هارتس تتحدث عن الانتصار الاعلامي لحماس وتورط بن سلمان وانهيار إستراتيجية نتنياهو

الجمعة 23 نوفمبر 2018 11:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هارتس تتحدث عن الانتصار الاعلامي لحماس وتورط بن سلمان وانهيار إستراتيجية نتنياهو



واشنطن/وكالات/

الانتصار الإعلامي لحركة حماس هز من صورة نتنياهو كرجل يحقق الأمن ويثير ذعر أعداء إسرائيل. إسقاط الطائرة الروسية في أجواء سورية قلص حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي، وألقى بظلاله على العلاقات الممتازة التي طورها نتنياهو مع فلاديمير بوتين. الأزمة التي وقع فيها بن سلمان في أعقاب جريمة القتل في إسطنبول لم تنته بعد، وفي أسوأ الحالات سوف تفكك الجبهة في مواجهة إيران، والتي عمل على بلورتها نتنياهو وترامب، كما تضرب مساعيه لتعميق العلاقات مع دول عربية معتدلة، رغم جمود العملية السياسية مع الفلسطينيين"

كان لا بد أن تتأثر إستراتيجية رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في المنطقة، وحتى في الولايات المتحدة، بقضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول، والدلائل المتزايدة حول تورط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المباشر في الجريمة.

ولذلك، يتضح أن تورط بن سلمان في الجريمة، يمس بمساعي نتنياهو في تشكيل جبهة في مواجهة إيران، كما يمس بمساعيه لتطوير علاقات إسرائيل مع دول عربية "معتدلة"، ويضعه مجددا أمام تبعات تأزيم العلاقات مع الحزب الديمقراطي الأميركي نظرا لوقوفه الكلي خلف الرئيس الأميركي.

تناول مراسل مراسل صحيفة "هآرتس" في نيويورك، ومحللها للشؤون الأميركية، حيمي شاليف، اليوم الجمعة، التورط السعودي في مقتل الخاشقجي، وتبعات ذلك على إستراتيجية نتنياهو، بحكم اطلاعه على خبايا العلاقات الإسرائيلية السعودية، والنشاط الإسرائيلي في الولايات المتحدة في هذا الشأن.

لنتنياهو مصلحة في الدفاع عن بن سلمان

أشار بداية إلى أن وحدة "كيدون" في الموساد، المسؤولة عن عمليات الاغتيال، تتابع الأزمة التي تحيط بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في أعقاب قتل الصحفي جماس خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وأشار إلى أنه إلى جانب نجاحات كبيرة للموساد، والتي لم ينشر عن بعضها بعد، إلا أن عناصر الوحدة واجهوا الفشل المدوي في عدة مرات، بينها اغتيال النادل المغربي أحمد بوشيخي في ليلهامر، والمحاولة الفاشلة لاغتيال خالد مشعل في الأردن، والتوثيق المصور لاغتيال محمود المبحوح في دبي. وبالنتيجة فقد دفعت إسرائيل ثمنا لذلك، ولكن دون أن يتشكل أي خطر على مكانتها الدولية أو على بقاء قادتها في مناصبهم.

وكتب أيضا أنه "من الناحية المهنية، فإن اغتيال خاشقجي تميز بالوحشية، وبالغباء أيضا". فقد نفذ في داخل منشأة دبلوماسية من النوع الذي يبقى دائما تحت متابعة الدولة المستضيفة، الأمر الذي يقلص بشكل كبير من قدرة السعودية على التنصل من المسؤولية. وبدلا من الحفاظ على حق التزام الصمت، فإن "عباقرة المملكة" زادو الطين بلة من خلال عمليات إنكار غير معقولة وتم تفنيدها، واعتبرت بمثابة اعتراف بالتهمة.

وتابع أن الغضب الموجه الآن ضد السعودية، وخاصة في الولايات المتحدة، يخلق سقفا جديدا وخطيرا لوحدة "كيدون" ومثيلاتها في الأجهزة الاستخبارية في العالم. فـ"فريق الاغتيال السعودي عمل بسذاجة رهيبة، وخرق القواعد الأساسية للبروتوكول الدبلوماسي، وخلافا لإسرائيل، لم يقتل عدوا أجنبيا، بل مواطنا سعوديا. وبالنتيجة، وفي حال تورطت إسرائيل في عملية اغتيال، ناجحة أم فاشلة، فإن خصومها سوف يعتمدون على السابقة السعودية للمطالبة بعقوبة مماثلة وملائمة".

ويشير إلى أن نتنياهو راكم تجرية ليست صغيرة في "تقليص أضرار عمليات الاغتيال التي تعقدت"، مثل قضية خالد مشعل التي فرضت عليه إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين خلال ولايته الأولى كرئيس حكومة، إضافة إلى التورط في اغتيال القيادي في حرك حماس، محمود المبحوح، والذي كشف أمام العالم طرق عمل وحدة "كيدون"، في بداية ولاية نتنياهو الثانية.

ويضيف أن نتنياهو يدرك أن بن سلمان سوف يضطر لدفع ثمن معين، وأن التهديدات التي يواجهها الأخير لا تشكل خطرا على الإستراتيجية الشرق أوسطية لنتنياهو، فحسب، وإنما يوجد لنتنياهو "مصلحة مهنية وقومية، وحتى شخصية، في الدفاع عنه، وليس من وراء الكواليس".

ويتابع أن "هذا التهديد الإستراتيجي، الذي سيسفر عن أبعاد سياسية، لم يحشر نتنياهو في الزاوية فحسب، أمام ناظري العالم، بل دفعه مع مبعوثيه، وعلى رأسهم السفير رون ديرمر، إلى العمل بلا كلل، في الأسابيع الأخيرة، بشكل مباشر وعن طريق مبعوثين، من أجل مساندة ترامب، ومنع إدارته، بحسب ديرمر، من "سكب ماء حوض الاستحمام مع الأمير"، حيث زودت إسرائيل ترامب بسترة واقية لتحمية من ناقديه الكثيرين، الديمقراطيين والجمهوريين، الذين يطالبون بسياسة صارمة، بما في ذلك معاقبة بن سلمان شخصيا".

"كل عاقل يدرك أن خاشقجي قتل بأمر من بن سلمان"

وكتب محلل الصحيفة للشؤون الأميركية أن نتنياهو وترامب يأملان بأن يؤدي إلى إغلاق القضية التصريح غير العادي الذين يشرح فيه الرئيس، بلغته الفظة والصبيانية،  أسباب عدم الرد على قتل خاشقجي، حيث أن السعودية حليفة إستراتيجية مهمة للولايات المتحدة: و"إذا كان تورط مواطنيها في هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 لم يشوش العلاقات بين الطرفين، فإن قتل صحفي معروف بتأييده للإخوان المسلمين يجب أن لا يخرب هذه العلاقات. وحتى لو لم يكن لترامب مصالح اقتصادية شخصية في السعودية، والتي تفاخر بها في السابق، فلا شك أن العلاقات التي أقامها مع السعودية، بما في ذلك صفقة الأسلحة بقيمة نصف تريليون دولار، والتي وقعها خلال زيارته للسعودية العام الماضي، هي أحد النماذج على نجاح سياسته".

ولفت المحلل إلى تصريح ترامب أن "العالم هو مكان خطير جدا"، في بداية تصريحه، وكأنه موجه لمن يعتقد خلاف ذلك. وكتب أن "كل عاقل يدرك أن قتل خاشقجي ما كان لينفذ بدون مصادقة بن سلمان. كما يؤكد ذلك تقرير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي تسرب إلى وسائل الإعلام، ولكن ترامب لم يقتنع".

ولم يتردد ترامب في توظيف إسرائيل للدفاع عن موقفه، فقال إن "إسرائيل كانت ستقع في مشكلة كبيرة  لولا السعودية". وكان من اللافت أنه استخدم اسم إسرائيل مرتين: مرة في سياق التأكيد على دور السعودية في الحرب الأميركية ضد إيران، ومرة ثانية للإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستحافظ على علاقات وثيقة مع السعودية من أجل ضمان مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وباقي شركائها في المنطقة.

وبحسب شاليف، فإن لجوء ترامب لتوظيف اسم إسرائيل في "القرار الذي لا يحظى بشعبية" ليست صدفة، فهو يأمل أن يجند مؤيديه الإنجيليين للعمل على تخفيف انتقادات السناتورات الجمهوريين، وعلى رأسهم ليندزي غراهام.

وفي المقابل، يشير إلى أن الكاتب جاكسون ديهل كتب في "واشنطن بوست" أن "جمهوريين وديمقراطيين كثيرين يشمئزون من زعيم إسرائيلي يحاول إعفاء دكتاتور عربي من المسؤولية عن القتل". وأشار الكاتب في هذا السياق إلى الحماية الفعالية التي وفرها ديرمر ونفتالي بينيت لترامب في أعقاب القتل الذي نفذ في كنيست بتسبورع، مضيفا أن تبريرات نتنياهو ومبعوثيه قد تلقى آذانا صاغية من قبل الإسرائيليين والمؤيدين من اليمين الأميركي، ولكن أداءهم في القضية السعودية، والقتل في بتسبورغ ستنضاف إلى لائحة الاتهام الخطيرة والطويلة ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي يعتبر تأييده للرئيس الأميركي، المكروه أكثر من غيره، قد خرجت عن الحدود الضرورية والمعقولة".

الديمقراطيون لن يغفروا لنتنياهو

وتابع أن إسرائيل باتت حذرة جدا في علاقاتها مع الديمقراطيين، خاصة بعد أن أعادتهم سيطرتهم على مجلس النواب إلى مركز القوة في واشنطن. ورغم أنه لا يزال بإمكان إسرائيل الاعتماد على الحرس القديم في الحزب، إلا أن نانسي بيلوسي، التي تعتبر المرشحة المحتملة لقيادة الحزب، لم تغفر لنتنياهو خطابه في الكونغرس ضد الاتفاق النووي، علاوة على أن الدعم التقليدي لإسرائيل، الذي يقوم على المحرقة والاستقلال وحرب 67، قد بات من الماضي، وأصبحت إسرائيل بالنسبة لكثيرين منهم دولة محتلة تتجه تدريجيا، وبشكل ثابت، نحو القومية الإثنية المقيتة، وفي المقابل، فإن يهود الولايات المتحدة، الذين صوت نحو 80% منهم، في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر لصالح الحزب الديمقراطي الديمقراطيين، لن يغفروا لنتنياهو "خطيئة" وقوفه الكلي خلف ترامب.

ويضيف أن جاهزية نتنياهو لحماية بن سلمان تشذ عن التوجه الإسرائيلي التقليدي الذي فضل أن يكون دور إسرائيل في تحريك السياسة الخارجية الأميركية أكثر تواضعا، وخاصة في الحالات التي يمكن أن تتدهور فيها الأوضاع إلى مواجهات عسكرية وضحايا. وفي هذه الحالة، وفي حالت تعقدت الأمور في السعودية، فإن اسم إسرائيل ونتنياهو سيكون بارزا.

"بن سلمان موكل بدور رئيسي في خفض آمال الفلسطينيين"

ويضيف أنه لحسن حظ نتنياهو، فإن علاقات إسرائيل مع السعودية ومكانتها المستقبلية في الولايات المتحدة ليست محسوسة الآن في الرأي العام الإسرائيلي. ورغم أن قرار نتنياهو الامتناع عن الرد على الهجوم الصاروخي لحركة حماس قد أثار غضبا عاما في وسط الجمهور، ونال من مكانته في وسط مصوتي اليمين، ولكن الصورة الأوسع والأخطر بكثير، ,تشير إلى خطر انهيار شامل لسياسته.

ويخلص إلى أن الأدلة على ذلك قاطعة: "الانتصار الإعلامي لحركة حماس هز من صورة نتنياهو كرجل يحقق الأمن ويثير ذعر أعداء إسرائيل. إسقاط الطائرة الروسية في أجواء سورية قلص حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي، وألقى بظلاله على العلاقات الممتازة التي طورها نتنياهو مع فلاديمير بوتين. الأزمة التي وقع فيها بن سلمان في أعقاب جريمة القتل في إسطنبول لم تنته بعد، وفي أسوأ الحالات سوف تفكك الجبهة في مواجهة إيران، والتي عمل على بلورتها نتنياهو وترامب، كما تضرب مساعيه لتعميق العلاقات مع دول عربية معتدلة، رغم جمود العملية السياسية مع الفلسطينيين".

ويشير شاليف إلى أن بن سلمان كان "موكلا بدور رئيسي في خفض آمال الفلسطينيين تمهيدا لنشر خطة السلام الأميركية، التي يطلق عليها صفقة القرن". وأن كثيرين يعتقدون أن جاهزية ترامب للوقوف إلى جانب بن سلمان سوف تعمق التزام الأخير بدعم الخطة (صفقة القرن)، رغم أنه من المحتمل أنه في وضعه الحالي المهتز فإنه سيتردد في الوقوف خلف الخطة الأميركية التي سوف تثير غضب الفلسطينيين والعالم العربي، بما في ذلك شوارع مكة والرياض.

كما يضيف أن نتنياهو لن يأسف إذا أقنعت حالة عدم الاستقرار في السعودية الإدارة الأميركية بتأجيل نشر صفقة القرن، حيث تبين له خلال الأزمة الائتلافية أنه سيكون أول من يتضرر من "صديقه" في البيت الأبيض، فأي خطة سينشرها الرئيس، حتى لو بدت منحازة لإسرائيل، فإنها ستنطوي على "تنازلات" عن مناطق، بما في ذلك القدس، وسيرفضها اليمين الإسرائيلي وتبعد الناخبين عنه، ما يعني أن "صديق نتنياهو" في البيت الأبيض يخفي "لغما" قد ينفجر في وجه نتنياهو، الذي تعلم، من إسقاط الطائرة الروسية والعملية العسكرية الفاشلة في غزة والقتل المروع في إسطنبول، أن أحداثا غير متوقعة قد تحدث وتهز المنطقة، وعندما يحصل ذلك في سنة انتخابات فإن "الفوز المضمون لنتنياهو سينهار كمبنى من ورق، وتنهار معه نظرياته الإستراتيجية".