حظر "الكاش" في اسرائيل تحد جديد للاقتصاد الفلسطيني

السبت 10 نوفمبر 2018 12:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
حظر "الكاش" في اسرائيل تحد جديد للاقتصاد الفلسطيني



رام الله / سما /

أسابيع قليلة على دخول القرار الاسرائيلي حظر التعامل بالنقد، وهو اجراء سيكون له تداعيات كبيرة وفورية على الاقتصاد الفلسطيني، ورغم ان سلطة النقد الفلسطينية تعمل منذ سنوات استعدادا لتجنيب الاقتصاد الفلسطيني، وخصوصا الجهاز المصرفي، التداعيات المحتملة لهذا الاجراء، الا ان التقديرات، بما في ذلك تقديرات سلطة النقد، ان السوق الفلسطينية على موعد مع موجة تدفقات كبيرة للشيقل، في المرحلة الاولى على الاقل.

القرار الاسرائيلي يمنع التعامل بالنقد في المعاملات التجارية، بما فيها دفع الاجور، بمبالغ تزيد عن 11 الف شيقل، والاستعاضة عنها بوسائل الدفع الالكترونية، بهدف محاربة التهرب الضريبي، وغسل الاموال، والتجارة غير المشروعة، وتداول العملة المزورة، اضافة الى تقليل تكلفة ادارة النقد، ما يعني تكدس النقد في خزائن البنوك، ومع ضعف وسائل الدفع الحديثة في فلسطين، في ظل التعاملات اليومية الكبيرة بالعملة الاسرائيلية، يخشى ان تدفقات كبيرة للشيقل الى السوق الفلسطينية، التي تعاني اصلا من فائض كبير في هذه العملة.

"هناك استعمال فلسطيني للنقد بعملة الشيقل، فهناك تعامل يومي مع متسوقين من اخواننا الفلسطينيين بأراضي العام 48، وهناك عمال فلسطينيون في الاقتصاد الاسرائيلي. القرار الاسرائيلي سيزيد من استعمال الشيقل لأنه من الصعب التعامل مع فائض الشيقل في اسرائيل في المرحلة الاولى"، قال محافظ سلطة النقد الفلسطينية عزام الشوا.

قبل ايام، اعلنت سلطة النقد الفلسطينية عن موعد اطلاق نظام الكتروني جديد للتقاص بين البنوك، في مطلع العام 2019، وبالتزامن معه ستطلق سلطة النقد نظاما للتعاملات التجارية الالكترونية، وكلاهما يضافان الى مجموعة من الانظمة بدأت سلطة النقد تطبيقها منذ سنوات، بهدف تسريع دوران رأس المال، وايضا لتعزيز شروط السلامة والامان في المعاملات المصرفية، وهي بمجموعها، بحسب الشوا، "ستساعدنا في خفض تراكم النقد".

وقال "بالنسبة لنا، نضع معايير ومحددات للبنوك في التعامل مع ما هو قانوني . في المرحلة الاولى، سنكون جميعنا متفهمين، لكن بالنسبة لنا في فلسطين، اعتقد ان المعايير التي نتعامل بها يوميا ستساهم في تجنيبنا عبء انتقال النقد الى سوقنا فقط لأنه اصبح هناك قانون لا علاقة لنا به في منطقة اخرى".

المخاوف المحتملة من تدفق الشيقل بكميات كبيرة مع بدء سريان القانون الاسرائيلي الجديد، تضاف الى مشكلة قائمة اصلا بتراكم العملة الاسرائيلية في البنوك الفلسطينية، مع مماطلة اسرائيلية مستمرة في ترحيله الى البنوك الاسرائيلية خلافا لالتزاماتها بموجب بروتوكول باريس الناظم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين.

منذ العام 1994، ترحل العملة الاسرائيلية عبر بنكي "هبوعليم" وديسكونت"، بتكليف حكومي، وعلى مدى العقدين الماضيين، اوقف البنكان اكثر من مرة التعامل مع البنوك الفلسطينية بحجة الحفاظ على البنوك المراسلة في الخارج، وتحت ضغوط دولية، منحت الحكومة الاسرائيلية هذين البنكين، قبل نحو عامين، حصانة ضد اية دعاوي قد تقام عليهما بما يسمى "تمويل الارهاب"، نتيجة تعاملها مع البنوك الفلسطينية، والتزمت بتعويضهما اية خسائر قد تنجم عن ذلك، لكن هذا لم يرق الى مستوى مطالب الجانب الفلسطيني بحل كامل وشامل لمشكلة تراكم الشيقل في البنوك الفلسطينية.

وقال الشوا "توصلنا مؤخرا الى آلية جديدة مع البنك المركزي الاسرائيلي لترحيل الشيقل، عبر إنشاء مؤسسة حكومة اسرائيلية تتولى هذا الامر بدلا من بنكي "هبوعليم" وديسكونت"، اضافة الى ذلك، اتفقنا على رفع سقف المبالغ المرحلة من 300 مليون شيقل شهريا الى مليار شيقل، على ان يرفع السقف في مرحلة لاحقة. اعتقد ان هذا سيحل المشكلة نهائيا".

مصادر الشيقل

لكن ما هي مصادر تدفقات الشيقل الى السوق الفلسطينية، وما حجم هذه التدفقات؟

لا يوجد رقم دقيق لحجم الشيقل في السوق الفلسطينية، وبحسب البيانات الصادرة عن مؤسسات رسمية مختلفة، فان هناك عدة مصادر لتدفق الشيقل، بعضها واضح وثابت تقريبا، والبعض الآخر قانوني لكن تقديره صعب، واخيرا تدفقات غير قانونية.

في المصادر الثابتة والمعروفة، هناك نحو 10 عشر مليارات شيقل تأتي الى الخزينة العامة من عائدات المقاصة، تحول شهريا بمعدل شهري 800 مليون شيقل، ونحو 13 مليار شيقل تحويلات العاملين الفلسطينيين في الاقتصاد الاسرائيلي بمعدل شهري حوالي مليار شيقل، اضافة الى حوالي 3 مليارات شيقل سنويا مشتريات فلسطينيي 48 من الاسواق الفلسطينية، ومثلها صادرت فلسطينية الى إسرائيل، ومجموع هذه المبالغ حوالي 30 مليار شيقل سنويا.

يضاف الى ذلك، ودائع حملة "الهويات الزرقاء"، خصوصا من القدس، في البنوك الفلسطينية، ولا يوجد رقم رسمي بحجمها، لكنها ليست كبيرة لخضوعها لرقابة مشددة من قبل سلطة النقد والبنوك.

المصدر الأخطر، والذي لا يعرف عنه شيئا تقريبا، تلك الاموال التي تدخل نقدا الى السوق الفلسطينية، على الاغلب على شكل تحويل عملة لدى بعض الصرافين دون تدقيق بمصدرها، وعن طريقهم تدخل الى البنوك الفلسطينية.

وبحسبة بسيطة، فان كمية الشيقل التي دخلت السوق الفلسطينية، من المصادر الواضحة والثابتة الثلاثة، عائدات المقاصة وتحويلات العمال ومشتريات فلسطينيي 48، في عشر سنوات، تبلغ حوالي 300 مليار شيقل، في حين ما تمكنت سلطة النقد من ترحيله الى اسرائيل، خلال نفس الفترة، لا يتجاوز 60 مليار شيقل فقط، ويتوقع ان ترتفع هذه الفجوة بين الداخل والخارج من النقد في السوق الفلسطينية، بشكل كبير، مع بدء سريان القانون الاسرائيلي.

تشدد اكبر في البنوك الفلسطينية

في السنوات الاخيرة، اشتكى التجار من تشدد البوك الفلسطينية في قبول ايداعات بالشيقل، والذي تبرره عادة بوجود فائض كبير لديها من هذه العملة، مع مماطلة اسرائيلية في ترتيبات اعادة هذا الفائض الى البنوك الاسرائيلية "ونعتقد ان الجهات الإشراقية والرقابية الفلسطينية، ستتخذ اجراءات اكثر تشددا في التعاملات النقدية بالشيقل، حت لا ينتهي الفائض في السوق الفلسطينية مع تطبيق القانون"، قال احمد الحاج حسن مدير عام البنك الوطني.

واضاف الحاج حسن: القرار الاسرائيلي من شقين، الاول منع التعامل بالنقد فوق حدود معينة، والثاني الابلاغ عن تعاملات معينة مع اطراف فلسطينية. الاقتصاد الفلسطيني مرتبط يوميا بتدفقات نقدية كبيرة من اسرائيل، ليس فقط لان الشيقل عملة متداولة رسميا لدنيا، وانما هناك كميات كبيرة من الشيقل تدخل وتخرج من الاقتصاد الفلسطيني سواء من العمال الفلسطينيين في اسرائيل، او تسوق فلسطينيي 48 في اسواق الضفة، او التبادل التجاري بين الجانبين. أي قرار يؤخذ في اسرائيل بهذا الخصوص ينعكس فورا في الجانب الفلسطيني".

وتابع: كل شيقل موجود في خزنات البنوك الفلسطينية، وهو متراكم اصلا، يعني خسارة للاقتصاد الفلسطيني. شحن هذه الاموال الى اسرائيل بحاجة الى ترتيبات تأخذ وقتا طويلا، والنتيجة خسائر بعشرات الملايين للاقتصاد الفلسطيني".

وحتى نهاية حزيران 2018، بلغ حجم الودائع بالشيقل لدى البنوك الفلسطينية اكثر من ثمانية مليارات شيقل.

الصرافون .. الثغرة الاخطر

وتوقع الباحث في معهد ابحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، سمير عبد الله، ان يكون لتطبيق القرار الاسرائيلي "تأثير كبير على الاقتصاد الفلسطيني، فمن الصعب على الاسرائيليين التعامل مع فائض النقد الذي سيترتب على تطبيق القرار، وستكون السوق الفلسطينية وجهة للتخلص من هذا الفائض، الامر الذي سيرفع فائض النقد لدينا، المرتفع اصلا لأسباب بعضها غير معروف حتى الآن".

واضاف: ستكون لدينا مشكلة يترتب على سلطة النقد تحضير نفسها لمواجهتها، ووضع خطة للتعامل مع فائض كبير من النقد بالشيقل، خصوصا ان اسرائيل تعرقل اعادة الشيقل الى بنوكها".

وتابع: سيكون هذا النقد عبء على الاقتصاد الفلسطيني، وعلى البنوك بالدرجة الاولى، وسيخلق مشكلة حقيقية، ما يستدعي قيودا مشددة على التعاملات النقدية بالعملة الاسرائيلية، خصوصا على الصرافين".

واوضح عبد الله، ان "سلطة النقد تستطيع منع البنوك من قبول الشيقل من افراد ليس لديهم حسابات في البنوك الفلسطينية او ليس لديهم تدفقات نقدية بالشيقل معروفة لدى البنوك. تبقى المشكلة في تكدس الشيقل في السوق عن طريق الصرافين، وبعض الشراكات التي تكون مشترياتها ومبيعاتها بالعملة الاسرائيلية".

مشكلة اخرى يتوقع ان تبرز بتطبيق القرار الاسرائيلي، بحسب عبد الله، تتمثل بفقدان قدرة التجار الفلسطينيين تسديد قيمة الواردات من اسرائيل نقدا، وهي مبالغ تقترب من 20 مليار شيقل سنويا، "وهنا ستبرز مشكلة في التجارة بين الجانبين، تستوجب اتفاقا مع اسرائيل لتجنبها، والا سيكون هناك مضاربات، وخسائر تلحق بالمواطن الفلسطيني".

 ارتفاع محتمل في التضخم

احد المخاوف تتمثل في ان يتم التخلص من النقد، خصوصا لدى حملة الهوية الزرقاء من فلسطينيي 48، عبر عمليات شراء واسعة في الاراضي الفلسطينية، ما يتسبب، مع وجود معروض ضخم من النقد، بارتفاع في معدل التضخم، خصوصا في اسعار العقارات.

لكن استاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الامريكية، نصر عبد الكريم، يقلل من خطورة هكذا احتمال، بقوله "سيبقى استخدام النقد مستمرا في إسرائيل حتى بعد نفاذ القانون، ولكنه قد يتخذ أشكالا أخرى بعيدة عن الأجهزة المصرفية الرسمية. في الجانب الفلسطيني قد نشهد اندفاعا للشيقل في الأسابيع الأولى لسريان القانون، لكن البنوك الفلسطينية ستتحوط لذلك جيدا".

كما استبعد عبد الكريم توجيه جزء من فائض النقد في اسرائيل لشراء عقارات في الضفة الغربية، "وأتوقع أن تتدخل سلطة النقد الفلسطينية بالتنسيق والتعاون مع سلطة الأراضي ودائرة ضريبة الأملاك، بجملة من الإجراءات السياساتية تشترط اتمام صفقات بيع وشراء الشقق والأراضي من خلال الجهاز المصرفي، وهذا من شأنه أن يحول دون تدفق النقد من إسرائيل إلى الضفة الغربية"، اضافة الى اشتراط شراء حملة الهوية الزرقاء لأراض وعقارات في الاراضي الفلسطينية بموافقة مجلس الوزراء.