الضمان الاجتماعي مصلحة شعبية ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 08:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الضمان الاجتماعي مصلحة شعبية ...مهند عبد الحميد



التلازم بين عملية التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي لم يكن هذراً فكرياً او سفسطة كلامية منعزلة عن الحاجة، الترابط والتكامل في المهمتين كان ضرورياً منذ البداية، وتزداد أهمية الربط بين العمليتين مع الانغلاق السياسي وعدم القدرة على انجاز مهمة التحرر الوطني، ومع بروز خطر تصفية القضية الوطنية. في هذه الشروط تبدو مهمة تقوية مناعة المجتمع ومختلف تجمعات الشعب الفلسطيني داخل وخارج وطنه شديدة الأهمية. فالمجتمع المعافى والمتآزر مع ذاته أولا يستطيع الصمود ومقاومة التدمير. وإذا كان الهدف الإسرائيلي يتركز الآن حول تفكيك مكونات الوحدة والتعاون وانهاك طاقة الشعب على الصمود والتحرر وتقرير المصير وصنع مستقبله، فإن الهدف الفلسطيني هو إثبات عكس ذلك بالقول والممارسة، وبإعادة البناء والمأسسة المستندة لمعايير التطور وللديمقراطية. 
 في ظل احتدام الأزمة السياسية، يتزايد الاهتمام الفلسطيني بالشأن الداخلي. وجاء الانشغال الفلسطيني بقانون الضمان الاجتماعي كتعبير عن ذلك الاهتمام، ويلاحظ ارتفاع وتيرة السجال الداخلي حول القانون، ونقده وتبيان مثالبه وطرح التعديلات عليه، والمقترن بتحركات مطلبية، تمارس الضغط على صانع القرار، وكل ذلك يعتبر ظاهرة صحية كون ما جرى ويجري هو جزء من محاولة التشارك في صنع القرار والذي أتى ببعض الأُكل. ولا يغير من هذا التطور الإيجابي وجود مواقف سلبية واحيانا عدمية من نوع رفض القانون جملة وتفصيلا، ومحاولة التنصل من استحقاقاته، وتغليب التشاؤم والسلب على الإيجاب والإنجاز. المعيار في الحكم هو مصلحة العمال والموظفين فيما اذا كان القانون يستجيب لتحقيقها بمستوى مقبول وقابل للتحسن والتطور، أم لا يستجيب، ولا توجد قيمة تذكر لما يقدمه القانون. الاجابة على هذا السؤال ليس اعتباطياً نابعاً من ازمة الثقة مع صانع القرار السياسي، علماً أن قانون التضامن كان وما يزال حصيلة التفاعل والاستجابة والسجال وميزان القوى المجتمعي. 
بادئ ذي بدء، لقد تأخر الجميع مدة طويلة جداً في صياغة قانون الضمان الاجتماعي وفي تشكيل هيئته المستقلة واعتمادها. فكلما مضى الوقت بدون قانون وهيئة وتطبيق، فإن ذلك سيحرم فئات متزايدة من المسنين من تأمين الحد الأدنى من الدخل الذي يلبي حاجتهم الضرورية. ولما كان القانون مطروحا لتغطية مئات آلاف العاملين واسرهم. ولاسترداد تعويضات وادخارات آلاف العمال الذين عملوا داخل الخط الاخضر منذ عشرات السنين. فإن الحاجة الى اعتماده اكثر من ملحة، ولا يتعارض الاسراع في اعتماده ووضعه حيز التطبيق مع العمل المتواصل من أجل تطويره وتحريره من كل نقاط الضعف والاختلالات. يقول الامين العام لحزب الشعب بسام الصالحي : «هناك 300 الف عامل لا يحصلون على راتب الحد الادنى للأجور ولا تزيد رواتبهم على 1000 شيكل. وهناك 700 الف عامل لا يحصلون على مكافأة نهاية الخدمة او أي تقاعد». هؤلاء يأتي قانون الضمان الاجتماعي لمصلحتهم من حيث اعتماد الحد الأدنى للاجور وهو 1450 شيكلا، واعتماد مكافأة نهاية الخدمة. الأرقام التي عرضها الصالحي - والمخفي أعظم - تكشف فضيحة الصمت من قبل النقابات والاتحادات العمالية على انتهاك الحد الادنى للاجور وشطب نهاية الخدمة للعمال من قبل أرباب العمل، لكنها وفي الوقت نفسه تقدم المبرر الأهم للاسراع في اعتماد قانون الضمان الاجتماعي الذي يستجيب بمستوى حد أدنى لحقوقهم الاساسية. 
تحدث أكثر من مصدر نقابي عن معركة تعديل قانون الضمان الاجتماعي، وعن تعديلات كانت في مصلحة العمال. يقول الصالحي في مقاله المنشور على صفحة وطن للانباء. « تم إدخال 17 تعديلا على القانون الذي خرج بهذه الصيغة، تعديلات حظيت باجماع الكتل البرلمانية والقوى السياسية والنقابات والقطاع الخاص والحملة الوطنية للضمان الاجتماعي وممثلي المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم. ومن أبرز التعديلات: اعتماد إجازة امومة وتقاعد مبكر للنساء العاملات، وادخال إضافة هامة لمصلحة ذوي الاحتياجات، وخفض نسبة مساهمات العاملين بنسبة نصف من 7.5% الى 7%، والمطلوب خفضه الى 5%. وزيادة معامل احتساب الراتب التقاعدي من 1.7% الى 2% والمطلوب زيادته الى 2.5%. خفض عدد الاشتراكات اللازمة لاحتساب الوفاة الطبيعية او العجز منذ بدء الانضمام للقانون. الغاء التحويلات الإلزامية لمكافأة نهاية الخدمة الى الصندوق وتحويلها لمستحقيها، والحفاظ على المكتسبات والاتفاقات المتحققة للعاملين في مؤسساتهم باعتبارها مكتسبات إضافية الى جانب الصندوق.
 ان اعتماد 17 تعديلاً يفتح الأبواب على مواصلة التعديل لتجاوز كل اختلال ولبس في نصوص القانون، فالنضال المطلبي والنقابي يأتي أكله اذا ما تسلح المبادرون اليه بإرادة التغيير لمصلحة السواد الأعظم من العاملين، الذين لن يتوانوا عن الانتصار لمصالحهم. 
القضية الأهم، ان يتوفر للصندوق ائتمان مالي كنوع من الدعم والتحفيز وخلق ثقة، هل يتأمن ذلك عبر الموازنة العامة للسلطة التي تعيش أزمة مالية، او هل يمكن طلب دعم الدول المانحة لتفعيل الصندوق. إن هذا يطرح دور الدولة كضامن للقانون ولأموال المساهمين. تنص المادة 2 من قانون الضمان الاجتماعي: يهدف هذا القرار بقانون الى توفير منافع التأمينات الاجتماعية للمؤمن عليهم وعائلاتهم بالاعتماد على مبادئ الانصاف والاستدامة والشفافية والكفاءة على ان تكون الدولة الضامن النهائي لتطبيق احكام هذا القرار بقانون والانظمة الصادرة بمقتضاه وضمان استمرارية عمل المؤسسة. هذا النص يحتمل الدعم ولا يحتمل في الوقت نفسه. مع ان قانون الضمان الاجتماعي الاردني الذي استند اليه القانون الفلسطيني يتحدث صراحة عن تغطية العجز على ان يتم تسديد المبلغ للحكومة لاحقا. 
وثمة خشية من استثمار الاموال المجمعة في الصندوق من قبل الحكومة والبعض يذهب بعيدا نحو الخشية من استثمار أموال الصندوق في الخارج. القضية لها صلة بالثقة وبالتجربة التي تعني أداء المؤسسة. فقد سبق وان استخدمت الحكومة أموال صندوق التقاعد الحكومي لتجاوز أزمات خانقة. الضمان في هذه الحالة مجلس مؤسسة الضمان وتركيبته التي من المفترض ان تكون كفة المجلس الإداري راجحة لمصلحة العاملين، لذلك كانت زيادة عدد ممثلي العمال/الموظفين في مجلس إدارة الصندوق من 4 إلى 7 أعضاء زيادة مهمة. كما ان مستوى استقلالية الهيئة ورئيسها يلعب دورا مهما فضلا عن وضع لوائح داخلية وآلية تطبيق ورقابة مستقلة. 
ما يهم انطلاق المشروع ووضعه في حيز التطبيق واستمرار مساعي التطوير لمصلحة العاملين.