حراك رفع العقوبات لا غالب ولا مغلوب..ريما كتانة نزال

الأحد 24 يونيو 2018 11:17 ص / بتوقيت القدس +2GMT



سأتساءل، إن كان مشهد قمع تظاهرة رام الله المطالبة برفع العقوبات عن غزة؛ قد ساهم في رفع يد الأمن عن تظاهرة «بيت لحم» المنظمة تحت ذات العنوان، أم هل رأت السلطة التنفيذية انعكاس صورتها على مرآة ما انتهى إليه قمع مماثل لاعتصام غزة على يد «حماس» فقررت النأي بنفسها..! 
وسأتساءل أيضا إن كان ثمة مراجعة ما قد وقعت في الأطر صاحبة العلاقة بقرار القمع، وهل استخلصت السلطة التنفيذية دروس وعِبَر قمع الحراك في ظل التحديات والمخاطر العظيمة التي تحيط بالجميع شعباً ووطناً وقضية؟ بل زادت عليها المخاطر الاحتلالية الاميركية الجديدة القديمة، متمثلة بصفقة العصر، وما تتطلبه من تكريس الوحدة وتعزيز الصمود.
لقد كشف الحراك عن حالة تآكل الحريات العامة والاعلامية وحرية التعبير، وتراجع وهبوط  في سقوفها تدريجياً وبأكثر من شكل ومحطة، شهدناه في اعتقال الصحافيين وتقديمهم للمحاكم وظهر في طبيعة محتوى قانون الجرائم الالكترونية، بالغاً ذروته في حراك «رفع العقوبات». لقد أشار الحراك وما رافقه إلى أن الأزمة الداخلية متفاقمة، أكثر مما نتوقع. تراجع وتعارض وتضاد بين ما اعتمده القانون الأساسي وما يرتبه الانضمام الفلسطيني إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، تنكر للالتزامات والمتطلبات تحت دخان القنابل. 
المعاني المختبئة خلف ما جرى في الاعتصام يجب أن لا تمر، فالحدث أكبر من مجرد ضرب وسحل وتفريق، بل ينبغي قراءة رسائله المستجدة: تهديد السلم الأهلي والمجتمعي، نقص نظام المناعة وتضعضعه، مستوى حالة العداء والكراهية والتحريض والاصطفاف والاستقطاب. ما ظهر من تعبئة وتحريض وتشويه فئوي وجهوي وتغذية نزعات تدميرية؛ ضد المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والنساء المشاركات واليسار الفلسطيني، شيطنة رفاق الدرب الطويل بهدف شرعنة قمع الحراك. 
وإن كنت أخصص مقالي بالوضع في الضفة الغربية، فلا أعني بذلك إعفاء سلطة الأمر الواقع في غزة، حيث يشهد القطاع حالة غير مسبوقة في تردي حالة حقوق الانسان والانتهاكات الممارسة ضد الآخر المختلف، حيث كانت العصا تتربص بجميع الحراكات المطالبة بإنهاء الانقسام. لكن التركيز على ممارسات السلطة التنفيذية في الضفة حرصا على العقد الاجتماعي والائتلاف الوطني الجبهوي ممثلاً بائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية، لقد لحقت به ضربات موجعة.  
التراجع عن الخطأ فضيلة، إن صح اعتبار تظاهرة بيت لحم مؤشراً على عملية مراجعة وتقييم، عدم ترك المواطن أمام تكهنات وإشاعات، بل الخروج إلى الرأي العام بخلاصات صريحة وواضحة. لكن المؤشر يبقى ناقصاً دون فتح الأبواب أمام الحوار العام، مع أحزاب المعارضة، مع المجتمع المدني كإطار واسع لتنظيم المجتمع للدفاع عن مصالحه وبديل لحالة الاستقطاب الفئوي في هذه المرحلة، مع الائتلافات التي تقف خلف الحراك حول ما طفا على سطح الحدث، مقدمة ضرورية لتصفية وتنقية الأجواء التي فسدت.
عرف المجتمع الفلسطيني خلال السنوات الماضية أشكالا متعددة ومتنوعة من الحراكات الاجتماعية، حملت شعارات ومطالب عامة، تلامس المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، جميعها أطلقت على نفسها مسمى الحراك، بما يشير إلى مطالب محددة ينتهي الحراك فور تحقيقها. حراك إسناد ودعم الأسرى ودعم صمود غزة ومن أجل كسر الحصار وانهاء االانقسام وحراك المعلمين من أجل الحقوق النقابية والاجتماعية وحراك الموظفين وحراك الضمان الاجتماعي، حراك القدس، حراك شباب من اجل الوحدة ومن أجل تطوير القضاء وحراكات حقوق المرأة. 
في جميع الحراكات لم تمس الناس وتتهم بوطنيتها وصفاء سريرتها، لم تتهم بارتباطاتها الخارجية، لم يُلحق الأذى المادي والمعنوي بمنظميها. لم يتغير شيء منذ ذلك الحين، لم يتغير اليسار والمجتمع المدني والمنظمات الأهلية والناشطات النسويات، لم تتغير السلطة بمكوناتها وسياساتها وأجهزتها وتوجهاتها، كما لم تتغير المخاطر المحيطة. إذن ما الذي تغير!؟ ومن نحن وما هي محددات هويتنا وكيف نعرف أنفسنا، أيّ وعي نمتلك عن حالنا، وإلى أين ذاهبون؟! لنتحاور ونتباحث بعمق، وسلامة المجتمع وقِيَمِه وراء القصد. 
لا غالب ولا مغلوب في الخلافات الداخلية، إذا ما كان القانون بيننا. المسؤولية عامة وشاملة وعلى الجميع المساهمة في تجاوز سلبياتها وإصلاح أضرارها  وجبر تخريبها، مسؤولية الجميع. البوابة لكل ذلك من خلال الحوار المعمق والشامل بين مختلف الاطراف والقوى لأن المسألة وطنية ومصلحة عليا يقع واجبها على الجميع وفق الأصول والتقاليد والانظمة والقوانين والأعراف؛ حتى لا يتكرر ما وقع.
وحتى نتجاوز كل المطبات والاشكالات التي تعتري وضعنا الداخلي من جهة وتمكننا من تجميع الجبهة الداخلية وتمتينها في سبيل مواجهة المخططات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وفي مقدمتها صفقة القرن التي لم يتوقف الحديث عنها وعن مخاطرها، لكننا واقعيا لم نفعل الكثير من أجل درء مخاطرها وإفشالها.