الدب الذي تعوّد على الإهانة..محمد ياغي

الجمعة 21 سبتمبر 2018 02:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
الدب الذي تعوّد على الإهانة..محمد ياغي



بعد مُضيّ عدة ساعات على تحميل إسرائيل مسؤولية سقوط الطائرة الروسية ــ التي كانت تقل عدداً من الضباط والجنود في سورية ــ من قبل مسؤولين روس كبار في وزارة الدفاع، خرج الرئيس الروسي بوتين ليعلن بأن ما حدث كان نتيجة "لسلسلة ملابسات مأساوية عارضة " مخففاً بذلك من حدة اللهجة تجاه إسرائيل ومن أي تصعيد محتمل معها. 
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتجرع فيها الدب الروسي الإهانة ويصمت.
في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بقصف مواقع في سورية فإنها تُهين روسيا وتقلل من قَدرها وقُدرتها في نظر شعوب منطقة الشرق الأوسط. 
كيف يمكن أن تصدق هذه الشعوب وفي مقدمتهم الشعب السوري، بأن روسيا موجودة على أراضيه "لحمايتهم" من الإرهاب، بينما تقوم إسرائيل بتدمير بنيتهم العسكرية وقتل جنودهم أمام أعين من يدعون بأنهم يحاربون إرهاب الجماعات المتطرفة. 
إسرائيل ليست الوحيدة التي أهانت روسيا. أميركا ترامب فعلتها على الأقل ثلاث مرات: مرتان عندما ادعت بأن نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه وقامت بقصف مطاراته ومواقع عسكرية تابعة له، ومرة أخرى عندما أبادت طائراتها الحربية اكثر من ستين جنديا سوريا في دير الزور قالت إنها فعلت ذلك عن طريق الخطأ بيما كانت رسالة تحذير مقصودة بأن عليها أن لا تقترب من أراضيها التي تسيطر عليها أميركا.  
تركيا أيضاً تجرأت على إسقاط طائرة عسكرية روسية دخلت أجواءها بالخطأ لمدة ثوانٍ معدودة. 
إذا كان الجيش السوري ومنشآته بلا قيمة بالنسبة لروسيا، فإن البعض كان يتوقع على الأقل أن يدافع "الدب" عن طائراته وعن جنوده، لكن لا يبدو أيضاً بأن لها قيمة  في نظر الحكومة الروسية.
أكثر ما تقوم به روسيا هو أنها تعمل على استغلال "امتهان كرامتها وهيبتها"، مقتل جنودها وسقوط طائراتها، للحصول على مقابل سياسي من الدول التي تهينها.
لكن ماذا كسبت روسيا من كل ذلك؟
وعود من قبل إسرائيل بأنها ستضغط على الكونغرس الأميركي حتى يقوم برفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا مقابل السماح لها بحرية العمل العسكري في سورية؟
وعود من قبل إدارة ترامب بأنها ستنجح في نهاية المطاف بإقامة تحالفات مع روسيا على حساب أوروبا؟ 
وعود من تركيا بأنها لن تعمل على دعم الجماعات المتطرفة في سورية لقتال الروس؟
الوعود التي حصلت عليها روسيا كثيرة، لكنها بقيت وعوداً ولم تترجم الى مكاسب سياسية.
لا إسرائيل تمكنت من التأثير على الكونغرس الأميركي، ولا إدارة ترامب نجحت في التأثير على مؤسسات الدولة الأميركية لتغير سياساتها تجاه روسيا على حساب أوروبا. 
المكان الوحيد الذي حققت فيه روسيا بعض المكاسب هو تركيا. وهي لم تحقق تلك المكاسب بفعل قبولها بتجرع إهانة طائراتها العسكرية، ولكن بفضل سياسات ترامب المعادية لتركيا، وتحديداً دعمه للأكراد في شمال سورية علي حساب الدولة التركية ومن ثم فرضه عقوبات اقتصادية عليها. بمعنى آخر، غباء أميركا ترامب الشديد هو من أجبر تركيا على الاقتراب أكثر من روسيا والتعاون معها، وليس سياسات روسيا الذكية!
الحقيقة بأن روسيا تجرعت الإهانة تلو الأخرى في سورية وتصرفت خلال كل ذلك بأدب الدولة الضعيفة التي تخشى من الدفاع عن نفسها خوفاً من أن ينكشف ضعفها وقلة حيلتها في ساحة المواجهة العسكرية.
عندما تقول وزارة الدفاع الروسية صراحة بأن "الطائرات الإسرائيلية وضعت الطائرة الروسية في مسار الخطأ" وبأن "إسرائيل لم تُعلم روسيا بغاراتها عن طريق الخط الساخن بينهما إلا قبل دقيقة من حدوث الهجمات" وهو وقت لا يسمح لروسيا بإخلاء طائراتها من مسار الضربات الإسرائيلية. ثم يأتي بوتين لاحقاً ليقول بأن "الطائرات الإسرائيلية لم تسقط طائرتنا"، فإن الرسالة التي علينا فهمها بأن روسيا تقبل الإهانة الإسرائيلية مثلما قبلتها مائتي مرة سابقاً، وهي عدد الغارات الإسرائيلية على سورية منذ بدأت الأزمة السورية! 
نحن نشكك في قدرة الدفاعات الجوية الروسية على التصدي للصواريخ التي تضرب سورية من الجو والأرض والبحر، ونعتقد بأن قبول روسيا للإهانات المتكررة في سورية دليل على أن أنظمتها الدفاعية غير فاعلة، وإلا لماذا ترفض روسيا تجربتها على الأقل عندما تتوفر لها الفرصة لحماية طائراتها وجنودها إن كانت حماية الجيش السوري ومنشآته لا تعنيها. 
علينا أن نفرح على الأقل لأن روسيا لم تحمل سورية مسؤولية سقوط طائرتها. لكن علينا في نفس الوقت أن لا نتوقع قيام روسيا بتزويد سورية بأنظمة دفاعية متطورة تمكنها من الدفاع عن نفسها ومن تمييز الطائرات "الصديقة" من "العدوة" في حالات مشابهه مستقبلاً، ليس بسبب عدم ثقتها بالنظام السوري، لكن لأن روسيا لا تمتلك هذه الأنظمة الدفاعية المتطورة.
علينا أن نعرف بأن الغرب يخشى روسيا بسبب وجود سلاح نووي فقط لديه، وليس بسبب التكنولوجيا العسكرية المتقدمة التي تمتلكها. ولو لم يكن لديها هذا السلاح النووي لقامت إسرائيل ومعها أميركا بتدمير جميع منشآتها العسكرية في سورية. 
مختصر الكلام، الدب الروسي جريح ومهان في سورية، ولا يمتلك القدرة للدفاع عن نفسه.