مفارقة هلسنكي: حين يربح الأسد ونتنياهو معاً ...عريب الرنتاوي

الخميس 19 يوليو 2018 08:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
مفارقة هلسنكي: حين يربح الأسد ونتنياهو معاً ...عريب الرنتاوي



هيمن الأداء «المخزي» و»الضعيف» للرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمة هلسنكي على التقارير والتغطيات وردود الأفعال التي صاحبت القمة وأعقبتها، حتى أننا لم نعرف سوى القليل عمّا دار من محادثات في «صلب» القضايا المدرجة على جدول الأعمال، ولولا تصريحات مقتضبة صدرت عن ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في المؤتمر الصحافي المشترك، لما أمكن لنا تجميع «الصورة الكليّة» عن القمة ونتائجها.
ثمة إجماع في أوساط المراقبين والمتتبعين، على أن القمة «التاريخية» المنتظرة، انتهت بتسجيل فوز كاسح للرئيس الروسي على نظيره الأميركي... الأول، بدا منتشياً بما أنجزه، والثاني بدا تبريرياً دفاعياً، فيما فضحت نظراته الكسيفة وهدوؤه غير المعتاد، تورطه في مواقف ومقاربات، ستظل تطارده طيلة حياته السياسية... الرئيس الذي يكره القراءة عموماً، ويعتمد على «أحاسيسه» و»غرائزه»، خان نفسه بنفسه، قبل أن يبدأ بتلقي الاتهامات من كل نوع وصوب، بما فيها الاتهام بـ»الخيانة» و»العمالة» للكرملين.
فيما خصّ الأزمة السورية، اتفق الجانبان، بحسب ما اتضح، على «العمل سوياً لحفظ أمن إسرائيل»، أمرٌ دفع نتنياهو لأن يكون الزعيم الدولي الوحيد الذي رحّب بالقمة وشكر ترامب وأثنى على بوتين... نخلص من ذلك، أن التفاهمات الروسية – الإسرائيلية التي قيل بشأنها الشيء الكثير قبل القمة، قد أصبحت بعدها، في صلب التوافق الأميركي – الروسي في سورية وحولها.
يعني ذلك، أن ثمة مؤشرات على استعداد روسي لـ»التساوق» مع المطالب الأميركية – الإسرائيلية بشأن إعادة تعريف وتحديد الدور الإيراني في سورية... نقول: «تساوق»، ولا نقول: مجاراة وتوافق... فروسيا كما أسلفنا في مقال سابق، تتفهم مخاوف إسرائيل وحساباتها الأمنية، وإن كانت لا تأخذ بـ»الإيرانوفوبيا» حتى نهايتها، وتبدي استعداداً لتلبيتها على نحو واقعي وبوسائل ناعمة، وهي سبق وأن أعلنت أنه لا مبرر لبقاء إيران عسكرياً في سورية، وطالباتها علناً بسحب قواتها وقوات «حزب الله» من هذا البلد، على اعتبار أن الحرب ضد الإرهاب، قد شارفت على نهايتها، وهي تؤيد دوراً سياسياً (علاقات دبلوماسية نشطة) واقتصادياً (إعادة الإعمار) لإيران في المرحلة السورية المقبلة.
مثل هذا التوجه، يكفي واشنطن وتل أبيب، مرحلياً على الأقل، ولهذا قال ترامب: إنه وبوتين قررا العمل معاً لمنع إيران من ملء فراغ «داعش»... ولهذا السبب أيضاً، احتفى نتنياهو وطاقمه الوزاري، بالمكاسب الإسرائيلية المتحققة في هلسنكي، قبل أن يتصاعد الدخان الأبيض من قاعة الاجتماعات.
ميدانياً، بدا لافتاً أن تفاهمات بوتين – ترامب، قد أخذت طريقها للترجمة في الميدان السوري، حتى قبل التئام القمة، ما يؤكد أنها كانت حاضرة بقوة في الاتصالات التمهيدية، وأنها تتمحور حول تفاهمات بوتين – نتنياهو... وإذا كانت الغارة الإسرائيلية على أهداف في محيط حلب قبل أيام، قد قوبلت بتجاهل روسي متكرر، وغير مفاجئ، فإن المفاجئ حقاً، وغير المسبوق، هو أن يقوم الطيران الروسي، بضرب أهداف للجماعات المسلحة على مقربة من الجولان المحتل، ومن فوق الأجواء الإسرائيلية، فما الذي نحتاجه أكثر من ذلك، للتعرف على مدى عمق هذه التفاهمات، مثلثة الأطراف، في سورية وحولها.
على أن سؤالاً، لا شك في أنه يطرق أذهان المراقب، ويتعلق أساساً بموقف النظام السوري من هذه التفاهمات الثلاثية، ومن المقاربة الروسية الجديدة، وكيف تنظر إيران وحلفاؤها، وبالأخص «حزب الله»، إلى هذه المسألة؟
والحقيقة أننا جادلنا من قبل، ببطلان نظرية «وحدة الجبهة الشمالية»، أو «جبهة المقاومة»، ورجحنا بأن يعاود النظام السوري تسكين جبهة الجولان، ما أن تستتب له السيطرة على معظم المناطق السورية، تحديداً الجنوبية... مثل هذا التقدير، كان يقابل بالاستنكار والاتهام من قبل ناطقين ومحللين محسوبين على «محور المقاومة»... وفي ظني أن نظام الرئيس الأسد، سيسير على هذه الطريق، وإن بحذر وتؤدة... سيما أنه بات أكثر اطمئناناً لمستقبل نظامه، ولموقعه في التفاهمات الثلاثية، فصح أن نقول: إنه ونتنياهو، كانا بعد بوتين، أكبر رابحين في قمة هلسنكي، وتلكم من المفارقات الغربية العجيبة، حتى لا نقول من سخريات القدر.
وكان لافتاً، أول من أمس، أن صحيفة الوطن السورية، المقربة من النظام، فتحت النار على مستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي أكبر ولايتي، لقوله: إنه «لولا إيران لكانت دمشق سقطت في قبضة داعش»، مع أن مثل هذا التصريح، تكرر مراراً على ألسنة مسؤولين إيرانيين كبار من قبل، وحرصت الصحيفة واسعة الانتشار، في سابقة غير معهودة، على التذكير، بأقوال مماثلة للرئيس الإيراني حسن روحاني، مشددة على الدور الحاسم الذي لعبه الجيش السوري في الحرب على الإرهاب وتحرير سورية، كاشفة عن عمق التناقض بين نفي إيران لوجود قوات لها في سورية (مستشارين فقط) وحديثها عن دورها في إسقاط «داعش» ومنع سقوط دمشق... والمرجح أننا سنرى المزيد من هذه السجالات في الأيام المقبلة، سيما إن لاحت في الأفق بوادر تسويات سياسية، تعيد انتشار القوات السورية على الأراضي السورية كافة، وخروج الأميركيين والأتراك منها، بالتفاوض وليس بالوسائل المستبعدة.