سقط القناع عن القناع ..حسين حجازي

السبت 21 يوليو 2018 11:24 ص / بتوقيت القدس +2GMT



بعد سبعين عاما او الدرجات السبع التي تؤدي نزولا او ارتدادا الى ما يسمى نهر الشارون او الجحيم في المثيولوجية الاغريقية، اقدمت النخبة الاسرائيلية الحاكمة وهي نخبة سياسية وايديولوجية يرى الكثيرون انها الاكثر ضحالة من الناحية الثقافية والفكرية، قياسا بذكاء وتفوق النخبة الاسرائيلية المؤسسة للدولة، على سن قانون في الكنيست يعيد تعريف ما هية اسرائيل باعتبارها دولة  تقوم على الحق اليهودي. 
وهو تعريف لا يأتي بجديد سوى التخلي عن الغلاف او القناع السابق الذي طالما حافظت النخب الاسرائيلية السابقة على التمسك به، والابقاء عليه كجزء من خطابها الدعائي الموجه الى الخارج. ولكن اما الاّن ولم يعودوا يرون في الخارج سوى هذا الاحمق دونالد ترامب، الذي يواصل كالفيل في المثل الشهير تكسير وتحطيم كل شيء، وفي القلب من ذلك المعايير الليبرالية والقيمية التي طالما حافظت عليها المنظومة الدولية، فما عاد شيء يهم.
والواقع ان ما يفعلونه اليوم هو نوع من تبديل الجلد والتساوق مع ما يمكن اعتبارها في بعض الدول الاوروبية وبعد انتخاب ترامب في امريكا، صعود الموجة اليمينية القومية الشعبوية. وكأن هذه الدولة لا تنفك عن احداث هذه الانتهازية في التماهي للمرة الثانية في تاريخها، محاكاة النبرة او الريح الخارجية. المرة الاولى في الانحياز الذي قام به القادة الاسرائيليون الاوائل، الى جانب التماهي مع النزعة لليبرالية الديمقراطية للغرب بعد الحرب العالمية الثانية. اما المرة الثانية اليوم فليس ادل عليها سوى المقامرة بالاصطفاف الى جانب ترامب ورئيس الوزراء المجري ومن على شاكلتهم.
هذه اذا قد تكون لحظة تاريخية فاصلة بين مرحلتين، اذا كانوا قد تبرعوا من تلقاء انفسهم بما لا يمكن وصفه بغير ذلك، أي تعرية انفسهم من أي ستر او غطاء. وقالوا من الان وصاعدا لكل العالم : انتبهوا نحن لسنا دولة احتلال، اّخر احتلال فقط، يؤكد على الذكرى الكريهة لحقبة غابرة من الاستعمار لا يزال العالم يشعر ازائها بالخزي والعار ويريد ان ينساها، ولكن "موتوا بغيظكم" نحن النسخة الثانية من دولة جنوب افريقيا العنصرية.
هكذا قدموا ذلك بانفسهم وربما تحت تأثير الغرور او قراءة مضللة وخاطئة للواقع، بدافع شخصي لرجل يُحَقق معه وزوجته وابنه بطريقة غير مسبوقة بالفساد. ولكنه يريد ان يمحو ذلك كلطخة سوداء في سجله بحثا عن ارث سياسي يتجاوز فيه عقدة بن غوريون. 
ولكنه ايا تكن هذه الدوافع المستترة للكشف امام الملأ عن الصورة الحقيقية للدولة، فان ما يحدث هو وضع اسرائيل في حالة الدفاع خارجيا امام العالم، ولكن هذه المرة ليس ازاء الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين المسالمين على الحدود مع غزة، ولكن ازاء تعريف هويتها الجديدة. 
فَمَن بعد الاّن حول العالم سوف يتحمل ان يستمع الى بنيامين نتنياهو ومحدثيه وهم يتحدثون عن اسرائيل على انها واحة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي؟، وكم دولة في العالم ولا سيما في الغرب سوف "تقبض" بعد الان الكذبة التاريخية عن التوازن بين يهودية الدولة والديمقراطية؟.
وربما قد تكون هذه هي اللحظة التاريخية المماثلة للاسئلة التي طرحها الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر العام 1949 على بن غوريون، وتهرب هذا الاخير من الاجابة عليها قائلا: "ان هناك اسئلة لا يمكن الاجابة عليها". وكان سؤال بوبر بسيطا وعميقا " دولة لليهود من اجل ماذا؟ " أي ماهي الرسالة التي تحملها هذه الدولة للاخرين، وهي الاسئلة بخلاف موقف بن غوريون الغامض الذي تهرب من الاجابة عليها كنوع من الدهاء السياسي، قام نتنياهو بالافصاح عن الاجابة عليها، دولة يهودية قومية للشعب اليهودي لاجل ان يملك وحده حصرا حق تقرير المصير بنفسه على ارض اسرائيل، ولكن ارض اسرائيل التي لا يتم تحديد جغرافيتها او حدودها.
و بدلا من التفكير الجدي في محاولة الاندماج او الانصهار التاريخي لكي تكون اسرائيل جزءا من هذه المنطقة عبر هذه المصالحة مع التاريخ والجغرافية، فان النخبة الحاكمة في اسرائيل اليوم تقودها مرة اخرى الى هذه النزعة الثانية من محاولة التغريب، كجسم غريب في هذه المنطقة.
وقد تكون هذه مناسبة ايضا للرجوع الى ما يقوله كارل ماركس عن هذه الحالة المشابهة، الذي يلاحظ بنوع من العبقرية ومدهش ان الناس غالبا يصنعون تاريخهم بارادتهم، ولكنهم في غضون هذه العملية وهم ينخرطون بكليتهم في هذه المهمة، فانهم غالبا ما ينتج عن اعمالهم خلق ظروف جديدة مستقلة عن ارادتهم ومختلفة عما كانوا يرغبون به. والراهن ان موازين القوى الاقليمية قد لا تمثل تحديا امام النخبة الحاكمة في اسرائيل ولكن هذا الوضع مؤقت. 
ولكن واقع الحال انهم وهم يقرون هذا القانون فان الماّل الوحيد الذي تنتهي اليه هذه المغامرة، ليس فقط الانقلاب على الارث السابق لصهيونية الدولة العلمانية والليبرالية، وانما الاصطدام في الوقت نفسه باستحالة تحقيق وتقرير المصير من جانب واحد، على الرغم او ضد الفلسطينيين. اذا كان التوازن الديمغرافي بين الطرفين اللذين يتقاسمون العيش على ارض فلسطين هو العامل الحاسم. 
وبهذا المعنى فان الذهاب الى اقصى التطرف قد يرتد الى عكسه، بان يؤدي ذلك بالنهاية الى تحديد هوية الدولة والارض باعتبارها دولة الفلسطينيين والاسرائيليين من النهر الى البحر. وفي التاريخ كان التطرف غالبا يرتد الى نقيضه .