عن الشرف العربي (1من2) ...عبد الغني سلامة

الإثنين 13 أغسطس 2018 03:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن الشرف العربي (1من2) ...عبد الغني سلامة



ما إن يسمع المواطن العربي كلمة "الشرف"، حتى يتبادر لذهنه على الفور المرأة والجنس، وبنفس الآلية يربط بين أي نشاط له علاقة بالمرأة كالرياضة والفن وحتى قيادة السيارة يربطها فورا بالشرف! فكيف نشأ هذا التشوه لمفهوم الشرف في الذهنية العربية؟ لدرجة أدت إلى تفريغه من مضامينه، واستبداله بمفهوم جديد مختلف ومغاير! حيث تم اختزاله في المرأة، وتحديداً في جسدها وسلوكها ولبسها، وقد جاء هذا التشويه ليمنح المعنى الجديد دوراً وظيفياً يسعى دوماً لترسيخ تفوق الرجل، وتعليق أخطائه وشروره على شماعة المرأة، وكذلك تثبيت انتصارات قيم الذكورة وتثبيت امتيازاتها.
لفهم الجذور التاريخية للمسألة، كتب "بوعلي ياسين"، في "الثالوث المحرم": "في العصور الأولى من تاريخ البشرية عاشت المرأة عصراً ذهبيا ضمْن بيئات اجتماعية سُميت مجتمعات الأمومة، وكانت حينها موضع حـبٍ ورغبة وموضع خوف ورهبة في آن معاً، هذه المكانة المرموقة التي أخذتها المرأة بسبب نظرة المجتمع لها واقترانها بتفسيره لبعض الظواهر الطبيعية، وقد وصلت مرحلة تقديس المرأة إلى مستوى التأليه؛ وكانت "عشتار" تجسيداً لهذه الثقافة، ولكن هذه الفترة المشمشية للمرأة لم تدم طويلاً، فقد نـزلت المرأة من منـزلة القدسـية إلى مرتبة حاضنة للبذور التي يلقيها الرجل فيها، وأصبح الرجل هو المخصب الإلهي، والمرأة هي الأداة، والرجل هو الذي يتمتع والمرأة إناءً لمتعته، وانتقلت العبادة من الآلهة الأم إلى الإله السـيد، حدث هذا مع سيطرة الرجل اقتصادياً ونشوء النظام البطريركي".
ومع استنفاد قوة المرأة بيولوجياً، وتفرغها لشؤون الأسرة، وعدم تدريبها على السلاح (الذي بقي حكراً على الرجل)، أدى ذلك إلى إعاقتها في حربها مع الرجال، ومن ثم إلى هزيمتها، ما أدى لهبوطها منـزلة دنيا في النظام الاجتماعي.
ومع نشوء نظام الـمُلكية، وتكوُّن المجتمعات والطبقات، وسيادة الذكور؛ حرصت الطبقات السائدة على تثبت مراكزها، والاستحواذ على امتيازات المجتمع، فكان اضطهاد المرأة سابقاً لاضطهاد الطبقات ونشوء العبودية، أي أن الحرب التي شنتها الفئات الذكورية المسيطرة قد وُجِّهت ضد المرأة كمقدمة لتثبيت نظام الإقطاع وحمايته، وانطلقت لهذا الغـرض من قصة آدم وحواء، وتثبيت مقولة أن "حواء" هي التي أغوت "آدم" بالإثم وتسببت بطرده من الجنة، وبالتالي فهي مسؤولة عن شقاء الإنسانية في الدنيا، وخروجها من رحمة الله، ومسؤولة عن الخطيئة في العالم، ومن بعدها تحملت النساء الوزر نفسه، وصار الجنس إثماً، وحواء سبب هذا الإثم، وأصبحت المرأة كبش فداء لكل آثام الرجال وأخطائهم، وأصبح الرجل هو ممثل الخير والسمو، والمرأة ممثلة الشيطان.. ومن هنا أوجد الرجل لنفسه المبرر الذي يحكم به المرأة ويضطهدها (نوال السعداوي). 
ولكي يصبح هذا الاضطهاد شرعياً، كان لا بد من أدلجته وتأطيره بالنصوص التي تقرر أن المرأة مخلوق مدنس، وأنها غير حكيمة وعقلها ناقص، وبالتالي فإن مكانها المناسب هو البيت وخدمة الرجل.
قديماً، كانت المرأة التي تتزوج من خارج القبيلة يعتبرونها جالبة للعار، ولكن السبب الحقيقي لفكرة العار والشرف هنا مرتبط بالخشية من إضعاف قوة القبيلة، لصالح القبيلة الأخرى؛ فهذه المرأة وعاء إنتاجي للأطفال الذين سيكونون رصيد وقوة إنتاج تضاف إلى القبيلة المضادة؛ لذا جاء الغضب من الجد الأكبر بناء على المصالح التي تضررت، ليتم توريث هذا الغضب من بيئة الحدث الماضي إلى المستقبل، ويتم نسيان السبب الرئيس الدافع له، فلا يتبقى في الوعي سوى ثقافة وتربية استمدت مفرداتها من تراكم صور لغضب الآباء والأجداد الأوائل، لتختزل الصورة في الأجيال اللاحقة بمفهوم الشرف المعلق في رحم المرأة.. ولكن يبقى السبب الأصلي مع الجد الأول، الباحث الحقيقي عن مصلحة القبيلة (سامي لبيب).
ويرى "جمال البنا" في كتابه "الحجاب والشخصية المزدوجة للمرأة" أن اضطهاد المرأة مسألة أعقد من مجرد عداوة الرجال للنساء، وأنه يعود إلى جملة أسباب من ضمنها أن النفس البشرية تميل إلى استسهال الظلم كلما تمكنت منه، أي تسلط القوي على الضعيف، وطالما أن تاريخ البشرية القديم يقوم على العضلات، في الوقت الذي ستكون فيه المرأة كجنس أضعف من الرجل فسيولوجياً، فإنه سيكون موقف كل النظم الذكورية منها الاستبداد والاستغلال.
وكان الفُرس أول من اضطهد المرأة، وفرضوا عليها أن تضع لثاماً حتى لا تدنس أنفاسها النار المقدسة، ما تطور إلى فرض حجاب كامل على الرأس حتى تخفي عارها تحت هذا الحجاب، ثم جاءت اليهودية وشرعنت اضطهاد المرأة واحتقارها، ثم امتدت هذه الثقافة فيما بعد من خلال المسيحية في عهد قسطنطين وخلفائه الذكور الذين نجحوا في تحويل الأنثى إلى شيطان.
ويستطرد "دان براون" في "شيفرة دافنشي" في ذات الموضوع: "محاكم التفتيش الكاثوليكية كانت تحكم بقتل كل النساء العالمات والكاهنات والغجريات وحتى القابلات، بتهمة الهرطقة وممارسة السحر، وعلى مدار ثلاثة قرون حرقت الكنيسة خمسة ملايين امرأة! بل إن المرأة مُنعت من شرب أعشاب قد تخفف عنها آلام الولادة، لأنه حسب ادعاء الكنيسة على المرأة أن تتحمل الآلام التي فرضتها السماء على النساء عقاباً لهن على ذنب حواء!". 
ويضيف "براون": "كان الجنس قديماً عبارة عن طقس روحي للتواصل مع الرب من خلال الاتحاد الجسدي، إلا أن هذه الفكرة لم ترق للكهنة في عصر التسلط الكنسي، فرأت الكنيسة أنها تشكل خطراً يتهدد قاعدة السلطة الكاثوليكية، بحيث يقلل من أهمية الكنيسة التي نصبت نفسها الطريقة الوحيدة المؤدية إلى الرب، ولهذا عملت على تحقير الجنس وجعله عملاً شيطانياً وخطيئة مقرفة".
وقد امتدت هذه الثقافة لتصل إلى جزيرة العرب، فيتلقفها بعض الفقهاء ويعتبرونها فيما بعد كجزء أساسي من الدين الإسلامي، وهي في الحقيقة لا تعدو كونها استمراراً لفلسفات دينية سابقة، وجدت في أجواء الصحراء القاسية بيئة خصبة لها، كما يرى "طارق حجي"، الذي يعتبر أن أهل نجد، موطن هذه الثقافة الوافدة من الفرس، هم الأكثر تزمتاً بسبب مئات الأميال من الكثبان الرملية التي تفصلهم عن بقية العالم، وتحجبهم عن الثقافات الأخرى، وفي هذا الصدد يورد "محمد عمارة" في كتابه "الإسلام والمرأة" رأي الشيخ "محمد عبده"، ويذكر أن البدع والخرافات التي تراكمت على الفكر الإسلامي في عصور الانحطاط المظلمة حوْل المرأة، والتي يحسبها البعض إسلاماً، أو في صُلب الإسلام، هي في الحقيقة تعبير عن فكر عصر الحريم، وليست من الإسلام في شيء.

مفارقة غريبة كيف تمكن الجيش المصري في حرب أكتوبر/ تشرين أول من عبور قناة السويس واجتياح خط بارليف الحصين وتدميره في أقل من ست ساعات، بينما رحلة سفر الفلسطينين من غزة الى القاهرة أو العودة اليها عبر معبر رفح تمتد من يومين الى أربعة ايام والمفروض ان تستغرق الرحلة في أسوء حالاتها 7 ساعات، هي طريق الآلام المسكوت عنها التي يسلكها الفلسطينيون على درب المسيح من قطاع غزة من غزة الى القاهرة والعكس في انتظار الفرج وفكفكة أزمات غزة السياسية والانسانية. المعاناة التي تصاحب المسافرين وجميعهم اصحاب حاجات من مرضى وطلاب حيث ان عدد المسافرين يوميا منذ فتح معبر رفح قبل ثلاثة اشهر لا يتجاوز الـ 250 مسافر يومياً والعائدين لا يتجاوز عددهم الـ 100، في أحسن الأحوال، أحاديث الناس في الصالونات المغلقة وما يلاقونه من معاملة قاسية وارهاق وخوف، والمبيت على المعدية والحواجز الأمنية.
طريق الآلام يسلكها الفلسطينيون يومياً وغزة لها النصيب الأكبر في السير في هذه الطريق ومن غير الواضح خط سيرها ونهايتها، فهي طويلة وقاسية بقسوة معاناتهم المستمرة منذ 70 عاما وتجلت فظاعتها منذ 12 عاما وهم معلقون بين الأرض والسماء، من حصار إسرائيلي وإنقسام فلسطيني بغيض، وعدوان إسرائيلي غاشم يأخذ أشكالاً مختلفة.
انتهت جولة التصعيد العسكري الإسرائيلي مساء الجمعة، ولم تنتهي هواجس الفلسطينيين في القطاع ويقينهم أن جولة جديدة قادمة، عدوان مستمر من دون أن تحقيق أو حسم الأهداف المرجوة منها سواء إسرائيليا أو فلسطينيتيناً إن كان هناك اهداف إستراتيجية اصلاً.
ودار سجال ولا يزال حول عدم اعتراف دولة الاحتلال بعدم وجود إتفاق حول التهدئة، وظلت تكابر بعناد وعنجهية الا انها اضطرت للاعتراف بالموافقة على قبول التهدئة ووقف إطلاق النار، على إثر وساطة مصرية وأممية، غير ان نتنياهو ووزراء ومسؤولين إسرائيليين ظلوا يرددوا انهم سيطلقون النار على أي حادث فلسطيني يقع على الحدود، يعني أن التهدئة لا تزال هشة وعودة التصعيد في كل لحظة، وفي انتظار المفاوضات التي تجريها حماس لتثبيت التهدئة وما تتناقله وسائل الاعلام عن المصالحة وتهدئة طويلة.
وعلى الرغم من النقد الشديد والتحريض والضغط الذي تمارسه المعارضة على نتنياهو وحكومته، الا ان الفصائل الفلسطينية في القطاع، لا تزال تراهن على التصريحات الاسرائيلية عدم رغبة نتنياهو وحكومته  شن عدوان جديد خشية  من تورطها في غزة.
الفلسطينيون مختلفون في السياسة وإدارة شؤونهم العامة، وغياب أي خطط واضحة بأهداف وشعارات محددة لمقاومة الاحتلال وسياساته، وهم مشتتون ومختلفين في برامجهم، وكل منطقة مهتمة أزماتها. غزة تعاني الحصار والانقسام والمشكلات والظواهر الاجتماعية السلبية من العنف وغيرها وهي للأسف اصبحت سمة في جميع مناطق التجمعات الفلسطينية في الضفة وغزة وبين فلسطيني الداخل الذين يقاومون على جميع الصعد وحدهم وجاء قانون القومية اليهودي ليكشف ساعة الحقيقة انهم وحيدين وغير موحدين وتركناهم يقاوموا وحدهم حت من تظاهرات تضامنية لم نساندهم، وإن تظاهروا بالألاف ضد القانون الا انهم مختلفون.
القيادة الفلسطينية والفصائل وكأنهم لا يركون خطر القانون وهو الأشد فتكاً بالفلسطينيين وتقرير مصيرهم، وتنفيذ خطط وعمليات التهجير والطرد والترانسفير، ونفيهم كجماعات كاملة واستبدالها بجماعات صهيونية مهاجرة، فهو قانون عنصري إحلالي يرسخ أهداف المشروع الاستعماري للقضاء على ما تبقى من هوية قومية عربية.  
المقاومة الفلسطينية حق مشروع، والمعركة طويلة ومقاومتنا لا تتحقق بالضربة القاضية، مع الاحتلال فهي طويلة وليست ثأرية ورد الاعتبار مع انها اصبحت كذلك، الأهم هو كيف ومتى نتخذ القرار بالرد أو التوقف. 
المقاومة في غزة لم تجرب مرة واحدة سياسة الغموض والصمت في التعامل مع الاحتلال كما يمارسه، وليس من المنصف ترديد مقولات وتصريحات على شاكلة الاحتلال هش وانه يعيش من حل من الارتباك والتخبط، وحياتنا على جميع الأصعدة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وكلها متخبطة وتتدحرج من بين أيدينا بفعل قراراتنا المتخبطة والمرتبكة، وصارت نمط وسلوك حياة نمارسه في جميع مناحي حياتنا ولم نتبع يوماً سياسة وطنية واضحة.