ما الذي وراء دعوة غرينبلات للتطبيع وتحريضه ضد القيادة ..زياد ابو زياد

الأحد 02 ديسمبر 2018 07:24 م / بتوقيت القدس +2GMT



إن مناهضة التطبيع سياسة فاشلة لا تضر إلا بالفلسطينيين"..استوقفتني هذه العبارة وأنا أقرا المقال الذي كتبه جيسون جرينبلات مساعد الرئيس الأمريكي والممثل الخاص للمفاوضات الدولية الذي نشره في صحيفة 

"القدس" أمس الأول ، والذي يشكل استمرارا للسياسة الأمريكية الواهمة التي تعتقد بأن بإمكانها ان تحرض الشعب الفلسطيني ضد قيادته من خلال اللعب على وتر الحاجة الإقتصادية.

فالمقال يبدأ ويكرر القول بأن الشعب الفلسطيني يستحق الأفضل من قيادته ، ويتهم القيادة الفلسطينية بأنها ضد تحقيق الرفاه والإزدهار للفلسطينيين خشية أن ينسيهم ذلك اهتمامهم بالقضية السياسية !.. ويتحدث عن إمكانية خلق مئات فرص العمل للشباب الفلسطيني للعمل في إسرائيل وخاصة في مجال الحوسبة والبرمجة ويوحي بأن القيادة الفلسطينية هي التي تحول دون تحقيق ذلك للمواطن الفلسطيني العادي ، ويدعو الى الإنخراط في سوق العمل والإقتصاد الإسرائيلي بمعزل عن الجانب السياسي منوها ً بأنه إذا ما جرت مفاوضات سواء نجحت أم لم تنجح فإن الإزدهار الاقتصادي الفلسطيني سيستمر وسيكون في صالح الشعب الفلسطيني.

وفي الحقيقة فإن المقال يعكس المأزق الذي تعيشه الدبلوماسية الأمريكية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني ، هذا المأزق الذي يتجلى في الرفض الفلسطيني المطلق والمسبق للطبخة التي تقوم إدارة ترمب بإعدادها وتخيلت بسبب غرورها وعنجهيتها أن بإمكانها فرض هذه الصفقة على الشعب الفلسطيني مستمدة التشجيع من رضوخ بعض الأنظمة العربية للإدارة الأمريكية واستعدادها للركوع أمامها وتلبية كل طلباتها. ونسيت هذه الإدارة بأن قوة الشعب الفلسطيني تكمن في ضعفه وفي حقيقة أنه لم يبق أمامه الكثير ليخسره وأن قول لا للإدارة الأمريكية المنحازة انحيازا ً أعمى لإسرائيل سيكون السد المانع والصخرة التي سيتحطم عليها المشروع الأمريكي الذي تم إعداده من الشيف المستوطن فريدمان وبالتشاور المستمر والمتواصل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يقول الأمريكيون صراحة بأنهم يتشاورون معه بشأن كل كبيرة وصغيرة في المشروع التصفوي الذي يقومون بإعداده وأنهم سيقبلون ما يقبل به نتنياهو ويشطبون ما لا يقبله ، ثم يدعون بأنهم يقومون بإعداد مشروع سلام ! فالقيادة الفلسطينية لم ترفض الصفقة الأمريكية من فراغ وإنما لأن كل المؤشرات والمقدمات والقرارات التي سبقتها وفي مقدمتها نقل السفارة للقدس والإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإزاحة القدس عن مائدة المفاوضات ، كلها كانت كافية لإقناع القيادة الفلسطينية بإجحاف هذه الصفقة بالحقوق الفلسطينية وحتمية رفضها قبل أن تولد.

وعلى أية حال فإن هذه هي بعض النقاط الرئيسية التي وردت في المقال الذي لم أقصد هنا الرد عليه ولكنني وددت أن أشير بأن جوهر المقال هو الدعوة للتطبيع مع الإحتلال من خلال الإنخراط في العمل والتعامل والتعايش معه ، وتحريض الشعب الفلسطيني ضد قيادته واستغلال ضائقته الإقتصادية للتلويح أمامه بإمكانية تحقيق مئات أو آلاف فرص العمل للشباب الفلسطيني في إسرائيل وإيهامه بسراب الإزدهار الإقتصادي والرخاء ودعوته الى الإنفتاح على إسرائيل والإندماج في سوق العمل الإسرائيلي على كافة المستويات بما في ذلك خريجي الجامعات ، وليس مستوى العمل اليدوي فقط لتحسين وضعهم الإقتصادي. واعلن جرينبلات صراحة في نهاية مقاله بأنه لا بد من تطبيع في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين قائلا ً بأن مناهضة التطبيع هي سياسة فاشلة.

وعلى صعيد آخر ، فإنني لا أستطيع أن أعرف ما إذا كان جرينبلات يمارس الكذب أو أن أحدا ً نجح في أن يُدخل الى رأسه الكذبة الكبيرة التي رددها في بداية مقاله حين قال بأن القيادة الفلسطينية لا تريد تحقيق الرخاء والإزدهار الإقتصادي لشعبها خشية أن ينسوا الجانب السياسي.

فالحقيقة هي أن إسرائيل هي التي تقوم بمحاصرة الشعب الفلسطيني وفرض الإغلاق والحصار عليه وسرقة ثرواته الطبيعية وخلق أجواء من انعدام الإستقرار والأمن الاجتماعي والمصرفي مما شكل رادعا ً للمستثمرين العرب والأجانب بل وبعض الفلسطينيين من القدوم برؤوس أموالهم لاستثمارها في الأراضي الفلسطينية رغم المحاولات الجادة والمستمرة من قبل القيادة الفلسطينية لإقناع المستثمرين للقدوم والإستثمار في الأراضي الفلسطينية ودعوة العرب والمسلمين للقدوم الى فلسطين حتى لو كان ذلك عبر المراكز الحدودية التي تسيطر عليها سلطات الإحتلال. فقد رفعت القيادة الفلسطينية الشعار المعروف الذي قاله الشهيد الراحل فيصل الحسيني بأن " زيارة السجين لا تُشكل تطبيعا ً مع السجان ".

ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها مسؤول أمريكي تحريض الشعب الفلسطيني ضد قيادته فقد سبق أن رددها جيرد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ترمب ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط في مقابلة أجرتها معه صحيفة " القدس" في الرابع والعشرين من حزيران الماضي ولكن دون جدوى.

إن من الواضح تماما ً ان الإدارة الأمريكية تتغذى على آلة غسل الدماغ الضخمة التي تملكها وتديرها إسرائيل وأنها تتعامل مع كل الترهات والأكاذيب الإعلامية النمطية التي تتبناها الدعاية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته على أساس أنها حقائق. وإذا ظلت هذه الإدارة تقتات على الدعاية والأضاليل الإسرائيلية فإنها لن تستطيع في أي يوم من الأيام الفوز بلقب الوسيط الحيادي النزيه ولن تتمكن من أن يكون لها أي دور لتحقيق أي تقدم نحو إنهاء الإحتلال الإسرائيلي كمدخل لتحقيق تسوية سياسية بين إسرائيل والشعب الفلسطيني تضمن لهذا الشعب ممارسة حقه في تقرير مصيره على أرضه وإقامة دولته المستقلة والعيش بحرية وكرامة مثل باقي شعوب العالم ، وتضمن لإسرائيل الأمن والإستقرار والسلام ، لأنه إن لم تتحقق هذه الأمور للشعب الفلسطيني فلن تتحقق للإسرائيليين.

abuzayyadz@gmail.com