هل أسقط أبو مازن صفقة القرن؟ سلطان الحطاب

الثلاثاء 24 يوليو 2018 08:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل أسقط أبو مازن صفقة القرن؟ سلطان الحطاب



غزة/سما/ سلطان الحطاب

 قالها "لا" عريضة وراسخة واستراتيجية للإدارة الأميركية التي يقودها ترمب.. دافعه مصالح شعبه وإرادة قوية تحلى بها في خضمِّ النضال المتراكم الذي عايشه، فالرئيس أبو مازن لم يقل "لا" من مواقع الرفض التقليدي أو ترف المعارضة أو حالة التجريب التي أدمنها الكثيرون ممن استعملوا شعوبهم كمختبرات الفئران، قالها بعد أن قلّبها في كل الاتجاهات ووجدها المصدّ الوحيد ضد قوى العدوان الإسرائيلي وتحالفها الشرير مع ترمب التي أرادت ان تجتاح المقدسات والثوابت الفلسطينية في قضايا القدس والاستيطان واللاجئين وغيرها.

لقد صمد أبو مازن وما زال، وكسب رهان شعبه الذي التف حوله اليوم في صورة لم يسبقها مثيل، باستثناء أولئك المغرضين والذين في نفوسهم مرض من المنافقين والمزايدين ممن حفّوا الشوارب وأطلقوا اللحى أو من رأى في القضية تجارة فتاوى ووضعها بين التحليل والتحريم.

صفقة القرن التي أرادوا أن تكون الشنان ليقاطعوا بها الرئيس أبو مازن ليخيفوه فرد عليهم انه "لا يغمز له كتغماز التين" ولا "يقعقع له بالشنان" وأن عوده قد جرى عجمه من قبل في كامب ديفيد وفي محطات عديدة من محطات النضال الفلسطيني التي خرج منها كلها موفور الكرامة رافع الرأس..

لم يقل "لا" ويمضي، فليس الـ "لا" خياره إلا مضطرا ولكنه جعل مع الــ"لا" دائما بديلا يجعله في الميدان ولا يخرجه من الملعب.. كان دائما لديه البديل فهو عندما قال "لا" للإدارة الأميركية الرعناء التي دخلت فراش اليمين الإسرائيلي وتماهت معه، قال: "نعم" لحلفاء جدد.. قال: نعم لشراكة أوروبية وشراكة روسية وصينية.. شراكة دولية قالت له: نعم في الأمم المتحدة وهي تصوت إلى جانب القضية الفلسطينية وتعزل هذه الإدارة الأميركية التي يمتطيها اليمين الاسرائيلي ويركب كتفها ويوجهها ويهدد بها دول في الإقليم.!!

يقول أبو مازن: قوتنا في ضعفنا.. وفي عدالة قضيتنا.. لم يجدوا مني ريقا طريّا، فقد قلت لكل مراجعهم "لا" من كبيرهم وحتى أصغر المبعوثين من نسايب الرئيس ترمب وأقاربه ومن آمن بدعوته أو اعتقد بسلامة صفقاته.

وحين ظلت الـ "لا" العباسية" صامدة وقوية، والتي يمكن إعرابها بأن الإدارة الاميركية منحازة وغير مؤهلة، ومتماهية مع المصالح الإسرائيلية تماما وأنها لا تصلح وسيطا.. ظلت معلقة وقد ضجر منها مراهقو السياسة الأميركية والمتدربون في ملفاتها، ولذا لم يصمدوا فاعترفوا ان أبو مازن أفشلهم وأسقط خياراتهم.

أبو مازن يعتقد ان الحرباء الأميركية تغير جلدها ولذا ما زال يأخذ ببطن الجبل بصمت ويتأمل ويحرض شعبه على خيارات الصمود وهي عديدة ويدعو للمقاومة الشعبية السلمية في أوسع معانيها ودلالاتها.

هذه الحرباء قد تخرج بلون آخر لنفس الجلد ولكنه يدرك ذلك ويرى ما تراه زرقاء اليمامة في العرب، ولذا فإن الفريق الأميركي الذي جاب المنطقة محملا بنساء جميلات وبدونهن حاول وبناء على نصائح من الإقليم أن يتجاوز الرئيس عباس وقيادته ويمضي في محاولة للحفر حول الشجرة بدل مداهمتها مباشرة, وقد أخذت هذه المحاولات أشكالا عديدة ما زال معمولا ببعضها، ولكن صمت أبو مازن وصلابته اغتال الصفقة وأفقدها قدرتها على الحركة أو الإقناع، وكان لموقفه أن فجر كثيرا من البالونات الاختبارية التي صاحبت الصفقة وبشرت بها وهي البالونات التي اعتمدت التلفيق والإشاعة أن عربا قبلوا ونفذوا وانخرطوا خلف الإسرائيلي والأميركي في صلاة جامعة أمّها ترمب.

لم يكن ذلك صحيحا وقد دافع أبو مازن في مجالسه الخاصة والعامة عن الموقف السعودي ووصفه بالإيجابي والصامد ورده إلى مرجعيات وتصريحات، ودافع عن الموقف المصري وعن امكانية الاحتكام اليه حين تعم الإشاعة ويضيع الصواب.. وقال إن هذه الصفقة لن تنجح لأنها لا تقفز فوق حقوق الفلسطينيين فقط وإنما فوق الإرادة الدولية الممثلة في قراراتها الشرعية الدولية, ولأنها أي هذه الصفقة لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الدولية ولا تحفظ الأمن والاستقرار الدوليين وتتنافى ومفهوم السلام وحقوق الإنسان.

أبو مازن لم يتوقف، فقد ناشد دول العالم التي ناصرت حق الشعب الفلسطيني في تأكيدها على حل الدولتين واعتبار القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، وضمن في حوارات لتأكيد ذلك مع فرنسا وألمانيا ودول أوروبية عديدة مثلها الاتحاد الأوروبي، وأيضا مع روسيا في اللقاء الناجح مع الرئيس بوتين عن هامش المونديال العالمي في موسكو.

ما زال العالم باستثناء الولايات المتحدة وبعض عبيدها القلائل يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في دولته، وما زال العالم يرى في ترمب قاطع طريق وخارجا على الشرعية الدولية، ومثيرا للفتن والحروب ويرى فيه سببا لعدم الاستقرار، وإذا كان العالم لم يقل ذلك بعد بلغة واضحة أو بإجراءات عملية، فإن حلفاء الولايات المتحدة وخاصة الأوروبيين هم الأكثر تذمرا من سياسات ترمب الرعناء، والذي يتابع البرلمانات الأوروبية في اسكتلندا وفي اسبانيا وعديد من دول العالم يدرك ذلك.

موقف أبو مازن الصلب من التدخل الأميركي السافر في الحقوق الفلسطينية والذي جاء على شكل تسمية صفقة القرن والتي قرأت من عنوانها الذي أعطى القدس كلها كعاصمة لإسرائيل بدا يصيب بعدواه المواقف العربية ويهب عليها ليصلبها بعد أن بدت رخوة وهلامية ومهرولة.. حتى إذا ما احمرّت العين الفلسطينية لمن رآها قال بعض العرب: "آمنا برب موسى وهارون" وراحوا يعيدون النظر في مواقفهم، إلا من كان منهم متورطا في صفقة أو منوطا به مهمة.. وهؤلاء قد يرون الآن أن لا مبرر لمواصلة اللعبة السمجة في تصنيع قيادة فلسطينية بديلة أو استبدال القيادة المزروعة في قلوب شعبها وترابه الوطني بقيادة يجري زرعها في اصص أو معلقة في شرفات النظام العربي على أمل أن يقبل تراب فلسطين بذورا عقيمة لا يحتملها التراب الفلسطيني بل لفظها لأنها فاسدة وعفنة وغريبة عنه!!

لن تنجح صفقة القرن حتى لو حجبوا لها وأقاموا لها الولائم والذبائح وبخّروها. 

وحتى الرئيس ترمب الذي أطلقها كتعويذة مخدرة حشد لها دبلوماسية فإنه أراد منها أن تكون عصا موسى، بعد أن قايض ترمب ربط الصفقة بالاستقرار والاستقرار بالمال ..!!! ترمب نمر من كرتون جربته كوريا الشمالية التي أرعب زعيمها ترمب وخرج من لقائه ليمجده ويتوقف عن التحريض ضده، وترمب يكذب في كل يوم ويعدل كذبه حين يكشفه العالم.

نعم تتراجع الإدارة الأميركية ويتقدم أبو مازن بالبديل وهو مرجعية جديدة لعملية السلام من دون الإدارة الأميركية التي فقدت نزاهتها وأهليتها، ومؤتمر دولي شامل يحتضن عملية السلام ويجد لها مخارج من خلال قرارات الشرعية الدولية.

نعم سقطت صفقة العصر.. أسقطها الفلسطينيون من خلال مقاومتهم المستمرة على أسلاك غزة وفي موقف القيادة الشرعية غير المساوم.

وفي الاستعانة بالمجتمع الدولي ودوله الممسكة بالشرعية الدولية.. ولم يعد الرهان الأميركي إلا على محاولات جديدة قد ينخرط فيها عملاء وفاسدون ومزايدون.. فهناك من يراهن على بدائل القيادة الفلسطينية، وهناك من يريد تأبيد الانقسام والاستمرار في التجارة به والاعتقاد بأن غزة دولة وأن ما يحول هو رفع الحواجز مع الاحتلال والإدارة الأميركية وقبول ما لم تقبله السلطة الفلسطينية.

صمود أبو مازن يؤهل الأمة كلها لتفتح صفحة جديدة تخرج فيها من خوفها وترددها واستحيائها لتعلن استمرار التمسك بالثوابت والدفاع عنها ووضع المبادرة العربية عنوانا بارزا على الطاولة رضي من رضي وغضب من غضب.

لقد أدمت القيادة الفلسطينية مقلة الموقف الأميركي الذي بدا يهيج ويموج ويرحل ضغوطه.. لقد بحثوا عن طربوش فلسطيني بديل فلم يجدوه. بعد أن أعياهم الوصول إلى طربوش أبو مازن. وبحثوا عن توقيع أبو مازن على الصفقة فلم يتمكنوا. وحاولوا الحصول على قلمه ليوقع.. وظنوا أنهم بتواقيع أخرى مزورة ينفذون ولكن شعبنا قال كلمته خلف قيادته، لن تمر هذه الصفقة وستفشل، وسيشمت فيها أبو مازن ويقول: "يا ما كسّر الجمل بطيخ"!!

وسيخاطب من راهنوا على بديله في غزة.. "مش هيك الشغل ياخو"!!