«حماس» وسياسة «الرقص مع الذئاب»...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 07 أغسطس 2018 10:02 ص / بتوقيت القدس +2GMT
«حماس» وسياسة «الرقص مع الذئاب»...مهند عبد الحميد



استمرت مفاوضات مكوكية معلنة وغير معلنة، بين "حماس" وإسرائيل برعاية المخابرات المصرية. المعلومات المسربة تفيد بأن مستويات متقدمة من الاتفاق أُنجزت. والإنجاز حمل نتنياهو على تأجيل زيارته الى كولومبيا، وسمح للمكتب السياسي لحركة حماس وصول غزة على عجل بعد السماح له بالدخول مع ضمانات بعدم المس بنائب المكتب السياسي صالح العاروري بوصفه المطلوب الأخطر لدى إسرائيل، مهمة المكتب السياسي تحددت في تذليل ما تبقى من عقبات توطئة لإشهار الاتفاق.
موضوعات التفاوض والاتفاق بحسب الصحف الإسرائيلية، تدور حول ثلاث مراحل، الأولى: وقف مسيرات العودة، ووقف إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وفتح معبري رفح وكرم ابو سالم، وتوسيع مساحة الصيد البحري المسموح بها للقطاع. وإعلان هدنة لـ 5 سنوات قابلة للتجديد، تتولى "حماس" خلالها ضبط الوضع الأمني وفرض الهدوء. المرحلة الثانية: رفع الحصار ودخول كل البضائع وتوفير الكهرباء. المرحلة الثالثة: تنفيذ مشروعات دولية، كإقامة ميناء في الإسماعيلية، وتفعيل مطار مصري داخل سيناء لصالح قطاع غزة، وبناء محطة توليد طاقة لإنتاج الكهرباء وإعادة تأهيل شامل للقطاع. أما تبادل الاسرى والجثامين فيأتي في المرحلة الثانية.
يلاحظ من البنود السابقة وبقطع النظر عن الدقة او احتمالات النجاح والفشل،  أن إسرائيل أخذت بمفهوم الصفقة التي نقلها ترامب من عالم التجارة الى عالم السياسة، واشترت عبرها الأمن والاستقرار، من حماس التي تسيطر على قطاع غزة، مقابل حل الأزمات الإنسانية الخانقة التي تفتك بالسواد الأعظم من الغزيين. يلاحظ أن إسرائيل لا تدفع شيئا من جيبها، بل تدفّع الآخرين الأثمان كتمويل كل المشاريع – كهرباء، ميناء، مطار، صرف صحي وإعادة بناء، ويكاد يقتصر تقسيم العمل بين شركاء أميركا وإسرائيل على العقاب وشن الهجمات وقلب الطاولة في اي لحظة، ومثلها الأعلى في ذلك إدارة ترامب. 
يحدث هذا، في الوقت الذي تتولى فيه الدولة المحتلة تهويد القدس وتشطب قضية اللاجئين وتضم الأرض وتوسع الاستيطان بالجملة وتقونن العنصرية والتمييز على أساس ديني ضد كل أبناء الشعب الفلسطيني. وهذا يعني تكثيف سياسة تصفية القضية الفلسطينية بغطاء إنساني. وفي الجهة الأخرى تفتخر حركة حماس بأنها لا تعترف بإسرائيل ولا تبرم معها اتفاقاً سياسياً، ولا تفرط بسلاح المقاومة، وتعلن أنها ستحرر فلسطين من البحر الى النهر، في الوقت الذي تنجح فيه بالوصول الى اتفاق يضع حلولاً إنسانية لأبناء القطاع، ومقابل ذلك تحصل على اعتراف واقعي وعملي بسيطرتها على القطاع ضمن وظيفة محددة هي الحفاظ على أمنإسرائيل، تحت مسمى التهدئة والهدنة. إن الاتفاق المزمع التوصل اليه، له جوهر سياسي واضح للعيان، هو فصل القطاع عن الضفة وتفكيك الحركة السياسية الفلسطينية، والتحول من تقرير مصير وتحرر وطني من الاحتلال الى حل أزمة انسانية. ولا يغير من هذا الواقع استمرار الشعارات الايديولوجية، والاحتفاظ ببندقية المقاومة مع تغيير وظائفها وفصل الشعارات في حالتنا هذه عن السياسات والاتفاقات لغايات التضليل والتبرير. وفق ذلك، يتحول هدف المسيرات الشعبية من العودة الى الانفصال عن المكونات الفلسطينية الأخرى وتثبيت سيطرة حركة حماس على القطاع. ويتحول تمكين حكومة الائتلاف الوطني في القطاع الى تمكين سيطرة حماس. ويتحول شعار إسقاط صفقة القرن الى الاستجابة مع أخطر حلقاتها وهي فصل القطاع عن الضفة، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني وخلاص من الاحتلال الى مشكلة يخشى من تداعيات انفجارها على دولة الاحتلال وعلى آخرين، ويتحول العداء للنظام المصري الى التبعية له. يتضح من مجمل تجربة حركة حماس وما وصلت إليه من نهاية غير سعيدة، ان الهدف المركزي لديها هو الوصول للحكم والبقاء فيه الى ما لا نهاية وبأي ثمن. ووصل بها الأمر راهنا الى توفير البضاعة المطلوبة لصفقة ترامب – مشروع تصفية القضية الفلسطينية -  مقابل البقاء كسلطة أمر واقع، مستفيدة من وجود اطراف عربية أبدت استعدادا للتساوق مع الصفقة خلافاً للموقف الرسمي المعلن. 
 وإذا كانت حركة حماس قد بدأت الرقص مع الذئاب، فإن الحاضر الغائب في معركة تثبيت سلطة حماس وتحويل القضية الفلسطينية الى مهمة انقاذ من الحصار والجوع، هو الشرعية الفلسطينية، التي تبدو وكأنها تعاقب جراء رفضها التعاطي مع صفقة ترامب التي هي نسخة من سياسات حكومة نتنياهو واكثر القوى تطرفاً داخله. ما يحدث هو تجاوز الشرعية واستبدالها بالطرف الذي يلبي البضاعة وهو حركة حماس. الشرعية وسلطتها غير مستبعدة في الشكل فهناك دعوة موجهة لها للانخراط وتأمين الغطاء السياسي، وللمشاركة في الأعباء، دون ان يغير ذلك قيد أنملة من سيطرة "حماس" الفعلية التي تحاكي تجربة حزب الله في لبنان. ما جرى عبر المبادرة المصرية والمفاوضات الإسرائيلية الحمساوية هو تقديم دليل على إمكانية تجاوز الشرعية من الناحية العملية. وتلتقي مصالح أقطاب الصفقة الرئيسيين والثانويين على تجاوز الشرعية الفلسطينية التي تمردت على الموقف الأميركي ورفضت تأمين الغطاء السياسي له. الآن يستخدمون التجاوز للضغط في محاولة لتطويعها، وإذا تعذر ذلك فيصار الى استمرار تجاوزها. 
ما كانت حركة حماس بقادرة على الذهاب بعيدا في خطف قطاع غزة، والتعاطي مع صفقة القرن، وما كان معسكر الصفقة يقوى على ممارسة نوع من العزلة "العملية" على القيادة الفلسطينية، ونوع من تبهيت وتهميش نضال الشعب الفلسطيني. ما كان لهؤلاء التجرؤ على ما فعلوه، لو كانت أولوية السياسة الرسمية هي كسب ثقة المواطنين واتباع الخطط التي تخفف من ضائقتهم. لو كانت إعادة ترميم وتجديد وبناء المؤسسة مطروحة كأولوية، لو كانت المبادرات السياسية البديلة تطرح في الوقت الملائم، لو كان نقد المواقف الرسمية العربية بدلا من إعادة ترويج أقوالها غير الصحيحة، وتغض النظر عن أفعالها المتعاكسة مع أقوالها. ان السياسات الرسمية المتبعة وفي مقدمتها الإجراءات التي ألحقت الأضرار بحق المواطنين في قطاع غزة، ووضع شرط تمكين الحكومة بمعزل عن استقطاب شعبي يبني ميزان قوى يستطيع التأثير في المواقف. ما حدث هو العكس وهذا يستدعي إعادة النظر في كل السياسات التي أدت إلى إضعاف الموقف قبل فوات الأوان.