التهدئة في غزة وسراب الانتعاش الاقتصادي...سامر سلامة

الخميس 22 نوفمبر 2018 12:35 م / بتوقيت القدس +2GMT



أعلن السفير العمادي «أن ضخ ملايين الدولارات في قطاع غزه سيعمل على تحريك عجلة الاقتصاد (الميت أصلا) وهي مساعدات موجهة لسكان غزه بلا استثناء».
ومن غير المعلن أن ثمن هذه الملايين هو التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر قطاع غزه منذ الانسحاب الأحادي الجانب من القطاع، أي منذ أكثر من خمسة عشر عاما.
فبعيداً عن الأهداف السياسية لهذه الصفقة وبالتركيز على الأهداف الاقتصادية المعلنة من قبل كافة الأطراف بأن الهدف هو إنعاش اقتصاد غزه الميت! فهل فعلاً ستجلب ملايين العمادي وغيرها من الملايين الموعودة من أطراف عدة الانتعاش الاقتصادي في غزه بشروط التهدئة المعلنة وغير المعلنة؟.
فإنني هنا لن أجيب عن هذا السؤال وإنما سأستعرض بعض المؤشرات الاقتصادية عن القطاع والحاجات الفعلية لتمكين اقتصاده من إعادة الانبعاث من تحت ركام الحروب التي شنتها إسرائيل عليه والآثار المدمرة للانقسام والاستحواذ عليه من قبل طرف فلسطيني بعيداً عن الشرعية.
فإذا تابعنا أهداف الحرب الأخيرة على غزه فإننا نلاحظ أن المستهدف منها الاقتصاد الغزي إذ عملت إسرائيل على تدمير ما لا يقل عن 80% من المنشآت الاقتصادية في غزه بشكل جزئي أو كامل، ما أدى إلى إغلاق العديد من تلك المنشآت أبوابها وتسريح عمالها ما دفع بنسب البطالة في القطاع للارتفاع بشكل ملحوظ من 35% في العام 2006 إلى 55% في العام 2018.
وبحسب المؤشرات الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن نسبة المشاركة في سوق العمل الغزي تصل إلى 47% في حين سجلت نسبة البطالة في غزه 55% وهي النسبة الأعلى في العالم.
وإن معدل الدخل اليومي في القطاع لا يزيد على 60 شيكلاً بالمقارنة مع 110 شواكل للضفة الغربية.
فإذا أردنا أن نحدث تغييرا بسيطا في هذه المعطيات فإن قطاع غزه بحاجة إلى 30 ألف فرصة عمل سنويا وإلى رفع معدل الدخل إلى 90 شيكلا على الأقل.
وإذا كانت كل فرصة عمل جديدة بحاجة إلى 10 آلاف دولار أميركي! فهذا يعني أننا إذا أردنا أن نحدث انتعاشا اقتصاديا في قطاع غزه فنحن بحاجة إلى 300 مليون دولار أميركي سنويا لخلق فرص عمل جديدة، أضف إليها ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية واستثمارات في الطاقة وخاصة توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر وفتح طرق جديدة والاستثمار في التدريب المهني وبناء القدرات والتجارة الدولية، فهذا يعني أننا بحاجة إلى 300 مليون دولار أخرى إضافية سنويا.
فأمام هذه الأرقام فإن السؤال المطروح هو هل حفنة الملايين التي تأتي بالحقائب إلى قطاع غزه ستنعش الاقتصاد الغزي وتنقله إلى مصاف الاقتصادات المتطورة كما هي الحال في سنغافورة التي لا تزيد مساحتها على القطاع كثيرا؟!
كذلك الحال أن أي انتعاش اقتصادي إذا لم يرافق بسياسات اقتصادية تشجيعية مدعمه ببيئة سياسية جاذبة للاستثمار فإن هذا الانتعاش سيكون ضربا من ضروب الخيال.
إذ إن كافة الاقتصادات التي انتقلت من حالة الموت السريري إلى الانتعاش والنمو، رافقتها سياسات اقتصادية واضحة وبيئة استثمارية مشجعة، فهذا ما حدث في كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان وألمانيا وغيرها من البلدان التي خرجت من حروبها الأهلية أو من الحرب العالمية الثانية مدمرة بالكامل حيث استطاعت وخلال أقل من عشرين عاما الانبعاث من تحت الركام لتصل الآن إلى أفضل الدول ذات الاستقرار والنمو الاقتصادي.
وعليه فإن اقتصاد غزة ومهما ضخ به من ملايين فإنه لن يصل إلى حالة الانتعاش دون استقرار سياسي أولا.
وهذا الاستقرار لن تجلبه تهدئة هشة تم التوصل إليها كتكتيك من قبل الاحتلال لتحقيق أهداف سياسية أهمها فصل القطاع عن الوطن الأم، فإذا كانت إسرائيل لم تلتزم باتفاقيات موقعة برعاية دولية فهل ستلتزم على المدى المتوسط والبعيد بتفاهمات لم ولن يضمنها أي طرف دولي؟!
ومن هذه المنطلقات فإنني أعتقد أن إنعاش قطاع غزه اقتصاديا (وهذا هدف يجب علينا جميعا في البيت الفلسطيني أن نسعى لتحقيقه) لن يتأتى دون السير قدماً بتحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء كافة مظاهر الانقسام وإقامة نظام سياسي تعددي يعطي للجميع الفرصة الكاملة للمشاركة في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية الإستراتيجية نحو التحرر وإقامة الدولة المستقلة، وما عدا ذلك يعتبر سيرا وراء سراب لن نجني منه سوى ضياع القضية وتأخير إقامة الدولة لعشرات السنين القادمة.