العدوان على غزة: التصعيد قرار إسرائيلي..أشرف العجرمي

الأربعاء 14 نوفمبر 2018 08:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
العدوان على غزة: التصعيد قرار إسرائيلي..أشرف العجرمي



مرة أخرى، تظهر إسرائيل أنها دولة لا تحترم اتفاقات أو تعهدات أو تفاهمات من أي نوع وتبقى في كل مرة تنكث كل العهود والوعود، وهذا ما حذرنا منه مراراً وتكراراً، فالعدوان السافر الذي وقع على قطاع غزة واستهدف مجموعة من «كتائب عز الدين القسام» وادى إلى استشهاد سبعة وإصابة سبعة آخرين في يوم الأحد الماضي هو فعل آثم أقدمت عليه سلطات الاحتلال بقرار من أعلى المستويات، وهو ما دفع الفصائل الفلسطينية في غزة إلى الرد بقصف المناطق المحاذية لقطاع غزة، ومن ثم تطورت الأمور إلى قصف وقصف متبادل حتى كتابة هذه السطور مع احتمال الذهاب إلى حرب لا ترغب فيها كافة الأطراف على ما يبدو. وليس مهماً ما تدعيه الحكومة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة وعلى رأسها جيش الاحتلال بأن العملية لم تستهدف القتل أو الخطف، فما حصل هو جريمة تتناقض مع الاتفاق الأخير للتهدئة الذي رعته مصر والذي دعمته قطر مالياً وسياسياً، ولا تزال كلمات السفير القطري محمد العمادي الذي «يبغي الهدوء» تسمع على شبكات التواصل الاجتماعي. 
وهذا العدوان الإسرائيلي الجديد يكشف نظرة إسرائيل الاستخدامية لفكرة التهدئة وللاتفاق مع «حماس»، ففي حين يقول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو دفاعاً عن إدخال الأموال القطرية بالحقائب إلى غزة أنهم كانوا «قريبين من استخدام القوة القصوى في غزة لولا أن «حماس» فهمت اللعبة جيداً»، وأن حكومته تريد حل الأزمة الإنسانية في غزة. يقول آخرون إن الهدف من إدخال الأموال القطرية واتفاق التهدئة هو تعزيز الانقسام الفلسطيني وتحقيق مصلحة إسرائيل، بمعنى أن موقف إسرائيل من «حماس» والفصائل في غزة لم يتغير وهي فقط تلعب بالزمن لصالح مشروعها في الضفة الغربية وفي القلب منها مدينة القدس، فهي تعتبرهم عدواً يجب محاربته وإن أمكن القضاء عليه أو على الأقل إضعافه إلى الحد الذي لا يشكل تهديداً بأي حال على أمنها.
إسرائيل تريد تحييد جبهة غزة بثمن بخس لا يتعدى بعض التسهيلات في المعابر والبضائع ومساحات الصيد والوقود والمال، ولكن ليس إلى مستوى الرفع الكامل للحصار وإعادة بناء وتطوير قطاع غزة وتحويل الشروط الحياتية فيه إلى طبيعية ولو بالمستوى، على الاقل لتكون مثل الضفة الغربية التي ترزح تحت الاحتلال شأنها شأن غزة. وكل القضايا المتعلقة بالممر البحري وبمشاريع التطوير بما في ذلك خط أنبوب الغاز الإسرائيلي البحري ناهيكم عن الميناء ستكون معلقة إلى حين، وستكون رهناً بضمان الهدوء لفترة طويلة وربما أيضاً بتطورات إقليمية أو دولية مساعدة.
       العملية العدوانية الإسرائيلية على شرق خان يونس يوم الأحد الماضي وضعت حركة «حماس» في وضع صعب، فهي ترغب في التهدئة واستمرار تدفق الأموال القطرية والسولار وربما تخفيف وطأة الحصار، ولهذا لا ترغب في التصعيد رداً على الاعتداء السافر، بحيث تهدد مشروع التهدئة الذي تبني عليه آمالاً عريضة في مدها بعناصر القوة، وفي نفس الوقت لا تستطيع ألا ترد بعد أن فقدت سبعة من مقاتلي وقادة «كتائب عز الدين القسام»، وكيف يمكنها ألا ترد على هذه الخسارة المؤلمة وهي تتعرض لانتقادات لاذعة من أطراف فلسطينية عديدة ترفض فكرة مقايضة التهدئة بالأموال القطرية وتسهيلات لا ترقى إلى الحد المطلوب وفقاً لشعارات المسيرات في غزة.
نعود مرة أخرى لموضوع الحماية التي يمكن أن تتمتع بها «حماس»  وكل الفصائل والمواطنين على السواء، فهذا لن يتحقق إلا بعودة السلطة إلى غزة وبانضمام «حماس» إلى منظمة التحرير وأن تصبح جزءاً لا يتجزأ من القيادة الشرعية المعترف بها دولياً على أرضية برنامج المنظمة السياسي الذي باتت «حماس» قريبة منه بعد أن تبنت في وثيقتها السياسية الجديدة مبدأ إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة منذ عام 1967. فالحل إذاً يكمن في المصالحة والوحدة الوطنية الكاملة فهذه هي الدرع الواقي للأشخاص والمنظمات، وأيضاً هذا هو الأهم للمشروع الوطني الفلسطيني القائم على فكرة الحرية وتقرير المصير والاستقلال الوطني الناجز في دولة مستقلة ذات سيادة في كامل الأراضي المحتلة منذ الرابع من حزيران عام 1967.
           قد تنتهي هذه الجولة بقصف مقابل قصف، وقد تتطور إلى حرب محدودة، حيث لا تزال إسرائيل ترغب في اتفاق التهدئة وهي التي تدعي أنها لم تقصد الحرب مع غزة، وفي نفس الوقت ترغب «حماس» في الاتفاق أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً بعد جولة المواجهات الحالية التي تساعدها في كسب الرأي العام وخاصة أنها لم تبادر إلى الحرب وردت بشكل موجع على العدوان الإسرائيلي، ولكن الاستهداف الإسرائيلي للحركة وللفصائل الموجودة في غزة لن ينتهي حتى لو نجحت التهدئة وصمدت لبعض الوقت.
       والوحدة الوطنية تقينا شر المشروع الأميركي الذي لا نعلم كل تفاصيله بعد على الرغم من ظهور بوادر لا تبشر بالخير بخصوص قضيتي القدس واللاجئين، فالرفض القيادي لهذا المشروع لا يكفي بل يجب أن تكون هناك مجابهة على الأرض لكلا المشروعين الإسرائيلي- الاستيطاني والأميركي- الترامبي اللذين يلتقيان في قضم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخاصة حقه في أرض وطنه. وليكن العدوان الإجرامي على غزة فرصة جديدة لمراجعة جميع المواقف والخيارات الفلسطينية وخاصة خيار التهدئة وفصل غزة عن الضفة.