الواد دعيس بتاع الرئيس ... د. وليد القططي

الأربعاء 17 أكتوبر 2018 01:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
الواد دعيس بتاع الرئيس ... د. وليد القططي



كتب يوسف معاطي قصة فيلم (الواد محروس بتاع الوزير) بقالب كوميدي ساخر، القصة تُعالج ظاهرة الوصولية والانتهازية في المجتمع المصري عن طريق شخصية محروس، تلك الشخصية الصغيرة البسيطة التصقت بشخصية الوزير الكبيرة المهمة، وأصبح محروس بتاع الوزير، ليتسلّق من خلاله لأعلى المناصب، ويتخذّه سُلّماً للوصولِ السريع إلى القمةِ، حتى إذا امتلك شيئاً من السلطةِ، وأمسى جزءاً من أولي السطوة؛ أمتطى ظهر السلطة للوصول إلى الغنى السريع والثراء العريض، فتمرّغ في النعمة وتعفّرَ في الثروة.

هذا النموذج من الشخصية الوصولية الانتهازية متكرر في كل المجتمعات؛ لا سيما في المجتمعات التي تحكمها أنظمة استبدادية، وتقف على رأسها نخبة فاسدة، فالواد محروس في النموذج المصري يُمكن أن يحمل أي اسم آخر في مجتمع آخر، والوزير يُمكن أن يكون وكيل وزارة أو مدير عام أو رئيس دولة، وفي النموذج الفلسطيني لشخصية محروس يُمكن أن يكون أي اسم آخر، رمزنا له باسم (دعيس) واستبدلنا الوزير بالرئيس حرصاً على القافية، ومن وجهة أخرى حرصاً على هويتنا الوطنية الفلسطينية الخاصة، التي تأبي إلاّ أن تكون مميزة حتى في نموذج الشخصية الوصولية الانتهازية، ليصبح اسم النسخة الفلسطينية من الرواية (الواد دعيس بتاع الرئيس).

وقبل التطرق للنسخة الفلسطينية الأصيلة المميزة كنموذج للوطنية المتطرفة حد الثمالة، نُعرّج على نموذجٍ آخر للشخصية الوصولية الانتهازية جسّدها الأدب والفن، وهي شخصية (محجوب عبدالدايم) في رواية (القاهرة الجديدة) لنجيب محفوظ، التي أُخرجت فيلماً سينمائياً باسم (القاهرة 30) لصلاح أبو سيف، الرواية تتحدث عن فكرة الوصولية في ظل الأنظمة السياسية الفاسدة المستبدة، وذلك عبر إلقاء الضوء على شابٍ متسلّق يطمح إلى الوصول إلى عالم الأثرياء بأي ثمن، وكان هذا الثمن هو الزواج من فتاة يشاركه فيها مسؤول بارز في الحكومة، مقابل تعيينه في وظيفة كبيرة... وتصل القصة إلى نهايتها في افتضاح أمرهم جميعاً، وانهيار أحلام الشاب بالثراء السريع بأي ثمن ضارباً عرض الحائط بكل المبادئ والقيم والأخلاق ومعايير الشرف والرجولة.

إذا كانت شخصيتي محروس ومحجوب السابقتين تم تجسيدهما في الأدب الروائي والفن السينمائي، فإن شخصية (كمبورة) نموذج مشابه صوّره الكاتب الساخر أحمد رجب بقلمه المبدع، فرسم صورة رجل انتهازي وصولي استطاع أن يصل إلى مقاعد السلطة بالطرق الفهلوية، والدروب الالتفافية، والوسائل الإعوجاجية، مستخدماً كل فنون النفاق ومهارات التزلف والاسترزاق.... حتى نال ما تمناهُ، ووصل إلى مبتغاهُ، وبلغ الحد الذي رجاهُ.. فأصبح في مكان مكين عند أصحاب السلطة والتمكين، فأسرع في جمع الملايين، وأضحى من أصحاب الرزق الموفور، ولم يهتم إن كان يدخل في باب المحظور، أم كان من الرزق المباح المغفور.

بعد شخصيات محروس ومحجوب وكمبورة آن الأوان ليكون لنا – نحن الفلسطينيين- شخصيتنا الوصولية الانتهازية الخاصة، انسجاماً مع تراثنا الشعبي، وحفاظاً على نضالنا الوطني، وفي هذا السياق جاءت شخصية (دعيس)، ودعيس في الأصل شخصية عصامية، وصلت إلى القمة بجهدها الخاص، ولم تستعن بأي رئيس أو مرؤوس، وقد تقدّم على جميع منافسيه من كبار (السحيجة)، وتفوّق على جميع خصومه من (الطبيلة)، وصرع معظم حُساده من عتاولة (الهتيفة). ولم يكن ليغلب كل هؤلاء المساكين، ويصبح من عباقرة المُنظّرين لنظرية التمكين، لو لم يكن قد أدخل تعديل جوهري على أفكاره القديمة ( العفنة)، لتصبح أقرب إلى النفعية وفي قاع الانتهازية، وبدون أن يترك مبادئه العتيقة (النتنة) ليستبدلها بأخرى وصولية نابعة من أصل الميكافيلية.

فإذا قلنا بعد ذلك أن دعيس الفلسطيني ونظرية النفعية هما وجهان لجوهرٍ واحد وصفه إبراهيم الفقي- أستاذ التنمية البشرية- بالوصولية وهي "اتخاذ الإنسان لمواقف سياسية أو فكرية لا يؤمن بها من أجل تحقيق مصالح فردية وشخصية، وفيها تضحية بالمبادئ من أجل تحقيق المصالح ". ودعيس الفلسطيني تميز عن غيره بأنه سريع الهبش من المال العام سواء بالهبش المباشر كتحويل ملايين الدولارات في حسابات خاصة بالخارج، وشراء العقارات من الشقق والأراضي، أو الهبش غير المباشر بتعيين الأحباب من الذرية والأصحاب، في مناصب رفيعة ومراكز غير وضيعة، وكل ذلك مقابل شيءٌ يسير وليس بكثير؛ غطاءٌ شرعي لما يقوله أو يفعله الرئيس، بما انه بتاع الرئيس- ولي نعمته وصاحب الفضل عليه- ويتبعها بإصدار الفتاوى الشرعية التكفيرية والتصريحات الوطنية التخوينية ضد كل الخارجين على الشرعية والمغردين خارج سرب الوطنية من خصوم سيادته غير الأخيار والمارقين الأشرار.