ضبابية المشهد الإسرائيلي وموجبات الحذر

الجمعة 30 نوفمبر 2018 01:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
ضبابية المشهد الإسرائيلي وموجبات الحذر



غزة/تحليل اطلس للدراسات/

منذ استقالة ليبرمان من الحكومة على خلفية التصعيد الأخير، وبسبب ما وصفه بـ "إذعان الحكومة للإرهاب"؛ وحكومة الاحتلال والمشهد الإسرائيلي كله يعيش حالة من التعقيد والشحن والكثير من عدم الوضوح، والسؤال الأبرز هو "إلى أين سيذهب بنا نتنياهو؟ إلى انتخابات تناسب مصالحه أم إلى تسوية مع القطاع؟ أم إلى تصعيد أمني؟ وعلى أية جبهة يمكن أن يكون هذا التصعيد؟ أم إلى اختراقات إقليمية جديدة؟ أم إلى أكثر من توجهٍ من هذه التوجهات سوية، فبعضها قد يكمل الآخر ولا يتناقض معه؟".

الكثير من الضباب يخفي الحراك الحقيقي، حيث يتداخل الأمني مع الحزبي الداخلي، أجواء انتخابية من جهة، وتوتر أمني يتزايد من جهة ثانية، وتوصيات في ملف التحقيقات من جهة ثالثة، وتطورات كبيرة على ساحة إسرائيل الإقليمية والدولية من جهة رابعة، ومشاريع قوانين مجدولة زمنيًا، تكاد تعصف بما تبقى من الائتلاف من جهة خامسة، مثل "قانون ساعر" وقانون التجنيد.

لكن من بين كل ذلك، تبقى الأولوية للصراع على جبهة القطاع، فهو الصراع والقضية الأكثر تفجرًا وحساسية، وما زالت حكومة نتنياهو لم تحسم موقفها منه تمامًا، أو بشكل أكثر دقة لم تصل إلى اتفاق نهائي ينظم العلاقة مع القطاع وينهي حالة التوتر، فبرغم كل ما قيل من تفاهمات توصل إليها الوسطاء؛ عمليًا لا زالت الأمور على حالها، فلا زالت قابلة للانفجار كما يقول ميلادينوف، كما لا زالت أيضًا قابلة للاحتواء عبر تسويات مؤقتة تخفف من التوتر وتفتح المجال أمام تزايد فرص الانفراج.

ضبابية المشهد وارتباطه بالكثير من عوامل التوتر الداخلي والخارجي، واستنادًا إلى حالة عدم الرضى الشعبوية الإسرائيلية عن نتائج جولة التصعيد الأخيرة على المستوى الشعبي والسياسي، وخطاب نتنياهو في مقر وزارة الدفاع أثناء تسلمه لمهام منصب وزير الأمن خلفًا لليبرمان، وما حمله من تحذير وتهديد ووعيد؛ كل ذلك خلق حالة من الشعور بالحذر وعدم الارتياح، سواء لدى الفلسطينيين أو لدى الإسرائيليين، وفي ظل غياب المعلومات يظل التحوط بالكثير من الحذر هو الخيار الأصوب دائمًا. يُضاف لذلك نشر أخبار تزيد من موجبات الحذر، لها علاقة برئيس هيئة الأركان غادي ايزنكوت الذي تشارف ولايته على الانتهاء، وكان سيخلفه في المنصب - كما هو مقرر في الأول من يناير المقبل - الجنرال أفيف كوخافي، حيث طلب تمديد ولايته لأسبوعين، وألغى زيارة هامة إلى ألمانيا كان مخططًا لها مسبقًا، وكان سيلتقي خلالها بقيادة المنظومة الأمنية الألمانية، مكتب ايزنكوت برر إلغاء الزيارة أو تأجيلها بازدحام جدول أعماله، وبرر تمديد ولايته لأسبوعين بمتطلبات وإجراءات التسليم والاستلام لرئيس الأركان الجديد، وهي أسباب ومبررات قد تبدو منطقية تمامًا، حيث انه ربما بسبب التصعيد الأخير واستقالة ليبرمان وتأخر الحكومة في المصادقة على تعيين رئيس الأركان الجديد، قد حدث تأخير زمني ألزم ايزنكوت بإلغاء زيارته وطلب تمديد ولايته، لكن الأمر في حالتنا، وفي ظل هذه الحالة الضبابية والكثير من الهواجس والشك والريبة؛ يصبح سببًا آخر لمزيد من الشك بنوايا الاحتلال، وهي نوايا ليست بالضرورة أن تستهدف جبهة القطاع، لا سيما في ظل الحديث المعلن عن أولويات جبهة الشمال.

عامل آخر يمكن إضافته ولابدّ من أخذه بعين الاعتبار، له علاقة بالقوة الخاصة الإسرائيلية التي عملت في القطاع، والسؤال: هل خرج جميع أفراد هذه القوة أم أن بعضهم لا زال عالقًا في القطاع؟، هذا مجرد تساؤل من باب التحوط للمحتمل نظريًا، رغم أننا نعتقد بأن وزير الأمن ليبرمان ما كان ربما سيقدم استقالته في حال أن بعض أفراد القوة - التي يُفترض أنه كان واحدًا ممّن صادقوا على مهمتها - لا زال عالقا في القطاع.

شركاء نتنياهو الرئيسيين في الائتلاف، كل من بينيت وكحلون اللذيْن اضطرهما نتنياهو للبقاء في الائتلاف رغم أنفهما، ورغم معرفتهما بأن نتنياهو - الذي تذرع بالمسؤوليات الأمنية الكبيرة والتحديات الهامة للإبقاء على ائتلافه - أراد التلاعب بهما لخدمة أجندته الحزبية ولخدمة توقيت انتخابي ملائم له، يدركون تمامًا ان الانتخابات أمر لا مفر منه، فإن لم تحدث في مارس القادم فإن موعدها المحتمل الآخر هو في نهاية مايو القادم، وهو الموعد الأكثر مناسبة لنتنياهو بحسب الكثير من المراقبين، لكنهم مضطرون لمجاراة لعبة نتنياهو خوفًا من تحمل مسؤولية أن يحملهم نتنياهو مسؤولية إسقاط حكومة اليمين.

ومع ذلك، يعرف نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف أن ثمة متغيرات لا يمكن التحكم بها بشكل كامل، لا سيما في ظل حكومة لا تثق بقدرتها على تمرير أي من القوانين ولا تثق بقدرتها على الصمود أمام مشاريع حجب الثقة عنها، وأولها مشروع قانون الخدمة في قوى الأمن، الذي طالبت الحكومة من محكمة العدل العليا أن تؤجل الموعد النهائي لسن القانون لأربعة أشهر لاحقة، رغم ان ذات المحكمة استجابت أكثر من مرة لطلبات الحكومة بتأجيل سن القانون. ويأمل نتنياهو من التأجيل الوصول إلى إجازة الكنيست في الربيع، لكن ثمة احتمال ألا تستجيب المحكمة لطلب الحكومة أو ان تمنح الحكومة فترة تأجيل قصيرة من عدة أسابيع.

الخلاصة: المشهد الإسرائيلية بكليته يعاني من حالة من السيولة العالية، ومنفتح على احتمالات كثيرة من انتخابات مبكرة واختراقات كبيرة على الساحة الإقليمية وتصعيد أمني أو تقدم مسار التسوية الميدانية على جبهة القطاع والتصعيد في ساحة الضفة، والتصعيد في ساحة الضفة يظل احتمالًا قائمًا دومًا نظرًا لشعبيته وقلة كلفته ولارتباطه بالمصالح الأيديولوجية لليمين الصهيوني الحاكم.