التربية قبل التعليم...عبد الناصر النجار

السبت 22 سبتمبر 2018 12:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
التربية قبل التعليم...عبد الناصر النجار



«قــم للـمـعـلـم وفـه الـتـبجيلا          كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي       يبني وينشئ أنفساً وعقولاً» 
أحمد شوقي
وجاء في الأمثال الشعبية "من علمني حرفاً كنت له عبداً"

العلم أساس تقدم المجتمعات، فهو الفيصل بين حضارة منيرة وأخرى مظلمة، وهو العامل الأساس لصياغة علاقات مجتمعية سليمة أو البقاء في عصر الظلام والجهل.
المعلم هو الإنسان الذي يتولى مسؤولية إضافية كبيرة في إيصال المعلومة الناطقة والمؤثرة والقادرة على بناء الأجيال وتمكين المجتمعات وتقوية حضارتها.
هنا نستذكر أيضاً، مقولتين، الأولى للفيلسوف والشاعر جبران خليل جبران الذي يقول "تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة: فلاح يغذيها، وجندي يحميها، ومعلم يربيها".
أما المقولة الثانية فهي للإسكندر المقدوني الذي يقول "أنا مدين لوالدي لأنه أمن لي الحياة، ومدين لمعلمي لأنه أمن لي الحياة الجديدة".
قبل خمسين عاماً ومنذ الصف الأول، كنا نعتقد جازمين أن للمعلم هالةً ملائكيةً فلا يجوز التقليل من شأنه، بل يجب احترامه، ولو كان هذا الاحترام قائماً على الانزواء جانباً إن مرّ الأستاذ في الطريق التي تكون فيها.
كان المعلم يترك بصماته على تشكيلنا التربوي قبل التعليم، وكان له أثر في تهذيب أنفسنا، حتى مفهوم العقاب البدني في حينه لم يكن الهدف منه العقاب لمجرد العقاب، فلم نسمع عن معلم ضرب تلميذاً لأنه لا يروق له أو يكرهه، فالعقاب كان في سبيل تحسين تحصيله العلمي... بصرف النظر عن صوابية أو خطأ العقاب البدني.
ما زلنا نذكر قصصاً تراثية كيف كان الآباء يحضرون إلى المدرسة بعد أن تتم معاقبة أبنائهم، لم يعتدوا على المدرسين حينها، ولم تأخذهم عصبية قبلية، ولا غضب ليس له مبرر. كان الحد يصل في بعض الآباء لمخاطبة المعلم "اكسر ونحن نجبر" ليس بمعنى إعطاء الضوء الأخضر للعقاب الشديد وإنما على قاعدة أنه في سبيل العلم والتعلم كل شيء مباح للمعلم.
الصورة تغيرت، وفي كثير من الأحيان تظهر أكثر سوداوية مما نعتقد. التنمر في المدارس أصبح ظاهرة والعشائرية والمناطقية تجمع شللاً فاشلةً في بعض الأحيان، ما يتسبب في خراب التعليم.
لسنا مع العقاب البدني، مع أن مدارس في الغرب أجازت للمعلم استخدام العقاب البدني المعتدل غير الضار جسدياً، لكن عندنا بات كثير من الطلبة المتنمرين يعتقدون أن عدم وجود العقاب يعطيهم ضوءاً أخضر لأن يفعلوا ما طاب لهم على طريقة "مدرسة المشاغبين".
عندما أوصل ابني إلى مدرسته بت ألاحظ أن مجموعة من الطلبة تدخن قرب المدرسة، مزاحهم همجي ضرب وركل... وفي بعض الأحيان يتطور إلى "طوشه" جماعية.
في العام الماضي شاهدت تدخل الشرطة أكثر من خمس مرات لفض الشجار بين فئات طلابية من مخيم مجاور وطلاب إحدى القرى في هذه المدرسة. كنت أتوقع أن تدخل الشرطة سينهي هذه الظاهرة.. ولكن يبدو أن العكس هو الصحيح.
المعلمون لم يعودوا قادرين على ممارسة دور قد يؤدي بهم إلى الاستجواب أو التحقيق إذا ما كانت هناك حتى إساءة نفسية للطلاب. هل نسيتم قصص الطلبة الذين ذهبوا إلى الشرطة للشكوى ضد مدرسين بحجة الضرب. أو طلبة صوروا مدرّستهم وهي تعاقب طالبة وتطلب منها الوقوف إلى جانب الباب.. الأكثر من ذلك أن طالباً يتعرض للعقاب المعنوي لأنه فاشل أو تسبب في شغب داخل الصف بات يحضر والده أو شقيقه أو أفراداً من عائلته للأخذ بالثأر.
ما حصل في مدرسة ذكور رام الله الثانوية قبل أيام ليس استثناء لأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على مدرسين أو مدير مدرسة. فقد حصل ذلك سابقاً ووزارة التربية تعلم ذلك.
الغريب في اعتداء رام الله أن المشاركين فيه استخدموا أسلحة شملت عصياً كهربائية، وقاذفات فلفل، وجنازير، وأن الاعتداء كان مبيتاً ومنظماً بمشاركة مجموعة من الأشخاص. ضربوا كل من حاول مواجهتهم أو وقف اعتداءاتهم، حتى مدير المدرسة الذي يشهد له أنه من أفضل المديرين الذين تمكنوا من الإمساك بزمام هذه المدرسة، التي يقال إنه من الصعب على أي مدير أن يتمكن من ضبطها، تم الاعتداء عليه.. المشكلة الأساسية هي في الثقافة الجديدة. ثقافة المرئي والإنترنت والموبايل... كلها شكلت شخصية خطيرة في بعض سلوكياتها دون أن يكون هناك رادع من العائلة أو على الأقل تحسينٌ للثقافة المكتسبة من وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
لن يكون هناك تعليم جيد قبل أن تكون هناك تربية صالحة قائمة في الأساس على احترام الغير وتقبّل الآخر وحسن الاستماع وتقبل النقد والامتثال للقوانين، ابتداء من القيم الأساسية داخل البيت التي تحكم العلاقات بين الأبوين وأبنائهما وليس انتهاء بالتربية الجيدة للتفاعل خارج المنزل.
للأسف السلوكيات التي نشاهدها خارج المدارس خطيرة، وستكون لها عقوب لن تظهر الآن ولكن ربما بعد سنوات، سلوكيات تبدأ بالتسكع والتحرش اللفظي ولا تنتهي "بالطوش الجماعية".
المطلوب أن يأخذ القانون مجراه وأن تكون هناك عقوبات مشددة كما حصل في مدرسة ذكور رام الله الثانوية، حتى تكون الحادثة عبرة لمن يعتبر، وليس سابقة لما هو أسوأ.
أخيراً نتذكر ما قاله بيل غيتس، أغنى رجل في العالم، عن المعلم: "التكنولوجيا مجرد أداة فيما يخص تحفيز الأطفال وجعلهم يعملون معاً، ولكن المعلم هو الأهم".!!!
abnajjarquds@gmail.com