أزمة كبرى...حسين حجازي

السبت 13 أكتوبر 2018 12:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
أزمة كبرى...حسين حجازي



ربما لم نشهد على مدى العقود الطويلة الماضية منذ إنشاء المملكة العربية السعودية، ان واجهت المملكة مثل هذه الأزمة الدولية الحادة التي تبدو اكبر من كونها مجرد زوبعة عابرة، وانما هي اقرب ما تكون الى عاصفة او تسونامي سياسي لم يسبق له مثيل يضرب هذه المملكة العظيمة. التي طالما حماها موقعها الجغرافي في الصحراء وثروتها فيما بعد، من قدرة الجيوش الغازية على اختراق مناعتها الجغرافية.
وقد مر وقت بعد رحيل الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر ان تحولت هذه المملكة أولاً بدءاً من عهد المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي اغتيل، الى ان ننظر اليها نحن الفلسطينيين والعرب عموماً باعتبارها عاصمة القرار العربي. وطالما أقامت هذه الترويكا او السيبة الثلاثية او الحلف الذي ضمها مع مصر وسورية في قيادة العالم العربي. 
لقد كانوا ملوكا أذكياء وحكماء استطاعوا ادارة دفة دولة مترامية الأطراف على مدى مساحة شبه الجزيرة العربية، استطاعوا النأي بالمملكة عن النزاعات الاقليمية التي كانت تغلي بها المنطقة. وإرساء هذا التقليد الدبلوماسي الذي يعتبر مدرسة سعودية خالصة، الذي وصف في ذلك الحين بسياسة او دبلوماسية « الأقدام الثقيلة « او البطيئة. وهذه الدبلوماسية عمادها الاستقرار السياسي طوال الوقت.
وبهذه الحصافة والاستقرار السياسي الذي يمتزج بنزعة راسخة في الحفاظ على الثوابت والأهداف العربية دونما مفاجآت او خضات او اهتزازات، فقد ادرك الفلسطينيون منذ صعود حركة فتح وقيادة عرفات اهمية هذه العلاقة الاستراتيجية مع ملوك السعودية، وهو الموقف الذي واصل اتباعه الرئيس ابو مازن الى الآن. ويستطيع القارئ ان يلحظ انه عندما اثير اللغط عن التطبيع مع إسرائيل في الفترة الاخيرة، فان هذا الثابت في السياسة السعودية تجاه فلسطين ظل هو المبدأ الثابت الذي يوجه السياسة السعودية التي أرساها أسلاف الملك سلمان بن عبد العزيز، وهذا المبدأ قوامه عدم التدخل في شؤون الفلسطينيين الداخلية، وان السعودية توافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون. نقطة وأول السطر.
وقد كنا شهوداً في سنوات السبعينات والثمانينات بوجه خاص، حين كانت السعودية تلعب قبل الحوار الفلسطيني الاميركي دور القناة الخلفية والوسيطة بين الفلسطينيين مع الادارات الاميركية، التي كانت ترفض الاتصال المباشر مع منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت، حيث نظر الفلسطينيون الى السعودية ليس بوصفها فقط عاصمة القرار العربي لكن وعاصمة القرار الاسلامي على حد سواء.
وكانت المبادرة العربية للسلام وهي مبادرة سعودية بالاساس طرحها الملك عبد الله بن عبد العزيز العام 2002، هي التي لا تزال المبدأ الذي يمثل موقف الإجماع العربي والإسلامي تجاه السلام وإقامة أي علاقات مع إسرائيل. فما الذي حدث حتى حدوث هذا التحول العاصف في الأزمة الدولية الراهنة، التي نشهد تصاعد ذروتها هذه الأيام واستدعى التطرق الى هذه المقاربة الآن؟. 
وهي أزمة تضع لأول مرة منذ الحلف الاستراتيجي الذي أقامه الملك المؤسس عبد العزيز باتفاقه التاريخي والشهير عام 1945 مع الرئيس الأميركي روزفلت، والذي استمر منذ ذلك الحين الى الآن باعتباره أي التحالف الأميركي السعودي احد القواعد الثابتة في هذه المنطقة، مثلما هو التحالف الاستراتيجي الذي أقامته أميركا مع شاه ايران وإسرائيل بصورة موازية ومتداعمة في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الاوسط. 
وبحيث يبدو من الواضح ان ادارة الرئيس ترامب مع الكونغرس والصحافة الأميركية هم الذين ينفخون النار في كرة اللهب، تغذية لهذه الأزمة الى الحد الذي يرتسم عنده السؤال حول مستقبل هذا التحالف الاستراتيجي، الذي كان بمثابة خط احمر على مدى السبعين عاماً الماضية، وان كانت هذه الأزمة غير المسبوقة في العلاقة بين واشنطن والرياض هي المحك التاريخي الذي يطرح الآن مدى إمكانية بقاء هذا التحالف قائماً في المستقبل.
ويعرف القارئ ان ما حدث هو نتيجة التداعيات الدراماتيكية التي لا زالت حتى كتابة هذه الأسطر تثير انفعالنا وأعصابنا، والتي جرت كفصل مأساوي وحزين منذ اكثر من عشرة ايام مع اختفاء الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول ولم يخرج منها بعد. ومنذ ذلك الوقت تجري عملية واسعة النطاق وربما لا سابقة لها من الضخ الإعلامي العالمي، الذي يتغذى على تسريبات ومعلومات لم يبق جهاز مخابرات في العالم لم يدل بدلوه في هذه القصة المأساوية. 
وفي هذا الصدد فان جوانب الأزمة كانت قد بدأت فعليا في الفتور الذي حدث بين السعودية وإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما، حين فضل هذا الأخير المصالحة مع إيران. ولكن لئن اعتقدوا في أيار العام 2017 في الرياض ان دونالد ترامب هو الصديق الحقيقي والمنتظر، فانهم سيتوصلون الى الحقيقة التي توصل اليها الفلسطينيون والجميع حول العالم بان ترامب هو المصيبة العامة وبالذات للسعوديين، الذي لا يرى في السعودية سوى انها بقرة حلوب تدر المال وعليها ان تدفع كنوع من الابتزاز العلني والفظ.
وقد يكون هذا الغضب الأميركي الذي يشعل النار وشبه الانقلاب الاستراتيجي والتاريخي على التحالف مع السعودية، سببه ايضا ان الملك سلمان الذي عقد مؤتمر القمة العربية الأخيرة في بلاده واسماه قمة القدس، قد اربك حسابات ترامب فيما يتعلق بخطته المسماة صفقة القرن. وانه رفض التجاوب مع ما يرفضه الفلسطينيون محافظاً على هذا الإرث التقليدي، الذي سار عليه أشقاؤه السابقون، ما أثار حفيظة ترامب.