الثلاثي جبران يستذكرون درويش قبل عشر سنوات

الأربعاء 18 يوليو 2018 12:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
الثلاثي جبران يستذكرون درويش قبل عشر سنوات



وكالات / سما /

كنا معه هناك بذات الزمان وذاك المكان.. عزفنا لفلسطين وألقى شعراً الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء!

كانوا هناك قبل عشر سنوات وبالتحديد في الرابع عشر من تموز 2008 في جنوب فرنسا، وكان آخر حفل رافقت فيه فرقة الثلاثي جبران الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش، حيث اكتظ المدرج الكبير في مدينة ارل بالحضور لسماع أوتار العود وصوت شاعرنا بكلماته في قصائد كثيرة من بينها قصيدة "لا وقت للغد" وكأنه كان يعلم بأنه أخر حفل له في هذا المكان، مردداً "سأصير يوماً ما أريد. سأصير يوماً طائراً، وأسلّ من عدمي وجودي. كلّما إحترق الجناحان إقتربت من الحقيقة، وإنبعثت من الرماد. أنا حوار الحالمين، عزفت عن جسدي وعن نفسي لأكمل رحلتي الأولى إلى المعنى، فأحرقني وغاب. أنا الغياب. أنا السماويّ الطريد".

وفي يوم السبت الماضي الذي وافق الرابع عشر بذات التاريخ، استضاف ذات المدرج مرة أخرى فرقة الثلاثي جبران في حفل كبير حضرته وزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسين، عزفوا خلاله كثيراً، عزفوا لفلسطين على أعوادهم، عزفوا لغزة وللخان الأحمر، للشهداء وأحلام الصغار، ولمحمود درويش مستذكرينه، ففي حضرة غيابه تزداد العبرات، وزوايا المدرج لم تمل تذكر كلماته "الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء! واستذكروا أيضاً كلماته "أيها الماضي! لا تغيِّرنا كلما ابتعدنا عنك! أيها المستقبل! لا تسألنا: من أنتم؟ وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضاً لا نعرف. أيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً. فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل! علموك أن تحذر الفرح؛ لأن خيانته قاسية. من أين يأتيك فجأة!! لم نفترق. لكننا لن نلتقي أَبدا"ً. وتابعوا عزفهم على أثر صوته يقول" والآن أشهد أن حضورك موت، وأن غيابك موتان، والآن أمشي على خنجر وأغني. قد عرف الموت أني أحبك، أني أجدد يوماً مضى. لأحبك يوماً وأمضي". فلم يكن محمود درويش يقول لنا شعراً بقدر ما كان يقوله لنفسه، يرتفع صوت الموسيقى ويدنوا قليلاً سانحاً مجالاً لصوت شاعرنا يردد هذه الكلمات، وتسيل عبرات الحضور على وجوههم حزناً في مشهد تراجيدي وفني صنعته أعواد الفرقة وصوت شاعرنا وصورته نجحت بعبقريتها باستلهام ذكرى عظيمة لشاعر عظيم.

سمير جبران، كبير الأشقاء في فرقة الثلاثي جبران، يستذكر عشر سنوات مضت بصحبة درويش يقول، "لقد كان هذا آخر ظهور على خشبة المسرح للشاعر قبل رحيله، أكتب هذه الكلمات وأذكر تفاصيل التفاصيل من ذاك الحفل، من وراء الكواليس محمود متوتر قلق من كل شي، يطلب مني سيجارة ولا اعرف ماذا افعل، فيسرع ويسعفني من الإحراج قائلاً: لا تقلق أريدها فقط بين أصابعي، يمسك السيجارة ويطلب إشعالها ويأخذ منها نفساً، لربما إثنان، يعلو صوت التصفيق في المكان بعدما انتهى مقدم الحفل من تقديمنا على المسرح، نعتلي المسرح انا واخي وسام ويتوسطنا الشاعر درويش، نفتتح الأمسية بموسيقى مسار وينهمر صوت درويش وحضوره وكلماته. ويحتضن ويمتلك المكان بسطو ساحر أمامنا، في وسط الجمهور نرى ليلى شهيد، والصديق فاروق مردم بك، وآخرون وفِي نظراتهم لربما هذا هو الظهور الأخير وفِي تمنياتهم أن لا يكون.

ويعلو صوت درويش في قصيده "الكمنجات تبكي على العرب الخارجون من الأندلس" ويحن ويبكي صوت درويش بقصيده (الجدارية) وقد كان يعلم تماماً أنها الأمسية الأخيرة، رأيت دموعاً بين أحرفه وسمعت صمتا أبكاني وعودي، ها هي اللحظات الأخيرة من الحفل، نحتضن أنا ووسام درويش ونتقدم المسرح لنقدم التحية للحضور، وأهمس له قائلاً: استمتع بهذا التصفيق، هذه لحظات تمر بسرعة ولا وقت لها". يضع يده على كتفي ويقول "أنت محظوظ، المستقبل أمامك، أـنا صار المستقبل ورائي".

ويتابع جبران قائلاً، "تحجر فكري وتمسمرت قدماي، وأخذت أتراجع من أمام المنصة الى الخلف، وها نحن نترك المسرح أنا ووسام يتوسطنا درويش، وها هو يلتفت لوحده مرة أخرى للجمهور ويلوح بيده آخر تلويحه وكانت أمسية وكان صباحاً وكان درويش".

وعن حفل هذا العام يقول سمير جبران على صفحته على موقع فيس بوك، "البارحة قدمنا أمسية تكريماً لروحه، انا وإخوتي وسام وعدنان والفنان يوسف حبيش في نفس المكان ونفس الْيَوْمَ. ولكن بعد عشرة أعوام على رحيله جسدياً. البارحة كان محمود حاضراً وبقوة، وكان صوته يصدح في المدرج، وفراشة تحوم بين أعوادنا. كان حفلاً مميزاً كبيراً حسياً وروحياً يحمل ذكريات جميلة ووجوه أجمل. نعم أرى ليلى شهيد تجلس تماما في نفس المكان الذي جلست عليه منذ عشرة أعوام، والى جانبها الصديق فاروق مردم بك، وبجوارهم وزيرة الثقافة الفرنسية الحاليّة. التقينا لأنك انت. من أنت يا محمود؟! غيابك حاضر وراسخ. شكراً لكل من ساهم وشاركنا هذا الحفل البارحة".  

ترى، ماذا كان يريد محمود درويش عندما قال "سأصير يوماً ما أريد"، هل كان يعلم بأنه أصبح أيقونة في الأدب والشعر، لقد حقق الكثير، ولم نحقق نحن بعده الكثير..

يذكر بأن فرقة الثلاثي جبران الفلسطينية العالمية هي الشريك الثقافي لبنك فلسطين، أكبر البنوك الوطنية في فلسطين منذ حوالي 5 أعوام. ويقومون الآن بجولة عروض فنية في فرنسا وأوروبا.