هل النظام العربي «تابع»؟! محمد ياغي

الجمعة 12 أكتوبر 2018 12:00 م / بتوقيت القدس +2GMT



الادعاء بأن النظام العربي الرسمي "تابع" للغرب ولا يمتلك من إرادته شيئاً وهو بالتالي عاجز عن الدفاع عن قضاياه هو ادعاء في غير محله رغم "هيمنته" على عقول الكثير من العرب. 
في البحث عن الخلل في النظام العربي الرسمي هنالك فكرة "العداء للغرب" التي تفترض أن سبب كل الكوارث التي حلت في العالم العربي مصدرها جهة غير عربية، حاقدة على العرب. 
حتى يصمد هذا التحليل يجب تجريد النخب العربية مما يسمى الاجينسي (agency): القدرة على التفكير والتخطيط والاختيار والفعل. تجريد النخب من ذلك يحولهم أدوات في يد غيرهم لا حول ولا قوة لها.
علينا أن نعترف بأن هذه الفكرة فيها بعد ديني ـ ثقافي ـ مُسيس. القول إن العرب الرسميين هم مجرد جنود على رقعة شطرنج يحركها لاعبون غربيون، لا يقصد فيها تبرئة النظام العربي الرسمي من مسؤولياته، ولكن الادعاء بأن الغرب لا يزال هو القوة التي تتحكم في مصائر العرب. 
الادعاء يتم تعزيزه بالقول إن الأنظمة التي رفضت التعاون مع الغرب قد تم إسقاطها أو إضعافها بالقوة المسلحة الغربية. الأمثلة التي تساق هي العراق وليبيا وسورية.
هنالك جانب من الصحة في مثال العراق، بصرف النظر عن كون نظام صدام حسين كان من أكثر الأنظمة دموية في التاريخ العربي الحديث وبالتالي هنالك انقسام حقيقي بشأنه في العراق. بمعنى آخر، ما كان للتدخل الخارجي أن يتم لو أن نظام صدام كان يتمتع بتأييد غالبية العراقيين. 
لكن في المثالين الليبي والسوري، الصورة مختلفه: نظام العقيد القذافي كان على علاقة جيدة  بالغرب: دمر مفاعله النووي كما طلبت أميركا وقام بالتعويض عن سقوط طائرة لوكيربي المدنية التي كان متهماً بإسقاطها، وقام بتغطية تكاليف حملة ساركوزي الانتخابية. 
التدخل الغربي لإسقاطه لم يتم على قاعدة عدائه للغرب، ولكن بسبب تضخيم "العرب الرسميين" ما قيل إنه حملة من القذافي لإبادة معارضيه الذين ثاروا على حكمه.
في الحالة السورية، الحرب الأهلية استعرت فيها بسبب صراع إقليمي وليس بسبب التدخل الغربي. 
التدخل الغربي كان لاحقاً للصراع الإقليمي على أرضها بين إيران وحلفائها من جهة، والمعارضة وحلفائها العرب من جهة أخرى. 
الغرب تدخل بشكل محدود فيها حتى لا يخسر حلفاءه الإقليميين الذين كانوا يطالبونه بالتدخل وإسقاط النظام السوري. 
في الحالتين الليبية والسورية، لا يبدو العرب الرسميين كلاعبين مغلوبين على إرادتهم، ولكن كأصحاب قرار يأمل الغرب من خلال تدخله أن يتمكن فيها من إرضائهم دون الكثير من الخسائر. 
لكن هنالك أمثله قريبة زمنياً تثبت أن العرب الرسميين لا يمتلكون فقط إرادتهم، ولكنهم قادرون على فرض شروطهم على الغرب أيضاً. 
عندما قام وزير الخارجية الألماني في بداية السنة الحالية بانتقاد حالة حقوق الإنسان في العربية السعودية، قامت الأخيرة باستدعاء سفيرها من برلين ولم تقم بإعادته إلا بعد حصولها على اعتذار رسمي وعلني من برلين. 
عندما قام السفير الكندي بانتقاد الحكومة السعودية على خلفية ما قيل إنه اعتقال لناشطة سياسية، قامت المملكة بطرد السفير الكندي والتهديد بسحب ما يقرب من ١٢ ألف من طلابها كانوا يدرسون في الجامعات الكندية. لا نعرف ماذا سيكون مصير العلاقات الكندية السعودية، لكنها قد تنتهي باعتذار كندي.
في الحالتين الألمانية والكندية، بقي "الغرب" محايداً ولم تجرؤ حكوماته على إعلان التضامن مع برلين أو أوتاوا خوفاً على مصالحها في العربية السعودية. 
يجب الإشارة هنا إلى أن العربية السعودية قد بررت ما قامت به، بأن هذه الدول تدخلت في شؤونها الداخلية. 
لو كان الغرب حقيقة يمتلك تحريك الأنظمة العربية الرسمية كما يحرك لاعبان الحجارة على رقعة شطرنج، هل كان سيسمح أصلاً، بأن تقوم العربية السعودية بما قامت به.
النظام العربي الرسمي ليس بتابع، وإن كان كذلك، فإن السبب يجب البحث عنه في مصالح النخب الرسمية، وليس لغياب قوة الإرادة والفعل لديها. 
الآن تخيلوا لو أن هذا النظام الرسمي قد قرر الانتصار لقضية القدس بسحب سفرائه من واشنطن أو بإلغاء عقود السلاح معها، أو بالتهديد بسحب ودائعه من بنوكها، هل كانت أميركا ستجرؤ على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟
الجواب هو لا كبيرة. 
العرب الرسميون قادرون على الانتصار لقضايا أمتهم لو أرادوا، لكنهم لا يفعلون ليس بسبب غياب الإرادة لديهم، كما يدعي أصحاب نظرية "التبعية" ولكن لأنهم لا يرون أن في ذلك مصلحة لهم. 
في علاقتهم مع الغرب ينطلق العرب الرسميون في حساباتهم من تقدير لمصالحهم الضيقة وليس من تقدير لمصالح أمتهم الأوسع. 
في الحسابات الضيقة يسأل الرسميون، هل هذا الموقف يفيدنا ويعزز مصالحنا، أم يتعارض معها. 
السؤال المتعلق بمصلحة "الأمة"، بمعنى آخر، مصلحة العرب، لا يكون حاضراً على طاولة صانع القرار. 
هذا يعيدنا إلى أصل الأزمة في العالم العربي: الأزمة عند العرب هي في نخبهم السياسية، وما لم تغير هذا النخبة من سلوكها فإن مصالح العرب ستبقى خارج حسابات الدول الأخرى، غربية كانت أم شرقية.
بالمحصلة العرب الرسميون، ليسوا تابعين، ولكن أصحاب قرار، وإرادة وفعل، لكن هذه الخصال تظهر فقط عندما تكون القضية متعلقة بمصالحهم هم وليس بمصالح شعوبهم وأمتهم.