الاقتصاد في استخدام القوة.. أبرز ما ميّز أداء المقاومة خلال المواجهة الأخيرة..بقلم: عوض أبودقة

الأربعاء 14 نوفمبر 2018 08:07 م / بتوقيت القدس +2GMT
الاقتصاد في استخدام القوة.. أبرز ما ميّز أداء المقاومة خلال المواجهة الأخيرة..بقلم: عوض أبودقة




ركزت فصائل المقاومة الفلسطينية في إطار "غرفة العمليات المشتركة"، رشقاتها الصاروخية التي بدأت مع ساعات المساء الأولى ليوم الاثنين (12/11)، على منطقة "غلاف غزة"، مباغتةً بذلك العدو الإسرائيلي برد على جريمته العدوانية شرق خان يونس ليلة الأحد.
ومع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي، واستهداف طائرات الاحتلال لمبانٍ سكنية ومؤسسات في غزة، قصفت المقاومة وتحديداً سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مدينة عسقلان المحتلة بالصواريخ، مخلفةً قتلى وإصابات وأضرارًا مادية فادحة، وهددت بتوسيع دائرة ردها داخل عمق كيان الاحتلال.
ولعل في هذا التهديد رسالة تنبيه واضحة بأن المقاومة ستنتقل لمرحلة جديدة، تتجاوز فيه رمايتها الصاروخية مدى الـ 57 بلدة ومستوطنة التي تتاخم قطاع غزة، أو ما يُطلق عليها اسم منطقة "غلاف غزة"، والتي كشفت وسائل الإعلام العبرية صباح الثلاثاء، عن هروب عشرات العائلات منها متجهةً إلى منطقة المركز "غوش دان"، خوفًا من تواصل سقوط الصواريخ الفلسطينية.
وعملت فصائل المقاومة بحنكةٍ عالية في المواجهة الأخيرة؛ حيث استخدمت مجموعة تكتيكات وقواعد اشتباك متناسقة بالتزامن من أبرزها: تكتيك الاقتصاد في استخدام القوة، والذي تتلخص فكرته بالترشيد في استخدام إمكاناتها وقدراتها العسكرية، وعدم إهدارها، إلى جانب قاعدة تصويب النيران على مستويات، تتركز في ثلاثة، وهي: التحكم في مدى التصويب مع درجة دقة رماية عالية، إلى جانب تكثيف النيران تبعًا لتطورات الموقف، وضمان استمرارية إطلاق النيران بأي وتيرة يتم إقرارها لأبعد مدى زمني.
زاوية أخرى كشفت هشاشتها صواريخ المقاومة، وهي منظومة "القبة الحديدية"، التي استنزف صنعها وتطويرها موازنة العدو، لتثبت عملياتيًا فشلها وعجزها بشكل جلي وواضح، حيث لم تتصدَ هذه المنظومة سوى لـ 100 صاروخ من ما يزيد عن 460 أطلقتها فصائل المقاومة خلال 24 ساعة على أهداف إسرائيلية، وقد أقرّ الناطق باسم جيش الاحتلال يونتان كورنيكوس، بفشل المنظومة، حين قال بأن "القبة الحديدية ليست مُحكمة، ولا يمكننا أن نتوقع منها اعتراض كل شيء، خاصةً عندما تتعامل مع هذا العدد من الصواريخ".
ولعل عملية الرد المباغتة، التي بدأتها فصائل المقاومة، في تمام الساعة 4:30 من مساء الاثنين، وتخللها استهداف حافلة تُقل جنودًا إسرائيليين في منطقة أحراش مفلاسيم شرق بلدة جباليا بصاروخٍ موجهٍ من نوع "كورنيت"، وإصابتها بدقة، واشتعال النيران فيها، يحمل رسالة بالغة الأهمية، ومفادها بأن فصائل المقاومة لديها بنك أهداف، وهي قادرة على الحركة والمناورة تحت أي ظرف، ناهيك عن دور العملية الإرباكي للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وبحسب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، فإن "مشاهدة الفيديو (الذي عُرض للعملية) مقشعرة، مع كل الحرص الواجب، يجب على المرء أن يقول إنه من غير الممكن أن جيشًا في حالة قتالية ويتصرف هكذا!!، هذه الدروس كان من الممكن استخلاصها بالدم"، لافتًا إلى أن مطلقي صاروخ "الكورنيت" يتمتعون بخبرة كبيرة، ولديهم إحاطة بكل التفاصيل في المكان، وقد اختاروا إطلاقه في الوقت المناسب.
ومع تتابع المشاهد البطولية للمقاومة، قررت ألوية الناصر صلاح الدين، الذراع العسكرية للجان المقاومة في فلسطين، بث فيديو عملية "كمين العلم"، الذي نفذته ضد قوة هندسة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال، كانت تعمل على السياج الأمني الفاصل شرق خان يونس، في 17 شباط/ فبراير الماضي، وأدى في حينه إلى مقتل وإصابة ستة من الضباط والجنود الإسرائيليين.
ويُظهر الفيديو كيف انفجرت سارية العلم المفخخة بالقوة الهندسية العسكرية الإسرائيلية، عن طريق التحكم بعبوة ناسفة مثبتة بإحكام داخلها، عن بعد، وذلك بعد قيام أحد الجنود بنزع علم فلسطين الذي نصب على السياج الفاصل مع القطاع، وتوجهه به صوب زملائه في الفرقة، ما يشير إلى أن المقاومة تخوض صراع أدمغة مع الاحتلال بإمكانات بسيطة، في مقابل الوسائل والأدوات التكنولوجية المتطورة بحوزة العدو. 
وبالعودة للحديث عن عملية تسلل الوحدة الخاصة التابعة للاحتلال شرق خان يونس، فإنني أؤكد بدايةً أنها دليل واضح على حالة الجهوزية واليقظة العالية للمقاومة، ولولا الغطاء الجوي الناري الكثيف، الذي نفذته مقاتلات حربية، وطائرات مروحية عسكرية، وأخرى مُسيرة، للتغطية على هرب ضباطهم وجنودهم بعد اكتشاف أمرهم، لما نجحوا في الفرار من قبضة المقاومة.    
ولعل الرواية الرسمية للاحتلال التي أعلنت أن هدف تسلل القوة الخاصة الإسرائيلية في عمق خان يونس، كان لجمع معلومات استخبارية، فيه خداع وكذب للتغطية على هدف آخر للعملية، فببساطة شديدة إن بإمكان طائرات التجسس - على اختلاف أنواعها التي تنتجها المؤسسة العسكرية للعدو - والتي تحلق باستمرار في أجواء قطاع غزة، القيام بمهمة التجسس وجمع المعلومات، بما تمتلكها من تقنية وتكنولوجيا عالية.
ما يستنتجه العقل أن هدف العملية الإسرائيلية أبعد من جمع معلومات استخبارية أو تثبيت أجهزة تجسس، لكون المنطقة التي تواجدت فيها القوة الخاصة الإسرائيلية مربعًا أمنيًا لكتائب القسام، وفيها كاميرات مراقبة، وحركة المارة والسيارات لا تنقطع عنها باستمرار، لكونها واقعة على شارع عام، ثم إن دخول القوة جاء في وقتٍ مبكر، فاكتشافها أمرها كان قبل الساعة التاسعة مساءً.  
ما يعنينا في النهاية أن المقاومة أحبطت هدف العدو، ولقنته درسًا قاسيًا؛ حيث قتل قائد الوحدة الخاصة الإسرائيلية اللفتنات كولونيل "م"، وأصيب ضابط آخر، في المواجهة المركبة للمقاومة، وحينما أقول: "مركبة"، فإنني أعنيها فقد حدث اشتباك لحظة اكتشاف أمر الوحدة الخاصة، واشتباكاتٍ أخرى خلال عملية مطاردتها؛ حيث عملت الطائرات الإسرائيلية في إطار التغطية النارية الكثيفة من الجو على ضرب كل هدف يقترب من السيارة الهاربة، ناهيك عن قصف مفترقات الطرق في المسار الذي سلكته وحدتها الهاربة، للحيلولة دون تعقب المقاومين لسيارتهم، عدا عن تشويش الاحتلال على الموجات اللاسلكية للمقاومة، ومحاولاته تضليل عناصرها عن تتبع القوة الهاربة.
وبعد فرار الوحدة الخاصة للعدو، قامت مقاتلاته الحربية بقصف السيارة التي تركوها خلفهم، وذلك بهدف منع وقوع أي معدات إسرائيلية بيد المقاومة، وكي يمنعوا حركة حماس من معرفة غاية المهمة العسكرية الخاصة التي نفذت داخل غزة، بحسب وسائل إعلام العدو.
طريقة الفرار، أشار لها المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، رون بن يشاي، حيث لفت إلى أنها تمت بواسطة مروحية "يسعور" التي هبطت على ارتفاع منخفض جدًا، وبدون أضواء، إلى الشرق نحو الحدود الفاصلة.
وتتميز المروحية "يسعور" بالقدرة على نقل عشرات الجنود من أجل إيصالهم إلى الجبهات القتالية، وإلى عمق أراضي العدو، بالإضافة إلى قدرتها على نقل أسلحة ثقيلة، حيث تستطيع حمل جيبين من نوع "هامر"؛ ما يعني أن السيارة التي أقلت الوحدة الخاصة الهاربة، لو استطاعت الوصول لنقطة التقاء مع المروحية لكانت قد سحبتها، فضلًا عن فرضية أن بداخل المروحية فرقة عسكرية خاصة للتعامل مع أي خطر محتمل.
في النهاية، نجاح أي عملية أو فشلها يُقاس بتحقيق الأهداف، وهنا يُسجل للمقاومة أنها أفشلت الاحتلال، وأحبطت تحقيقه لأهدافه، والأمر لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيكون لهذا الفشل العسكري الإسرائيلي الذريع، وما تبعه من رسائل عسكرية طيرتها المقاومة في إطار ردها على جريمة شرق خان يونس، خلال 24 ساعة، وتأثيرات هذه الرسائل على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، تداعيات كبيرة ستؤثر بلا شك على المشهد السياسي الإسرائيلي