خطاب العجز وغياب الاستراتيجية

الإثنين 01 أكتوبر 2018 10:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT
خطاب العجز وغياب الاستراتيجية



في تشرين الثاني 1974، سمع العالم للمرة الأولى صوت فلسطين من فم فلسطيني، رئيس (م. ت. ف) في حينه ياسر عرفات، الذي وقف أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة يصدح "جئت إليكم، وأنا أحمل بندقية الثائر بيدٍ وغصن الزيتون باليد الأخرى"، وأضاف "أناشدكم ألا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي"؛ هذه الجملة حفرت في الوعي الوطني الفلسطيني، وصفق لها العالم.

44 عامًا مرت على هذا الموقف ، وإذا درسنا كل الشعارات والأحداث الكثيرة التي وقعت منذ ذلك الحين؛ فيتبيّن أن الفلسطيني ما زال موجودًا في نفس الموقع ونفس المكانة: بدون دولة وبدون حق لتقرير المصير، بانتظار التدخل الدولي.

خطاب عباس، مساء الخميس الماضي في الجمعية العمومية، كان تعبيرًا واضحًا عن العجز وعن غياب الاستراتيجية. خلافًا لعرفات الذي حافظ دائمًا على الأرانب في قبعته، للأفضل أو للأسوأ؛ فإن عباس تنازل منذ فترة عن خيار البندقية أو عن التهديد بالفوضى، وحسب رأيه فالبندقية لن تحقق شيئًا في الظروف الراهنة سوى جلب الدمار وسفك الدماء، هو يواصل التلويح بغصن الزيتون، ويشرح المرة تلو الأخرى بأنه ضد "العنف والإرهاب"، وأنه مع المفاوضات الموضوعية التي تؤدي إلى سلام وقيام  دولة في حدود 1967.

إن من سمع وتابع خطابات عباس في السنة الاخيرة يكتشف بوضوح أنه في خطاب الخميس الماضي لا توجد أمور جديدة ولا توجد مفاجآت، كذلك الحديث عن قانون القومية لم يأتِ بجديد، وعباس أظهر اكثر من مرة عدم ثقته بالإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب، أيضًا مقولة الرئيس الأمريكي بشأن الدولتين لم تحظَ برد مباشر.

في سلة الأدوات القليلة التي بحوزته، يحتفظ عباس بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني، التي ذكرها أيضًا في خطابه، من ناحيته فإن التنفيذ الفعلي  لقرارات المجلس التي مؤداها إلغاء اتفاقات أوسلو والاعتراف المتبادل؛ يقف على جدول الأعمال، لكنه ومن يحيطون به يدركون أن هذا التهديد تقلصت أهميته، ولم يعد يحدث أي انطباع على رؤساء المجتمع الدولي. وإذا كان هذا لا يكفي، فوضع عباس في الساحة الداخلية الفلسطينية ليس رائعًا؛ محادثات المصالحة الأخيرة وصلت إلى طريق مسدود، وبدلًا من إظهار جبهة واحدة (على الأقل أمام العالم في الساحة الدولية)، فإن حماس وفتح منشغلون مؤخرًا في حرب تبادل اللكمات والاتهامات؛ هكذا لا يبنون دولة.

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو التقط جيدًا هذا العجز وغياب الاستراتيجية؛ المسألة الفلسطينية اختفت تمامًا تقريبًا من الأجندة في خطابه الأخير بالجمعية العمومية، والرئيس الفلسطيني لم يتخذ أي موقف أو خطوات كان يمكنها إجبار نتنياهو على إدخال تعديل على خطابه، والتطرق لهذا الأمر باهتمام. من ناحية رئيس الحكومة الإسرائيلية، فان إسرائيل تسيطر على الفلسطينيين بيد قوية، سواء في الضفة أو في القطاع، أحداث الجدار وحتى مواجهة أخرى مع حماس؛ لن تغير قواعد اللعب، وفعليًا لا يوجد هناك أي رافعة ضغط محتملة هامة يمكن أن تقود إلى تغيير في سياسة إسرائيل.

التلويح بخطر الزيادة الديمغرافية للفلسطينيين لا يشكل عاملًا في نظام اتخاذ القرارات في إسرائيل، الوسائل التكنولوجية والتفوق الكبير في كل المجالات لإسرائيل على الفلسطينيين ستمكنها من السيطرة عليهم لأجيال، وليضرب أحفاد الأحفاد رؤوسهم بالحائط.

من ناحية نتنياهو، فإن عباس ومن سيأتي بعده يمكنهم العودة إلى الجمعية العمومية، المرة تلو الأخرى، والتلويح بمطالبتهم بدولة. مع الإدارة الأمريكية واللامبالاة الدولية من جهة، والسذاجة المعتادة للعالم العربي من جهة أخرى؛ لا يوجد لإسرائيل ما تخاف منه. عباس ظهر في خطابه متعبًا، لقد سعل طوال الخطاب وتحدث بصورة ثقيلة، للأسف الشديد، وضعه الصحي يعبّر عن وضعه السياسي.

غصن الزيتون الذي رفعه عرفات قبله، والذي يمسك به أبو مازن منذ 14 سنة، يمكن أن يتعفن ويتفتت، ولن يتأثر أحد.

أما اللواء احتياط ايلي بن مئير فقد كتب يقول "رغم محاولة أبي مازن تشجيع الأسرة الدولية على استئناف دورها في النزاع، فإنه حرص على ألا يحطم الأواني، فلم يعلن عن خطوات من جانب واحد، كوقف التعاون الوثيقة بين أجهزة الأمن، والذي له أهمية كبيرة في إحباط الإرهاب والعمليات المضادة وفي تنسيق الأعمال الميدانية، وقد أبدى نهجًا صارمًا ضد خصومه في الداخل: حركة حماس".

وفي مقال نشرته "معاريف" يضيف "في ضوء الطريق المسدود الذي توجد فيه السلطة، فإن عباس يرى في التسوية في قطاع غزة تهديدًا حقيقيًا على حكمه، وانتصارًا لطريق العنف والإرهاب، وهو يعمل بكل السبل على منع اتفاق مهم بين إسرائيل وبين حماس، ومنع أي دور قطري في القطاع. وبالتوازي يحاول أن يقول للسكان في الضفة بأن الوضع ليس سيئًا مثلما يبدو، وأن للسلطة إنجازات عديدة".

وعن خلفية اللقاءات التي جرت بين رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت ورئيسة المعارضة تسيبي ليفني مع أبي مازن خلال الأسبوع الماضي، يوضح "إضافة إلى الجوانب السياسية لهذه اللقاءات؛ توجد هنا محاولة للبث لأبي مازن بأنه لا يزال شريكًا، ومنعه من اتخاذ خطوات تصعيدية".