حتى لا تنحرف البوصلة ...بقلم : محسن ابو رمضان

الأربعاء 20 يونيو 2018 02:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
حتى لا تنحرف البوصلة ...بقلم : محسن ابو رمضان



تزايدت بالآونة الأخيرة حدة الاحتقان والتوتر بين كل من حركتي فتح وحماس وقد تم التعبير عن ذلك من خلال حملات التراشق الاعلامي والتحريض المتبادل واستخدام اخطاء الاخر وتوظيفها سياسياً على المستوى الفئوي والحزبي .

يأتي ذلك بالوقت الذي تزداد مؤامرة تصفية القضية من خلال قرارات ترامب تجاه القدس واللاجئين والاراضي والعمل على حماية اسرائيل بالمحافل الدولية وخاصة في مجلس الامن والجمعية العامة ومجلس حقوق الانسان جراء قرارات جمعية تهدف إلى حماية شعبنا من بطش الاحتلال ومن اجل حقوقه الثابتة والمشروعة ، ورفضاً لقرارات ترامب تجاه نقل السفارة الامريكية إلى القدس .

لقد تم التعبير عن رفض شعبنا لقرارات الإدارة الامريكية من خلال التحركات الشعبية الواسعة وخاصة في قطاع غزة التي تمت من خلال مسيرات العودة وكسر الحصار عن قطاع غزة والتي شاركت بها والتفت حولها معظم القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني تعبيراً عن إرادة شعبية واسعة وعبر الوسائل السلمية عن رفض الاحتلال والحصار والمطالبة بتنفيذ قرارات الامم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية وخاصة قرار 194  بخصوص حقوق اللاجئين .

لعبت مسيرات العودة دوراً هاماً في اعادة تظهير القضية الفلسطينية بالأوساط الدولية وخلقت حالة من الحراك الشعبي التضامني الواسع معها كما تم اتخاذ سلسلة من القرارات الدولية المناصرة لحقوق شعبنا ، علماً بأن المسيرات كشفت الطابع العدواني والعنصري لدولة الاحتلال وضربها بعرض الحائط كافة القوانين والتشريعات الدولية ومنظومة حقوق الانسان .

وبالوقت الذي من الهام ان يتم تركيز البوصلة على الاحتلال عبر تعميم المقاومة الشعبية في كافة الاراضي المحتلة عام 67 ، وتوسيع حملة التضامن مع شعبنا وتنفيذ خطة سياسية ودبلوماسية وقانونية تساهم باستثمار الجهد الكفاحي المجسد بمسيرات العودة وغيره من اشكال المقاومة  الشعبية التي تتم بالضفة ومناطق 48 ، نرى ان حالة التراشق الاعلامي والتحريض المتبادل بين حركتي فتح وحماس اعادة تصدر المشهد بما يهدد بضياع البوصلة واستبدال الصراع مع الاحتلال بالصراع الثنائي الذي يعمل على استنزاف مقومات الصمود ويضعف من منعة شبعنا في مواجهة التحديات .

 واحداً من اسوء ما افرزه الانقسام يتجسد بتهميش وتعطيل عمل المؤسسات التمثيلية وآليات المشاركة والمسائلة والمحاسبة وتسيس القضاء والتوجه نحو الحكم المركزي سواءً حزبياً أو فردياً على حساب العمل المؤسساتي الامر الذي ادى إلى تقويض الديمقراطية بكل ابعادها وخاصة الحق بالرأي والتعبير والتجمع السلمي مصحوباً بأدوات جبرية ترمي إلى فرض وتثبيت السلطة بكافة الوسائل القهرية ولكن بعيداً عن ارادة المواطنين والحرة في الغاء لمقولة " ان الشعب مصدر السلطات " .

إن قمع كل من حراكي رام الله وغزة ذات المطالب العادلة والمشروعة سواءً فيما يتعلق بمطلب الغاء العقوبات عن غزة أو حماية حقوق الاسرى وانهاء الانقسام يؤكد كم ان السلطتين اصبحتا تضيق ذرعاً بالهامش الديمقراطي والحراك السلمي والذي كان بالإمكان استثماره والاستفادة منه لتصويب السياسيات وذلك عبر الاستماع إلى المطالب المشروعة للمتظاهرين الذين يمارسوا حقهم المكفول بالقانون الاساسي والمحمي بفعل القانون الدولي الانساني وخاصة بالعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية .

لقد حذر رموز عصر التنوير والعديد من الباحثين الاجتماعيين من تبعية السيطرة المطلقة على السلطات وقد اصبح واضحاً ان مقولة السلطة المطلقة هي " مفسدة مطلقة "هي مقولة موضوعية وصائبة لذلك فقد قدموا اقتراحات ترمي إلى تفكيك هذه السيطرة وذلك عبر الانتخابات الدورية والفصل بين السلطات بما يضمن التداول السلمي للسلطة ويعمل على صيانة الحريات العامة ، اما الابقاء على سيطرة فئة سياسية على مقاليد الحكم دون تجديد وتداول فهذا يعنى خلق حالة من التداخل المصلحي والشخصي معها .

احدى مؤشرات انحراف البوصلة عن الصراع مع الاحتلال يكمن بالدعوة لتنظيم وقفات واعتصامات امام السفارات الفلسطينية في بعض البلدان العربية والأوربية وتقديم دعاوي تجاهها بالمحاكم الدولية  وذلك بدلاً من تنظيمها أمام السفارات الامريكية والاسرائيلية احتجاجاً ورفضاً لممارساتها العدوانية بحق شعبنا وبدلاً من تقديم الدعاوي ضد ممارسات الاحتلال القمعية المتنافية مع مبادئ حقوق الانسان .

كما تكمن بالتوظيف السياسي والفئوي للاعتصامات السلمية والحقوقية والتي تنادي بتحقيق مطالب مشروعة مثل وقف الاجراءات العقابية عن قطاع غزة ، والتي تم تنظيمها في رام الله ، والتي حاولت حركة حماس استثمارها ، بالوقت الذي حاولت حركة فتح استثمار حراك الاسرى في غزة الذي يدعو إلى حماية حقوق الاسرى وانهاء الانقسام .

وإذا كان التوظيف السياسي والفئوي يتم من طرفي الانقسام فإن أحد ضحايا هذا الانقسام اللعين يكمن باستهداف العمل الاهلي ومنظمات المجتمع المدني الذي انبرت الآلة الاعلامية وخاصة من قبل السلطة بالضفة بكيل الاتهامات لها واعتبارها تنفذ اجندة امريكية وغربية ، بالوقت الذي يشهد لهذه المنظمات وعبر تاريخها الطويل الدور البارز الذي قامت وتقوم به في المسارات الوطنية والحقوقية والتنموية والديمقراطية لدرجة ازعجت دولة الاحتلال وخصصت منظمات محددة لرصد ادائها الذي يساهم في كشف فظائع وانتهاكات الاحتلال امام المجتمع الدولي ويوضح صورته العدوانية والعنصرية بحق شعبنا .

وبالوقت الذي يوجد تداعيات سلبية على المستوى الديمقراطي والحقوقي بسبب الانقسام فإنها تنعكس سلباً ايضاً على مستقبل القضية الوطنية وتؤدي إلى البحث عن الخيارات الفئوية والجغرافية الخاصة بمعزل عن السياق الوطني الموحد ، وبما لا يساهم بالضرورة بالتصدي لخطة  ترامب .

لا داعي لتجريب سنوات اضافية من عمر الانقسام فقد بات من الضروري والملح ليس العمل على مراجعة وتصويب السياسات الخاطئة التي تضر بحالة الحريات العامة ولكن بما يتضمن الدفع باتجاه وقف التدهور والعمل على استعادة المبادرة من جديد على قاعدة تضمن تنفيذ بنود اتفاق المصالحة وبما يشمل التحضير للانتخابات العامة لإعادة صياغة النظام السياسي على ارضية تشاركية وديمقراطية وغير اقصائية .

انتهى