نبض الحياة.. لا للفيدرالية.. عمر الغول

الأربعاء 17 أكتوبر 2018 07:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
نبض الحياة.. لا للفيدرالية.. عمر الغول



بادر بعض السياسيين والأكاديميين والإعلاميين في الأونة الأخيرة إلى طرح حلول تتعلق بالنظام السياسي الفلسطيني، إفترضوا أنها "إبداعية" من وجهة نظرهم، جلها الدعوة إلى إفتراضات من خارج الصحن المتداول، أو بتعبير آخر خارج الثوابت المعتمدة فلسطينيا. خلفية اصحاب هذا التوجه، خلفية إيجابية، ويستندوا في طرحهم إلى لوجود نماذج في العديد من الدول والأنظمة في القارات الخمس. 

لكنهم لم يدققوا جيدا في طرحهم وأبعاده راهنا، أو بتعبير آخر، تعجلوا طرح خياراتهم قبل بلوغ هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وبدا انهم يميلوا إلى تبسيط الأمور للتخفيف من ردات الفعل السلبية على رؤاهم وإجتهاداتهم، التي يتمثل أحدها في تبني نموذج النظام الفيدرالي، وتركيبه على الحالة السياسية الفلسطينية، كأحد المخارج لمسألة الدولة المستقبلية. ولا أعتقد أن هناك سياسي أو إعلامي لا يعرف ماهية الدولة الفيدرالية أو الكونفيدرالية، إلآ إذا كان من اولئك الهواة الطارئين على مهنة الكتابة، أو أولئك الذين يكتبوا ما لا يعرفوا، وتسكنهم أهواءهم ونزعاتهم العفوية والعاطفية. وبالتالي المتخصصون أو أبناء المهنة يدركوا جيدا الفوارق والإختلاف بين نماذج الحكم  المطروحة. وعليه فإن الدعوة لتبني خيار الدولة الفيدرالية، لا يتوافق مع المصلحة الوطنية، لإن تكريس هذا النظام في الواقع الراهن يخدم من حيث يريد اصحاب وجهة النظر المؤيدة له القوى المتربصة بالمشروع الوطني. 

ورغم التشابك الكبير بين مفهومي اللامركزية والنظام الفيدرالي، فإن هناك فرقا كبيرا بين النموذجين، وبالتالي لو طرح اصحاب الرأي المنحاز لخيار اللامركزية سيكون مقبولا ومفهوما ومستوعبا أكثر من نموذج النظام الفيدرالي. لا سيما وأن النظام الفيدرالي يعني وجود دولتين أو أكثر ترتبط بوشائج الوحدة فيما بينها وفق دستور ونظام فيدرالي، تجمع بينها المصالح العامة المشتركة المتعلقة بالسيادة القومية. ولكن المسائل الأخرى تصبح من حق كل دولة إختيار ما تراه مناسبا لخصائصها الإثنية أو الدينية أو القبلية أو لمركبات إمارتها أو نظامها السياسي. وهذا النموذج لا يتوافق من قريب أو بعيد مع واقع الشعب الفلسطيني. لإنه شعب واحد لا يوجد به أية عوامل متناقضة أو متباينة إلآ بمعايير إنتماءات القوى الفكرية والسياسية. ولا يقبل من حيث المبدأ الحديث عن وجود دولتين منفصلتين، كون هذا الفهم او تعميمه في الأوساط السياسية مع دولة الإستعمار الإسرائيلية أو مع قيادة الإنقلاب الحمساوية أو غيرها من القوى السياسية يخدم توجهاتهم، وخياراتهم من حيث يدري اصحاب هذا الإقتراح أو لا يدروا، ويعمق الشرخ الداخلي في اوساط النسيج الوطني الفلسطيني. لإن فلسطين ليست دولة الإمارات العربية المتحدة، وليست أي نموذج فيدرالي آخر، وبالتالي تبسيط الأمور، أو تزويقها ووضع محسنات وأدوات تجميل على النموذج لا يستقيم والحالة الفلسطينية، لإننا شعب واحد، ووطن واحد، ودولة واحدة، ولا يوجد اي مبرر أو معطى سياسي أو إقتصادي أو إثني أو قبلي أو ديني يسمح بتمرير هذا النموذج في فلسطين. 

وهنا تملي الضرورة على الكل الوطني التمسك بالخيار الأساس، خيار إستقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كدولة واحدة وموحدة وتمثل داخل حدودها ابناء الشعب العربي الفلسطيني، ولها نظام سياسي واحد، هو النظام الرئاسي البرلماني، الذي يقبل القسمة على نموذج اللامركزية. وبالتالي بمقدار ما تقترب اللامركزية من الفيدرالية، بقدر ما تبتعتد عنها مسافات كبيرة وشاسعة. وعليه على من يعتقد ان النظام الفيدرالي يخدم مصالح الشعب، ان يراجع جيدا نفسه ومنطقه، لإن العكس هو الصحيح. فهل يتوقف اصحاب الرأي الآخر عن دعواتهم غير الإيجابية حماية للحقوق والمصالح الوطنية العليا؟