جمال خاشقجي.. إلى أن تتضح طريقة الخروج...غسان زقطان

الإثنين 15 أكتوبر 2018 11:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ليس من السهل الدخول في الفوضى العارمة التي تحيط بقضية اختفاء الإعلامي السعودي "جمال خاشقجي". الرجل الذي تبخر تماماً بعد دخوله بوابة قنصلية بلاده في العاصمة التركية.
هذا، تقريباً، الخبر الموثوق الوحيد الذي يمكن احتسابه. فيما بعد سيتدخل "مسؤولون" دون ملامح، و"مصادر موثوقة"، وسنحصل على وصف دقيق لتقنيات شركة "أبل" التي صنعت الساعة التي يضعها خاشقجي على معصمه.
ستصل طائرات "خاصة" لمطار إسطنبول ويهبط منها خمسة عشر رجلاً بحقائب شخصية، وبينما كان خاشقجي يتوجه نحو القنصلية برفقة خطيبته "خديجة"، والتي سيعلن الرئيس الأميركي "ترامب" نيته الالتقاء بها، كانت سيارات سوداء بزجاج أسود تتجه نحو القنصلية، وحين كان الرجل يقلب وثائق "زواجه" من خديجة في سيارته، كان الرجال الذين هبطوا من الطائرات الخاصة يتحسسون "أدوات القتل" في حقائبهم!
رواية "خديجة" تذهب أبعد، فقد كان الرجل يصرخ في ساعة "أبل" المتصلة بهاتفه الشخصي الذي بقي معها في السيارة!
هناك روايات جانبية كثيرة كانت تطفو على الواجهة في شكل "أخبار عاجلة"، قبل أن تختفي مثل فقاعات فارغة وقصيرة العمر والأمل. روايات محمولة على مخيلة واسعة تبعث بأفكارها نحو المشهد وتغرقه بالتفاصيل القاسية، تخدير ومشادات واشتباك جسدي ومناشير. في الموجة الثالثة ستصل خرائط تقترح أماكن الدفن.. حديقة بيت القنصل السعودي، إضافة إلى موقعين آخرين في "إسطنبول"!.
تحت هذا الغبار يتراجع المصدر الأول لمعلومة "القتل"، وهو أحد مستشاري الرئيس التركي "أردوغان"، ولكن الأمر لا يتوقف، فقد خرج الأمر تماماً عن السيطرة وصعد الجميع أشجاراً عالية، ويقلل خبير تقني من أهمية تقنيات "ساعة أبل"، ويتضح أن الشاب بالروب الأبيض الذي شوهد وهو يدخل بيت القنصل هو نجله العائد من جامعته حيث يدرس في كلية الطب، وليس الطبيب المشرف على تقطيع جسد خاشقجي... وثمة من يقول إن الخمسة عشر "عميلاً" الذين نشرت صورهم ليسوا سوى "سواح" وصلوا مع عائلاتهم! 
الأتراك قادوا "الأزمة" ببراعة حقيقية، تجاوزوا الانفعال السطحي واستخدموا لغة دبلوماسية واضحة، كانت مطالبهم مهنية.. تفتيش القنصلية وبيت القنصل قبل كل شيء. واحتفظوا بمعلوماتهم في حدود من السرية المسيطر عليها، ولم يكن لديهم، في نفس الوقت، مانع من وجود لجنة سعودية تركية لمتابعة التحقيق. المعلومات التي سربوها خلقت مظلة من الضغوط بحيث تأتي من الرأي العام العالمي، في معظمها، وليس من داخل غرف التحقيق أو وزارة الخارجية.
لم يخرج "جمال خاشقجي" من القنصلية، وليس هناك ما يثبت ذلك، ولن تتأكد الروايات الكثيرة، بما فيها تلك الممتلئة بخيال أفلام الرعب، إلا في فهم طريقة خروجه، وهذا أمر لن يطول، سواء في الحقائب أم عبر أبواب سرية وأنفاق، هناك من تحدث عن أنفاق سرية، وستشكل طريقة الخروج تلك، زلزالاً سينعكس على المنطقة وعلى التحالفات والخطط المرسومة لمصيرها ومصائر لاعبين رئيسيين، ولكن الحقيقة التي يمكن احتسابها - إلى أن يتضح المشهد - هي السقوط المدوي للإعلام العربي.