النقد والتجريح وبناء الوطن ..صلاح هنية

السبت 14 يوليو 2018 02:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
النقد والتجريح وبناء الوطن ..صلاح هنية



جوهر الأمر في الوطن اليوم التقليل من أهمية وجدوى أي شيء، سواء كان يمس مجموعةً كبيرة أو مجموعة محدودة، السائد اليوم ان نزج أنوفنا في كل أمر لنظهر "فيسبوكياً" أننا المرجع وعلى أرض الواقع لا نقوم بأي عمل يُذكر ولا مبادرة.
المشكلة أن الناس تعلّق وتجرّح وتُظهر الشماتة بحق أي مؤسسة أو تجمع يعمل ويُنجز، أما الغائبون عن ساحة العمل فلا يذكرهم أحد ولا ينتقدهم ولا يطالبهم بأي أمر، لأن تلك حدود قدرتهم والله يكون بعونهم، وهذا ينسحب على البلديات والأندية الشبابية والجمعيات النسوية والمراكز الثقافية، إذ لا يطالب أحدٌ مؤسسة غير نشيطة وغير فاعلة بأي شيء، لأن الجواب معروف، أما الفاعلة فالعيون عليها والإنكار موجّه لها والتعليق ثقيل الظل وحتى التحريض.
والمؤسف أن الناس تمر مرور الكرام على قرارات الحكومة الأسبوعية والتي تتضمن تعديلاً لقوانين واقراراً لقوانين جديدة لا تحمل صفةَ الاستعجال، لكن أحداً لا يعلق، ويجري تعديل إجراءات التأمين الصحي بالعودة الى فترة انتظار بعد الدفع لسريان المفعول 90 يوماً، بينما كانت المؤسسات الحقوقية تناقش على أُسس قانونية أهلية الحكومات السابقة لاصدار قوانين في غياب "التشريعي" الا ان صوتها هذه الايام بات مبحوحاً.
المُبكي أن عمليات استحواذ تجري من بنوك على بنوك أخرى ولا خبير يقيّم ويوضّح آثارها على القطاع المصرفي ولا يطالها النقد ولا الاشاعة، ولا يقيم احدٌ وزناً مثلاً لحقوق العاملين في البنك المستحوَذ عليه، هل نحن بصدد بطالة جديدة جراء إعادة الهيكلة!!!! التي يفتي بها القانونيون لشركات القطاع الخاص لكي تفسخ حملها كيفما شاءت؟.
المحزن أن كل من يأتي الى الوطن ملزم من "مجموعة التشهير" أن يعبس ولا يُظهر ابتسامة، وعليه أن لا يعلن إعجابه بتطور رام الله أو نابلس، ولا يجوز له أن يردد اغنية ولا يشارك في دبكة، وينسلّون من حوله ذاهبين صوب ساعات السمر التي يعيشونها، وكأن الحياة الطبيعية الفرِحة تليق بهم ولا تليق ببقية ابناء الوطن.
مصيبة المصائب أن هناك تكراراً مملاً في النقد يوضح ان هناك من يحفظ ولا يستوعب ما الذي ينتقده وكيف ينتقده، المهم ان يكون هناك مايسترو يبدأ وبعدها تتوقع من سيتبع، ولا يخيب توقعك مرة، والتكرار لا ينحصر في الملف السياسي بل يمتد للقضايا الاجتماعية والثقافية، ولكنه يعبر عن رؤية ذاتية ومصلحة ذاتية لشلة هنا وشلة هناك، ولكن هيهات ان تجد من ينتصر منهم لقضية عامة تطال مجموعةً كبيرة وواسعة من الناس، قد يطالون مدرسة خاصة عريقة بالتجريح ويتقاسمون الادوار بينهم وينسون جوهر الموضوع وهو ارتفاع الاقساط والمبالغة بها، ولكنهم لا يوفرون شاردة او واردة الا لعنوها ونسوا ان ذلك يؤثر على ابنائهم الدارسين في تلك المدرسة، والموضوع أساسه حقوقي يتعلق بتناسب القسط مع القدرة الشرائية للمستهلك وليس مشروع تدمير للمدرسة أو حرق سمعة.
عملياً أولئك لا يضعون حدوداً لحجم الحملات التشهيرية التي ينظموها ويسترسلون بها دون ضوابط، فيقللون من شأن مستثمر وينعتونه بنعوت عدة وأن مشروعه متأخر عن الجدول الزمني لأنه متعثر مالياً وهو ليس كذلك، ويمدحون استثماراً آخر لا يغطي الكفالات البنكية، ويصبحون خبراء في تقييم التعليم والجامعات والمهندسين والنصوص الأدبية دون ان يطالعوها.
ولا يمنع هذا من بذل جهد أوسع لتطوير الأداء وبناء القدرات والتعامل مع الشكاوى  ومتابعة تقييمات الجمهور المستفيد، وعدم الإحباط والتراجع جراء اي نقد من عيار ما ذكرناه أعلاه، وهذا يستدعي عدم إهمال او التقليل من أهمية الرأي الواعي والناضج والموزون، يجب ان تتفق المؤسسات والعاملون أن العاملين أساس المؤسسة، هذا لا يقلل من أهمية وضرورة التقييم وجودة الأداء وتحقيق الأهداف.
يجب تنمية ثقافة قبول الآخر وعدم نفيه، وثقافة ان قدرنا أن نعيش معاً ولا يجوز ان أحتل مساحتك أو تحتل مساحتي.