الملك سلمان يكبح طموح ابنه ويوقف خطة بيع أسهم "أرامكو"

الإثنين 27 أغسطس 2018 10:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
الملك سلمان يكبح طموح ابنه ويوقف خطة بيع أسهم "أرامكو"



الرياض / وكالات /

أكد تقرير حصري نشرته "رويترز"، مساء اليوم الإثنين، أن الملك سلمان حد من طموح ابنه  الأمير الشاب، محمد، وخطته لبيع أسهم عملاق النفط "أرامكو"، وتدخل لوقف الخطة كما قالت ثلاثة مصادر على صلة بالمطلعين على بواطن الأمور في الحكم.

فقد ظلت السعودية تستعد على مدار العامين الأخيرين، لطرح حصة نسبتها خمسة في المئة من شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو) في سوق الأسهم.

ويشير ذلك إلى أن الملك سلمان يعمل على تحجيم السلطات الانفرادية التي تمتع بها الأمير محمد، عقب تولي والده دفة الأمور في البلاد في كانون الثاني/يناير 2015.

ويقول بعض المستثمرين إن ذلك يثير أيضا الشكوك في إدارة الرياض لعملية الطرح العام الأولي للأسهم والتزامها بقدر أكبر من الشفافية في إدارة الاقتصاد.

وتواصل المسؤولون مع البورصات الدولية والبنوك العالمية بل والرئيس الأميركي دونالد ترامب للترويج للخطة.

وكان من المنتظر أن يصبح إدراج أرامكو في البورصة الركيزة الأساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الموعود في السعودية، إذ كان من المستهدف أن تبلغ حصيلته 100 مليار دولار ويمثل أكبر طرح عام أولي من نوعه على الإطلاق.

وكانت الخطة من بنات أفكار الأمير محمد بن سلمان (32 عاما) ولي عهد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، إلا أنه بعد أن واجه المشروع انتكاسات على مدار شهور تقرر إلغاء الشقين الدولي والمحلي من عملية الطرح العام الأولي للأسهم، والسبب وراء ذلك هو أن الملك سلمان، تدخل لوقف الخطة كما قالت ثلاثة مصادر على صلة بالمطلعين على بواطن الأمور في الحكومة.

وقال مصدر طلب الحفاظ على سرية هويته إن القرار جاء بعد أن التقى العاهل السعودي بأفراد في الأسرة الحاكمة ومصرفيين ومديرين كبار في قطاع النفط، من بينهم رئيس تنفيذي سابق لشركة أرامكو. ودارت تلك المشاورات خلال شهر رمضان الذي انتهى في منتصف حزيران/ يونيو.

وقالت المصادر إن الشخصيات التي حاورها الملك أبلغته أن الطرح الأولي لن يكون في صالح المملكة، بل إنه قد يؤثر سلبا عليها. كما ذكرت أن الهاجس الرئيسي لدى هذه الشخصيات تمثل في أن الطرح العام الأولي سيدفع أرامكو للإفصاح الكامل عن كل تفاصيلها المالية.

وفي أواخر حزيران/ يونيو بعث الملك رسالة إلى الديوان الملكي يطلب فيها إلغاء خطة طرح أسهم أرامكو حسب ما قالته المصادر الثلاثة. وقال مصدر إن قرار الملك نهائي لا رجعة فيه.

وبعد أن قالت رويترز في تقرير نشرته الأسبوع الماضي إنه تم تجميد الصفقة، قال وزير الطاقة خالد الفالح، إن الحكومة ملتزمة بتنفيذ الطرح العام الأولي مستقبلا "وفق الظروف الملائمة، وفي الوقت المناسب الذي تختاره".

وأحال مسؤول سعودي رفيع "رويترز" إلى هذا البيان وقال: "نحن مندهشون أن رويترز تصر رغم هذا البيان ورغم استمرار الحكومة في التخطيط بهمة للطرح العام الأولي على توجيه أسئلة تزعم فيها أن الخطط توقفت“.

وأضاف المسؤول: "مالك أسهم أرامكو هو حكومة السعودية. وقد أوكل جلالة الملك سلمان إدارة عملية الطرح العام الأولي لصاحب السمو الملكي ولي العهد ولجنة تضم وزراء الطاقة والمالية والاقتصاد. ومن ثم فإن القرارات التي تتعلق بطبيعة الطرح وتوقيته ستتخذها اللجنة على أن تعرض على الحكومة للموافقة عليها".

وجرت العادة في السعودية أن يكون الملك هو صاحب الكلمة الأخيرة. غير أن هذا القرار ضربة قوية لبرنامج الإصلاح، رؤية المملكة 2030، الذي طرحه الأمير محمد ويهدف إلى إحداث تغيير جوهري في الاقتصاد السعودي الذي تعد الدولة المحرك الرئيسي له ويعتمد اعتمادا أساسيا على النفط.

وعلى الرغم من أن الملك سلمان هو صاحب الكلمة الأخيرة في سياسة المملكة فقد منح ابنه سلطات واسعة، فبعد تولي وزارة الدفاع ورئاسة الديوان الملكي في كانون الثاني/يناير 2015، بدأ الأمير محمد حربا في اليمن واتبع نهجا أكثر تأكيدا لدور المملكة في مواجهة إيران وفرض مقاطعة دبلوماسية وتجارية على قطر.

وأمسك الأمير أيضا بأعنة مجلس اقتصادي جديد ذي سلطات واسعة وشرع في إحكام إنفاق الدولة وتنمية القطاع الخاص وجلب استثمارات أجنبية، كما سمح الملك للأمير محمد، بتنفيذ "إصلاحات اجتماعية كبيرة" من بينها إنهاء العمل بحظر قيادة النساء للسيارات والسماح بفتح دور السينما.

وكان الأمير محمد قد تولى في نيسان/أبريل 2015، منصب ولي ولي العهد بدلا من أحد أعمامه. وبعد عامين رُقي إلى منصب ولي العهد في انقلاب أبيض أسفر عن إزاحة ابن عمه الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية.

وكان من أبرز تلك المرات ما حدث عندما أعطى محمد الانطباع في العام الماضي أن الرياض وافقت على خطة الإدارة الأميركية غير واضحة المعالم، "لإحلال السلام" في الشرق الأوسط (صفقة القرن)، بما في ذلك الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل. فقد صحح الملك ذلك على الملأ.

وفي القمة العربية التي عقدت في نيسان/ أبريل، أكد الملك سلمان من جديد التزام الرياض بالهوية العربية والإسلامية للقدس بعد الضجة التي ثارت في العالم الإسلامي.

وقال المصدر الثاني: "الملك تستحوذ عليه فكرة كيف سيحكم عليه التاريخ. فهل سيكون الملك الذي باع أرامكو وباع فلسطين؟".

وليس من الواضح على وجه التحديد أي الأفكار التي جعلت الملك يحسم أمر أرامكو، من بين ما نوقش خلال شهر رمضان فيما يتعلق بالطرح الأولي.

غير أنه سبق أن قال خبراء ومصادر بصناعة النفط لـ"رويترز" إن وتيرة الاستعدادات تتباطأ منذ أشهر لسببين على الأقل؛ أولهما الشكوك فيما أعلنه الأمير محمد في 2016، من أن الطرح سيقدر قيمة أرامكو بمبلغ تريليوني دولار؛ والثاني هو القلق من المخاطر القانونية وشروط الإفصاح المشددة التي تقترن بإدراج أسهم الشركة في بورصة أجنبية.

وقالت ثلاثة مصادر لـ"رويترز" إن أرامكو توقفت بحلول نيسان/ أبريل، عن دفع الرسوم المستحقة لبعض البنوك مقابل عملها في تجهيز الصفقة.

وبينما كان الملك يجري مشاوراته في منتصف حزيران/يونيو، تمت دعوة البنوك بما فيها "جيه.بي مورجان" و"مورجان ستانلي" لتقديم رؤيتها لمشروع مختلف.

وقال مصدر مصرفي، إن البنوك تلقت طلبا لتقديم مقترحات لاستحواذ أرامكو على حصة في شركة البتروكيماويات العملاقة "سابك" من صندوق الثروة السيادية التابع للمملكة.

وأضافت المصادر أن تلك كانت علامة أولية على أن خطة طرح أسهم الشركة بدأت تتعثر وأن الرياض تبحث عن تدبير المال من مصادر أخرى.

وقال المسؤول السعودي الرفيع، إن اهتمام أرامكو بالاستحواذ على حصة في سابك، يتفق مع هدفها أن تكون الشركة الرائدة في العالم للطاقة والكيماويات المتكاملة، ولا يُغيِّر شيئا من نية إدراج أسهمها في البورصة.

وأضاف أن ذلك "سيخلق كيانا أقوى وأكثر توازنا بالاضافة إلى التكامل، الذي سيحققه مالك محتمل له أهمية استراتيجية وليس مجرد مستثمر يسعى وراء العوائد المالية، بين عمليات التسويق والأبحاث والتطوير والتكنولوجيا والخدمات المشتركة التي تقدمها سابك".

وأوضح المسؤول أن صندوق الاستثمارات العامة يهدف إلى خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني "من خلال الاستثمار في كيانات جديدة تنمو لتصبح مؤسسات وطنية عملاقة. وكانت سابك، التي تعد الآن كيانا عالميا، في أيامها الأولى من مثل هذه الشركات".

وتابع المصدر: ”سيؤدي نقل ملكية سابك من صندوق الاستثمارات العامة إلى أرامكو السعودية إلى تمكين الصندوق من تعزيز الإستراتيجيات والحوكمة وتقوية محفظته الاستثمارية“.

وأضاف: "كما قال الرئيس التنفيذي فإن مثل هذا الاستحواذ الاستراتيجي سيكون له بالضرورة أثر على الجدول الزمني للطرح العام الأولي لا على نية السير فيه".

وبحسب "رويترز"، فقد امتنعت متحدثتان باسم بنكَي جيه.بي مورجان ومورجان ستانلي، عن التعليق على ما إذا كان للمؤسستين دور في صفقة سابك.

وما تزال السعودية قادرة على توليد سيولة من مصادر بديلة، وتحقيق تقدم في الإصلاحات الأخرى، غير أن الأمير محمد وعد بأن طرح أسهم أرامكو سيسهم في خلق ثقافة انفتاح في "المملكة المحافظة".

وبخلاف ما يثيره إلغاء خطة طرح الأسهم من مخاوف فيما يتعلق بالالتزام بالشفافية فهو يعزز إحساسا بغياب القدرة على توقع الأحداث بعد احتجاز العشرات من كبار أفراد الأسرة الحاكمة والوزراء ورجال الأعمال في حملة على الفساد في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وقالت المصادر إنه رغم أن قرار الملك يُعدّ لطمة لبرنامج الأمير محمد، فسيظل ولي العهد الأثير لدى الملك وصاحب نفوذ كبير على السياسة في المملكة، غير أن الملك أراد أن يُبيّن أنه سيظل صاحب القول الفصل في المستقبل المنظور.