وسورية والعراق واليمن، فضلاً عن دول الخليج العربية. وإذا كانت الأزمة السورية  تسببت في تدفق ملايين اللاجئين إلى أوروبا، فإن أي حرب شاملة مع إيران، سوف تترتب عليها تداعيات كارثية، سواء فيما يتعلق بتدفق اللاجئين، أو بإعطاء دفعة لنشاط التنظيمات الإرهابية.
على عكس أوروبا التي لديها ما تخشاه في حالة الحرب مع إيران (لاجئون وارهاب، وانهيار للاقتصاد الأوروبي بسبب أزمة النفط التي ستنتج عن الحرب والتي ستكون خانقة بالنسبة لها)، أميركا ليست عرضة لآثار الحرب هذه (اليوم أميركا لديها اكتفاء من النفط، وهي محاطة ببحار تحميها من اللاجئين غير القادمين من المكسيك ومن الارهاب الذي قد يصلها)، وهي بالتالي أكثر جرأه واستعداداً وربما رغبة في مواجهة عسكرية مع إيران. 
ما يمنع أميركا من محاربة ايران، هو الخوف من أن أي حرب قد تتسبب في تدمير جميع قواعدها العسكرية في الخليج العربي وربما أيضاً خوفاً على إسرائيل، لكن بالتأكيد ليس على دول الخليج التي لا تنظر اليها إدارة ترامب إلا كخزنة مالية يجب تفريغها وتحويلها لأميركا. 
ولأن أوروبا أحد أكبر الخاسرين في حرب مع إيران، فإنها ملتزمة بالاتفاق النووي وهي تعتقد بأن خروج الرئيس ترامب منه كان قراراً خاطئاً. وتأمل أوروبا بأن يصمد الاتفاق إذا ما تمكنت هي والدول الأخرى الموقعة عليه الاستمرار في تنفيذ التزاماتها الواردة فيه. ولذلك فإن أوروبا، وبالاتفاق مع روسيا والصين، شكلت نظاماً مالياً خاصاً يمكنها من التجارة مع إيران، وتجنب العقوبات الأميركية في نفس الوقت.
أما في ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية، فإن الرغبة الأوروبية في فرض قيود على إيران في هذا المجال، قد أضعفها خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. إيران اليوم تقول إذا لم تحترم اميركا اتفاقاً وقعت عليه إدارة أميركية سابقة وتم اعتماده من قبل مجلس الأمن، فكيف يمكنها أن تثق في عقد اتفاق على برنامجها الصاروخي الذي تدعي بأنه دفاعي. 
الحقيقة أن وزير الخارجية الإيراني كان قد أشار الى استحالة قبول إيران بنقاش وضع قيود على صواريخها الباليستية قائلاً: في الحرب مع العراق تم تدمير مدننا وقرانا بالصواريخ ولم نمتلك شيئاً ندافع به عن أنفسنا، ورفضت كل الدول مساعدتنا في حماية أنفسنا بتزويدنا صواريخ مضادة رادعة رغم توسلنا وحتى بكائنا للحصول عليها.
هذا لا يعني بأن أميركا ترامب وأوروبا مختلفان فيما يتعلق بالتدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة. أوروبا تعمل على إضعاف نفوذ طهران في المنطقة ربما أكثر من أميركا كما في مطالبتها برحيل نظام الأسد من الحكم. أما في اليمن، فإن بريطانيا وفرنسا لا يزالان مع الولايات المتحدة يوفران السلاح والمعلومات وحتى تزويد طائرات التحالف العربي بالوقود الذي تحتاجه أثناء قصفها لمواقع الحوثيين في اليمن.